السبت، 29 مارس 2014

السيسي بين المطرقة والسندان...... محمد المهندس

قد تبقى كواليس ما قبل الثالث من يوليو سرا لفترة طويلة من الزمان في ظل رغبة طرفي الأزمة في أن يحافظوا على ملائكية متوهمة لدى الأنصار والأتباع. المتاح والمتواتر من المعلومات أن الإخوان قد عرضوا على السيسي منصب رئيس الوزراء في مقابل بقاء محمد مرسي كرئيس للجمهورية كما صرح بذلك أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى في تصريح منشور ببوابة حزب الحرية والعدالة.

وفقا لذات التصريح فإن السيسي قد رفض العرض المقدم وأصر على فكرة الاستفتاء على الرئيس خلال مدة تتراوح ما بين أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع لأنها الفرصة التي قد لا تتكرر إن فاتت في ظل الزخم الشعبي والغضب الكبير من حكم الإخوان العاجز والمتردد.


لم يكن مرسي إذن بطلا يقاوم حكم العسكر كما يدعي أنصاره; فقد عرض عليهم مقايضة تجعلهم على رأس السلطة التنفيذية (مع صلاحيات كاملة) في مقابل البقاء‘ بعد أن أعطتهم الجماعة من قبل كل ما يريدون في دستور الوصاية العسكرية الذي ينفي عن الدولة مدنيتها المزعومة!

لم يكن السيسي كذلك بريئا من الغرض حاميا للدولة من السقوط كما يدعي مجاذيبه‘ ولكنه كان رأس حربة لدولة يوليو ودوائرها التي أتت لها الفرصة سانحة لكي تعود إلى رأس السلطة ظاهرها وباطنها.

(١)

لا أميل إلى رواية أن السيسي هو الحاكم بأمره وأنه لا راد لقراره في الدولة المصرية‘ وأنه قد خطط بعناية لخداع مرسي الذي وثق فيه واستند عليه في مواجهة غضب المعارضة والشارع من قراراته العشوائية المتكررة.

السيسي أتت به الظروف على رأس المؤسسة العسكرية التي باتت بعد الخامس والعشرين من يناير الطرف الأقوى بل وربما الوحيد داخل الدولة المصرية‘ واستغل في ذات الوقت مهاراته الشخصية في كسب ثقة رئيس وجماعة يقيمون المسؤولية على مقياس التدين الشكلي والطاعة الظاهرية والمصلحة التنظيمية!

السيسي - في ظني - استجاب لرغبة المؤسسة الأقوى ونفذ بالحرف ما أرادته في الثالث من يوليو‘ وقد كان في ذلك جامعا بين طاعته العسكرية المعهودة لقادته الأقدمين (وعلى رأسهم المشير طنطاوي الذي لا يزال حاضرا في المشهد)‘ وبين طموحاته الشخصية التي انطلقت بسرعتها القصوى في ظل رغبة المؤسسة ومجموعات المصالح المرتبطة بالدولة المصرية في أن تصنع بطلا متوهما في لحظة حاسمة!

سنحت الظروف والمصالح للسيسي فرصة كبيرة في أن يصبح زعيما متوهما رغم أنه لا يمتلك من مقومات الزعامة شيئا‘ وفرضته البروباجندا الإعلامية مواجها للمصالح الأمريكية والأوروبية في مصر رغم أنه لم يضبط متلبسا بأي جملة تحمل ذاك المعنى‘ بل أنه كما صرح "يطلع" الإدارة الأمريكية -ممثلة في وزير دفاعها-  على كل كبيرة وصغيرة في الشأن المصري الداخلي!

(٢)

دارت الأيام على غير ما أرادت المؤسسة العسكرية الحاكمة ومأموريها بعد الثالث من يوليو‘ فلا الإخوان استسلموا للأمر الواقع الذي اريد فرضه بقوة السلاح وعنف الجهاز الأمني‘ ولا استمر التحالف العسكري مع أدعياء المدنية الممثلين لجبهة الإنقاذ‘ ولا استطاعت الدولة تحقيق أي إنجاز أو حتى وقف التدهور في المجال الاقتصادي أو الخدمي‘ ولا استطاعت تحقيق الأمن لمواطنيها بل ولرجال جهازها الأمني ذاته‘ وزاد الطين بلة الكم الهائل من الدماء التي سالت وما لحق بها من انتهاكات بالغة لحقوق الإنسان في السجون‘ إضافة إلى السمعة السيئة التي تلطخت بها الدولة المصرية في ثوبها العسكري في ظل أداءاتها القمعية من جهة والهزلية من جهة أخرى في الدوائر الغربية على المستويات الإعلامية والحقوقية والرسمية كذلك!

كل هذه الكوارث أصبحت محملة على رأس السيسي الزعيم (المصنوع والمتوهم) الذي أصبح في موقف لا يحسد عليه; فهو مطالب بأن يحل كل المشاكل المتوارثة والجديدة (لأنه صدر على أنه الزعيم الخارق)‘ ومطالب في الوقت ذاته أن يحقق مزيدا من المكاسب السياسية والاقتصادية للمؤسسة العسكرية ومجموعات المصالح التي صنعت منه زعيما على حين غرة‘ وأن يلبي كذلك طلبات الدول الخليجية المانحة التي لولا مساعداتها لسقط في بئر سحيق!

(٣)

باتت المعادلة للسيسي بالغة التعقيد; فإن صار رئيسا فسيحمل كل أوزار الشهور الماضية وسوء الأوضاع الاقتصادية البالغ بشكل كامل غير منقوص رغم أنه لم يكن صانعها الأوحد‘ وستنكشف كذلك زعامته المتوهمة وسيظهر أمام الناس على حقيقته العاجزة بل والفارغة التي بانت ذروتها في فضيحة عبد العاطي‘ كما أنه قد بات يدرك أن المفاتيح الحقيقية لحكم البلاد قد صارت بشكل مطلق في وزارة الدفاع وليست في قصر الاتحادية وهو ما كان جزء منه طوال حكم مرسي من جهة وما أكدته الزيادات التي أضيفت لصالح المؤسسة العسكرية من خلال مواد الدستور الجديد وتعديلات القوانين المنظمة لعملها من جهة أخرى.

أما إن بقي في منصب وزير الدفاع - استجابة لرغبة الخليج ولعدم الوقوع في فخ الرئاسة الناقصة - فإنه يعلم علم اليقين أنه قد يكون ضحية اتفاق تسوية صريح أو ضمني بين الرئيس القادم (الذي لا بد أن يكون عسكريا وفقا للوضع الجديد) من جهة والإخوان وحلفائهم وربما الأمريكيون كذلك من جهة أخرى تحت ضغط الاضطرابات وانهيار الأوضاع; لأنه لا فرصة لأي تسوية من أي نوع في ظل بقائه في المشهد رئيسا أو وزيرا‘ أو أن يكون ضحية صراع معركة ولاءات يفوز فيها الرئيس العسكري المفترض في ظل أن السيسي على ما يبدو ليس الرجل الأقوى داخل المؤسسة العسكرية خاصة أنه قد أتى على رأس وزارة الدفاع من جهاز المخابرات الحربية لا قيادة الجيوش ذات الأثر الأقوى في المؤسسة العسكرية.

(٤)

السيسي إذن كان واقعا بين خيارين كلاهما سيء.. خيار الزعامة وتحمل المسؤولية الظاهرة في الرئاسة‘ أو خيار البقاء على رأس الحكم الحقيقي الآمن شكلا غير المأمون موضوعا في وزارة الدفاع!

مقامرة هي إذن..

اختار السيسي في النهاية الخيار الأول وهو الرئاسة في ظل تطلعاته الشخصية‘ وأملا في أن يجمع بين مزايا الخيارين حيث السيطرة على الرئاسة والمؤسسة في آن واحد.

القرارات الأخيرة الخاصة بإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية من خلال زيادة عدد أعضاء المجلس العسكري وإبعاد قائد عسكري كبير عن موقعه المؤثر واختيار رئيس للأركان على غير المتوقع يؤكد أنه يحاول أن يضمن ولاء المؤسسة قبل أن يتركها لقصر الاتحادية!

المشكلة في هذا الخيار أنه مقامرة كاملة; فإما أن يفوز بكل شيء (وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية)‘ وإما أن يخسر كل شيء (وهو ما يبدو أكثر رجحانا).

الخسارة - في ظني - آتية لا محالة‘ ولكن التقدير الزمني هو الذي قد يصعب التنبؤ به‘ ولكني لا أراه زائدا عن فترة رئاسية واحدة بحد أقصى.

عندها قد يتغير المشهد بالكلية بشرط أن يوجد البديل الجاهز الذي يستغل الفرصة في فرض أهداف الثورة في حدها الأدنى على الأقل حتى لا نعيد تدوير المشهد في ذات الدائرة مرة أخرى.
------------------------------------------------------------ 
روابط ذات صلة:

- رواية أحمد فهمي لمشاوراته مع السيسي قبل الثالث من يوليو:
ملحوظة: تم حذف أصل تصريحات أحمد فهمي من موقع بوابة الحرية والعدالة ولكنه ما زال موجودا على باقي مواقع الإخوان.

- إخبار السيسي للإدارة الأمريكية بكل تطورات الشأن المصري الداخلي:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق