الأحد، 30 مارس 2014

مقالات في الإسلام والسياسة - مقدمة.... محمد عفان


في أوقات الأزمات المجتمعية الحادة عادة ما تثورعدة إشكاليات سياسية أو فكرية، ويكون من العسير أن تجد الأطراف المتنازعة البيئة الداعمة أوالنفسية الملائمة لمناقشة هذه الإشكاليات بشكل هادئ ومتزن في أجواء الصراع والتشاحن. وهذا ما ينطبق مثلا على إشكالية الدين والسياسة -أو الإسلام والسياسة بشكل أدق- في منطقتنا في أعقاب الربيع العربي، إذ سرعان ما أدى النزاع على ملامح النظام الذي يتشكل وميزان القوى فيه إلى استعار الاستقطاب السياسي بين القوى الإسلامية والعلمانية –بين قوسين-، الاستقطاب الذي كانت أدواته التراشق بالأفكار والصور الذهنية السلبية، والتمترس خلف الأيديولوجيات والتطرف الآمن أو المريح.
 
ولم تقتصر النتائج السلبية لهذا الصراع والاستقطاب على تعطيل مسيرة التحرر من الاستبداد وانحراف مسار الصراع من ثوري/"فلولي" إلى إسلامي/علماني وهو ما أعطى النظم القديمة الفرصة لالتقاط الأنفاس وامتلاك زمام المبادرة، بل تعدتها إلى تعميق الانقسامات المجتمعية نتيجة وصول الصراع والتصدع من النخب ليمتد طوليا إلى المجتمع ككل. إضافة إلى ذلك، فإن هذا الصراع أعطى القوى الإسلامية والعلمانية الذريعة للهروب من الاستحقاقات الأهم، وهي مراجعة الأفكار، ونقد الذات، وتطوير البرامج، وبناء القدرات، ليرفع الجميع شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة".

وفي ظل هذه الأجواء، وجدت أنه من الملائم أن أستغل هذه المساحة لمناقشة هذه الإشكالية المزمنة، ولا أستهدف من هذه المناقشة إصدار الأحكام أو إجابة التساؤلات، بل -على العكس- سأحاول أن أهرب من فكاك الأحكام والآراء المعيارية، وأن أكتفي بإثارة بعض التساؤلات، وإلقاء الضوء على بعض الجوانب المهملة أو المنسية من المفاهيم والأفكار، إيمانا بأن الإجابات الصحيحة تنبع بالضرورة من الأسئلة الصحيحة، وأن التيه الذي تعاني منه مجتمعاتنا والدوائر المغلقة والمفرغة التي تدور بها إنما هي نتيجة السقوط في فخ الأسئلة الخاطئة والأطر الفكرية المضللة.

ربما سيكون من المناسب في البداية أن نناقش بعض المفاهيم الأساسية مثل الدين أوالأيديولوجيا أوالعلمانية، تلك اللافتات التي تدور تحتها الصراعات ويتساقط حول راياتها المقاتلون، فقط لنكشف ضبابية هذه المفاهيم وتعقدها نتيجة عبء القرون التي مرت بها، ونتيجة تشكلها وتحورها في بيئات مختلفة، وثقافات متباينة. ثم ننتقل بعدها بشكل تفصيلي إلى إشكالية الإسلام والسياسة، لنناقش ظاهرة الأيديولوجيا الإسلامية، ما هي؟! وكيف نشأت؟ ولم؟ وهل هي أيديولوجيا واحدة أم أيديولوجيات متعددة؟ وما هو النظام السياسي الإسلامي؟! وما هي الدولة الإسلامية؟ وما هي نظرياتها المعاصرة؟ ولم تتنوع بل وتتعارض هذه النظريات؟ وهل الدولة الحديثة إطارا ملائما لإقامة الدولة الإسلامية أم لا؟!

بالطبع قد يرى البعض أن هذه المساحة غير ملائمة لمثل هذه المناقشة الفكرية الإشكالية، وربما يرى البعض أن هذه المناقشات التي تدعي الحيادية العلمية الهادئة لا تلائم الأجواء الساخنة العاصفة التي نمر بها، وهي تحفظات أراها مشروعة ومتفهمة، لكن علي الجانب الآخرفإن خلق مثل هذه المساحات البعيدة عن القصف الفكري والأيديولوجي، والتي تتيح تناولا متزنا ومناقشة هادئة للقضايا الإشكالية التي تتفجر أثناء الصراعات هو أمر حيوي وهام، وبل وربما تكون هذه المساحات جذابة أيضا لبعض المنخرطين في الصراع ليركنوا إليها أحيانا ولو على سبيل "استراحة المحارب"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق