1- إن الاستبداد هو نتيجةُ التخلف وعلامةٌ عليه، مثلما هو سببٌ ومضاعِفٌ له. وكلُّ مجتمعٍ مستبدٍ سياسياً هو حتماً مجتمعٌ متخلف. وكلُّ مجتمعٍ متخلفٍ هو، لا مفر، مجتمع مستبد سياسياً. فالاستبداد والتخلف صنوان مقترنان، مثلما أن الشورى (=الديمقراطية) والتحضر لا يفترقان.
2- إن مبعث الاستبداد - دائماً وأبداً، وفي أي زمان ومكان- هو (غفلة الأمة). فالأمة التي لا تقيم من نفسها رقيباً على حكامها؛ تحاسبهم على عن صغيرة وكبيرة أشد الحساب، سيستبد بها حتماً وكلاؤها؛ إذ الاستبداد أمر طبيعي في الحكام؛ فالحكم حلو الرضاع، مُرُّ الفطام. وما من حكومة، حتى ولو كانت عادلة، تأمن من المساءلة والمؤاخذة - بسببِ غفلة الأمة أو إغفالها، أو لا مبالاتها - إلا وتسارع إلى التلبس بصفة الاستبداد، ومن ثم - بعد أن تتمكن فيه - لا تتركه.
إن الطغيان لا يصنعه الطاغية، وإنما الأمة هي التي تصنع الطاغية والطغيان معاً. فالأمة مسئولة عن الطغيان مسئولية الطاغية عن نفسه وزيادة. وفي الحكمة الشعبية المصرية: "قال: يا فرعون؛ من فرعنك؟ قال: ما لقتش حد يصدني". فالأمة هي المسئول الأول والأخير، الأصلي والأصيل، حتماً وبالضرورة، عن طغيان الطغاة واستبداد المستبدين.