الخميس، 20 يونيو 2013

الثورة المصرية من الانكسار إلى الانتصار (5) ..... الاستقطاب اللعين! - حازم علي ماهر


ذكرت في المقال الأول من هذه السلسلة أنه فور نجاح الثورة في إجبار الرئيس السابق على التنحي دخل المصريون في دوامة استقطابية حادة حول ثنائيات مفرقة أسهمت في تفتيت أهداف الثورة وانحرافها، مما أسهم بدوره في فض وحدة المصريين، ومن ثم تراجعت الثورة لحساب الثورة المضادة وتحول انتصارها إلى انكسار يكاد أن يقضي عليها تمامًا ويقتل حلم الإنسان المصري باسترداد إنسانيته المهدرة على يد أنظمة استبدادية إفسادية.

والحقيقة أن الثورة لم تكن منشئة لذلك الاستقطاب بل هي مجرد كاشفة عن تغوله وتطرفه، إذ تعود جذوره – في ظني- إلى اللحظة التي اكتشف فيها المصريون تخلفهم المادي الهائل عن الأوربيين، حين جاء نابليون بجنوده وأسلحته ومطبعته وعلمائه واحتل مصر المحروسة!
فعند هذه اللحظة، وبمجرد التخلص من الاحتلال الفرنسي، أطلق الشيخ حسن العطار –الذي تولى مشيخة الأزهر فيما بعد- صيحته المشهورة: "إن بلادنا لابد أن تتغير أحوالها ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها"، وأسرع الوالي الجديد (محمد علي) بإرسال بعثاته إلى أوروبا، مستهدفًا الأخذ عن الأورباويين علوم الصنائع أو العلوم الحديثة، إلا أنه أوجد وهو بصدد ذلك ازدواجية فاصلة في التعليم، فأبقى القديم على حاله وأنشأ الجديد إلى جواره، مما أخرج طبقتين ثقافيتين منقسمتين بين القديم والجديد، والأصالة والمعاصرة، والدين والعلم، قدما إجابات مختلفة - أغلبها أحادية إقصائية- لسؤال النهضة: بعضها ينطلق من الموروث الثقافي للأمة ويتبناها من أطلق عليهم بعد ذلك "إسلاميون"، والبعض الآخر منها يتمنى التحديث على النمط الغربي، ويتبناها من أطلق عليهم "علمانيون".

وقد أدى اختلاف الإجابتين وأحاديتهما إلى نشوب صراع فكري ومعرفي بين الطرفين (الإسلامي والعلماني) استثمره الحكام المستبدون وأذنابهم، فعملوا على تأجيجه تطبيقًا لمقولة "فرق تسد"، ونجحوا في ذلك إلى حد كبير، حتى أننا إلى الآن ما زلنا نقف "محلك سر"، ونتساءل مع من تساءلوا من أجدادنا الإسلاميين والعلمانيين (ليبراليين ويساريين): لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟! أو لماذا تخلف الشرق وتقدم الغرب؟!

والذي حدث أن ذلك الصراع الإسلامي العلماني كَمُنَ وقت الثورة لأن المصريين أدركوا أن من مصلحتهم تجنب رفع أي شعار من شأنه أن يهدد تماسك ثورتهم لهدم النظام الفاسد، وحين نجحوا في الهدم، وحان وقت البناء، أسفر هذا الصراع عن وجهه القبيح في صورة استقطاب سياسي لعين يتترس خلف ثنائيات فكرية مفتعلة سأتعرض لها وأحاول الإسهام في معالجتها بدءًا من المقال المقبل بإذنه تعالى.
حازم علي ماهر

hazemali72@hotmail.com
-------------------
المقال منشور بجريدة الشاهد الوطني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق