الخميس، 13 مارس 2014

رسائل مصر القوية: “الرسالة السابعة” النهوض الحضارى “الصعود والإنحدار”..... د.عبد المنعم أبو الفتوح


رسائل مصر القوية
"هذه الرسائل ليست عملا فكريا كاملا بقدر ما هى مفاهيم عامة لكنها تحمل مضمونا واضحا ومحددا لرؤية مصر القوية لقضايا معرفية واجتماعية وسياسية واقتصادية ..اردت لها ان تكون مختصرة وكثيفة لتفتح مسارات الحركة للعقل فينطلق فيها فهما وابداعا وعطاء وتجديدا لهذه القضايا وما تحمله من افكار مجردة."        د.عبد المنعم أبو الفتوح
 
(الرسالة السابعة) النهوض الحضارى (الصعود والانحدار) .

النهوض الحضارى هو العودة الى أصول التكوين والنهوض الأولى-الميلاد- واعتمادها مرجعا للتفكير ونقطة بدء وانطلاق نحو التغيير والتجديد والنهوض وإعمار الحياة.. هذه العودة موصوله ومشروطة بالمراجعة النقدية العميقة لمظاهر الركود والجمود والتراجع.. التي عرفها الواقع.. والفكر.

الدراسات التاريخية والحضارية اوجزت لنا تصور عام عما يعرف( بالدورة الحضارية) وبينت الابعاد الثلاثة لدورة الحضارة عبر التاريخ وزمن الانسان.. والتى تحوى:
  • اولا منحنى الحضارة صعودا وانحدارا.. 
  • ثم ثانيا الثابت والمتحول فى التكوين المعرفى (الفكرى) للحضارة 
  • والبعد الثالث هو الحياة نفسها (الواقع) بسيرها وصيرورتها الدائنة والمستمرة (والصيرورة مشتقة من: تصير الى)
الارتباط بين البعد الثانى والثالث متداخل ومركب ومتفاعل.. فحجم التراكم المعرفي ونوعيته وحجم الخبرة كبير ويكون بإمكانهما اختصار الزمن وتلخيصه في نتائج توصل بين الماضي و الحاضر.. دونما (احتجاز) داخل هذا الماضي حتى وإن ثبت نجاحه في زمنه... مع الأخذ بالاعتبار الفارق بين الحضارات التي تقوم على الفكرة الدينية وبين الحضارات التى ليس لها مرجعية دينية.. كما نرى الان فى (الانسان مرجعية نفسة!؟).

للحضارة عمرها المسمى كما كل ما هو فوق الارض.. تبدأ بالنشوء لتصل مرحلة النضج الحضاري وبعدها تدخل في مرحلة الشيخوخة .. فيصيبها الضعف مثلها في ذلك مثل دورة (الإنسان) سنلحظ كون الانسان هو قلب الحضارة وستكون صورة الصعود والهبوط بصورة الوجود الانسانى نفسه (ميلاد واكتمال واضمحلال)...الفارق الوحيد هو ان الحضارة لا تموت..-والموت ليس نهاية على اية حال..ولكنه انتقال من هنا الى هنا كما يقول الفلاسفة الاسلاميين- لأن الحضارة فى تكوينها المتكامل.. ليست إنساناً واحدا بل هى فى الاساس مجموعة من الناس تتمثل قيم هذه الحضارة وثوابتها.. فيتجدد شباب الحضارة مرة أخرى لتنهض من جديد وتصل إلى مرحلة نضج أخرى وهكذا فى تواصل واستمرار..

ويلاحظ هنا أن الحضارة تعيش وتتجدد بأجيال متلاحقة تحمل الحضارة في عقلها الجمعي وتراكمها المعرفي ويتحقق بذلك ضرورة التواصل.. كما تحمل ملامحها الذاتية وإمكاناتها وطاقاتها وهذه السمة هي التي تكسب الحضارة قدرتها على الاستمرار كما تصبغها بطابعها التاريخي الدوري بين والصعود الاضمحلال الحضاري..

ومن التغير والتعاقب عبر المراحل تأتي أجيال معبرة عن زمنها لا الزمن الذي فاتها.. واعية بالوضع المتردي الذي وصلت له الحضارة التى سبقتها ولها رؤى تحاول أن تخرج بها من كبوتها فتبدأ معها بالصعود الحضاري..


التراجع والصعود الحضاري والفجوة ما بينهما يمكن أن تأخذنا الى نتيجة هامة تشير الى أن المسافة الفاصلة بين الهبوط والصعود قد تضاءلت كثيرا عن ما كانت عليه قبلا.. وكأن التغير التاريخي الحالى قد جعل من دورة الحياة الحضارية أكثر تركيزاً في مداها الزمني وكلما كان قياس الفروق بين الحضارات قياساً نوعياً (عقل، معرفة، اخلاق) وليس كمياً (ثروات وقدرات عسكرية وعلمية) كلما وصلنا إلى هذه النتيجة اكثر.

تطور وسائل الاتصال والتواصل سهل التعرف على الثقافات والبيئات الأخرى واتصور إن اتجاه التاريخ سوف يشهد مزيداً من التقارب بين الحد الأقصى للصعود والتراجع الحضاريين والزمن المستغرق لكل مرحلة منهما ولكن ذلك لا يعني تضاؤل الفرق تماماً.. إنما يعني أن المساحة النسبية بين التقدم والتراجع ستتغير وستبقى بينهما مسافة محسوسة ولكنها أقصر مما تحققت في الماضي.. (بين صعود واضمحلال الحضارة الرومانية ما يقرب من عشرة قرون!)

والمؤكد ايضا ان الحضارة-أى حضارة- في حالة تراجعها تكون قادرة على المحافظة على حد أدنى من وجودها واستمرار هويتها على خريطة الدنيا ..

ظلت الامة العربية والاسلامية تراوح مكانها في الحراك الحضارى بحسب المرجعيه والتوجهات الفكرية والاختيارات السياسية... وظلت مسالة النهوض تحمل وجهين (دلالى) يجيب عن سؤال كيف ؟ ادراكا لواقع الهبوط والانحدار مع الحضور الدائم والطبيعى للحضارة الغربية على الخلفية دائما وفى كل وقت !! .. ووجه اخر(معرفى) يشير الى جدلية (الماضي الجامد) من ناحية أو (الحاضر التغريبي)... وككل الامور التى يغيب عنها (المنهاج) التبست الرؤى فى ابتعاد واضح عن معالجة الواقع معالجة صحيحة.


على الرغم من(القوة الحضارية) لرصيدنا المعرفي والقيمى ناهيك عن مرجعية دينية تانف بطبيعتها من التأخر والتراجع والتلقيد وتمتلك أصول نهوض راسخة ومتجددة.. وهو ما يدعونا للسؤال عما اذا كان هذا الخلل نابعا من الداخل أم أنه مفروض من الخارج..؟ وفي حالة الاثنين (داخلي وخارجي ) فما هي سبل التجاوز.؟؟

مفهوم النهوض على المستوى النظري وعلى مستوى البناء المعرفي مهم للغاية فى تحديد دورالفكر فى قصة (النهوض) هذه لتأصيل معالمه (وربط الفروع بالاصول.. فلن نكون هكذا اغصان تتدلى بلا جذور)

وعلى المستوى العملي بهدف التعرف على المشكلات المسببة لإعاقة حركة النهوض في العالم العربى والإسلامي والحلول المقترحة لتجاوز هذه المعوقات والمضي نحو النهوض والتجدد الحضاري .

لعل الخطأ الحاصل بمفهوم النهوض - بالواقع العربى والإسلامي هو الأخذ فقط بالشق الأول للمفهوم على (عودة للقديم) كما أن الخطأ الحاصل لدى التيارات التغريبية هو بأخذها لمحصلة ما توصلت إليه التجربة الغربية.. التى هى نتاج ظرف تاريخى مختلف وبيئة اجتماعية وفكرية ودينية مختلفة...

في الحالتين غاب مفهوم (المراجعة النقدية للفكر والواقع) مفهوم العقل الناقد السؤول، بالنظر والتأمل والتدبر سواء في آيات الله تعالى أو سننه في الإنسان والكون والحياة وذلك وفقًا للنظرة العلمية والموضوعية للفكر كأداة للكشف والافصاح عن جوهر الامور، والعمل على التغيير عبر نسق الفكر والواقع معا.

بين ما تقدمه الرؤية المعرفية إسلاميا، والمعرفية غربيا، من تصورات لأصول النهوض الحقيقية ومن استقراء لأفكار الرواد الاوائل.. سنجد أن الاختلاف والتشتت في الواقع الإسلامي اختلاف نابع بالاساس من الخلط بين ما هو (أصل) وماهو (فرع)... فالأصل طريق واضح المعالم بما تأصله الرؤية الإسلامية من تصور يفسر حركة الكون القائمة على أساس الوحدة بين (الكون والإنسان والحياة) كون الانسان فى التصور الاسلامى هو (النواة الصلبة) للتاسيس الحضاري متحملا كامل المسؤولية بامتلاكه خاصيتي (العلم والإرادة الحرة)..

الخبرة الفكرية لحركات النهوض السابقة -والتى نعتز بالانتماء اليها- ترسيخ وتأكيد لقواعد الانطلاق الاولى وتحديد معالم الحركة الناهضة عبر التاريخ.. كما هي تفعيل لخاصية العقل والاجتهاد بتحديد اسلوب الاقتراب في قراءة الثوابت القيمية و المعرفية.. وتطبيقها على الواقع.

فى مدارات التشخيص والبحث عن أسباب الانحطاط سواء كانت (داخلية) أم (خارجية) وفي ادوات ومناهج الإصلاح والنهوض سنرى ان هناك تباين واختلاف تحكمه متطلبات المرحلة الزمنية المعاشة.

معوقات النهضة في تصور وإدراك رواد الاصلاح تكونت حول عناونين: غياب المراجعة الذاتية وتداخل المفاهيم التي شاع تداولها نتيجة ضعف الأساس المعرفي الإسلامي وسيادة النموذج المعرفي الغربي الذى يحوى خطأ جوهريا فى النظر الى مفهوم (الخالق والمخلوق) وهو ما جعل الدين متغيرًا !! تابعا لمفاهيم وأفكار الفلاسفة التى قامت على (ثقافة الانكار) جراء العسف الشديد للكنيسة بمجالات البحث المعرفى والتقدم..

مقومات النهضة في تصور وإدراك الرواد الاوائل تكونت حول مفهوم (الاسلام الحضارى) حيث اقتران العقيدة بالعقل، والمادة بالروح، الانسان والطبيعة، الواجب والمنفعة، الاخلاق والحرية.

وسيتجه كل ذلك فى النهاية الى مفهوم (الانسان).. القصة الكبرى فى الوجود على هذه الارض. وسيترتب على ذلك قصة الحضارة صعودا وهبوطا.. وسترى ان الاعمدة الخمسة لكل الحضارات (الدين والعلم والفن والعمل والمال).. تواصل معها الاسلام وتوافق وتواثق على الشرط الانسانى الذى يحقق التوازن الامثل بين الانسان وبين محيطه المادى والاجتماعى والفكرى.

وتلك هى نقطة البدء والانطلاق.. بمفهوم النهوض الحضارى.. كوننا استئناف لشىء عظيم كان ذات يوم ولازالت ثوابته باقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق