الاثنين، 10 مارس 2014

خالد حمزة .. الحرية للمعتقل الذي نحبه! الكاتب: عبدالرحمن عياش


اتصل بي صديقي ليخبرني “اعتُقل والدي”،  عادة لن أعطي للأمر اهتماما زائدا، فمنذ الانقلاب العسكري في مصر اعتقلت قوات الأمن ووزارة الداخلية والجيش المصري عشرات الآلاف من المصريين (الأرقام الحقوقية تقول 25 ألفا على الأقل، بخلاف الآلاف ممن اعتُقلوا وأُفرج عنهم)، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا، فالمعتقل كان خالد حمزة.

قبل حوالي سبع سنوات، قابلت الصديق المعتقل محمد عادل (لاحقا المتحدث الرسمي باسم حركة 6 إبريل) في أحد المؤتمرات السياسية في نقابة الصحفيين بالقاهرة، فحدثني أن هناك شخص ما يود لقائي والحديث معي، قال لي إنه مؤسس موقع الإخوان بالانجليزية (إخوان ويب)، لم أكن أعرف من هو مدير تحرير إخوان ويب، كما أني كنت سعيدا بالموقع الجديد والمختلف كليا عن الموقع العربي شديد السوء في المحتوى والخطاب.


لم أكن أعرف الرجل (أو هكذا ظننت)، لكن عندما ذهبت إليه للقائه رأيت شخصا كنت أعرفه قبل سنوات طوال، صديق العائلة، المهندس الشاب. وقبل أن ننهي لقاءنا الذي استمر أقل من نصف ساعة، كنت قد قررت ترك تدريبي الهندسي الذي أعمل به، والالتفات كليا إلى المجال الذي حدثني عنه خالد حمزة، وقررت أن أبدأ العمل معه فورا. 

كان خالد حمزة مختلفا عمن عرفتهم من الإخوان، كان مفكرا في حين كان معظم من عرفت من الإخوان يطالبوننا (نحن أعضاء الإخوان حينها) بالتوقف عن التفكير “وفعل شيء مفيد” مثل الدعوة مثلا أو قراءة كتب الدعوة أو الاستماع إلى شرائط دعوية أو إلى الالترام بما تقوله القيادة، أتذكر أول أيامي في العمل مع خالد، حين استدعاني لمكتبه وقال لي “أنت الآن في القاهرة، لقد تركت المنصورة، بلدتك الصغيرة، وعقول الناس على قدر المدن التي تعيش فيها، لا تعش في القاهرة بعقل المنصورة” حفظت كلماته جيدا وأتذكرها كل حين! سافرت إلى أكثر من عشر دول وكان أول ما أستحضره في كل مدينة كبرى: عقول الناس على قدر المدن! خالد حمزة كان مختلفا لأنه لم يعش بالعقل الذي أراده له الجميع.

كان أول عملي مع خالد حمزة في موقع إخوان ويب في مشروع لا يتعلق بالإخوان فحسب، لكن بكل المصريين، كان حينها قد تم تدشين حملة رفض محاكمة المدنيين عسكريا، وكان خالد حمزة أحد مهندسيها، واعتقل بسبب ذلك في فبراير 2008، لكنه كان قد استطاع أن يثبت اسمه كأحد أعمدة الاعتدال في الإخوان، عبر تواصله مع جميع القوى والتيارات داخل مصر وخارجها.

وعلى مدار السنوات التالية عرفت خالد حمزة شخصا مفكرا، اهتمامه الرئيسي كان التواصل مع الآخر، في الوقت الذي كان فيه أعضاء الإخوان من مدينتي الصغيرة يخبرونني أن أتوقف عن التواصل مع الباحثين الغربيين والمفكرين الأجانب، كان خالد حمزة يحثني على أن أقرأ ما يكتبون، وأن أكتب لهم، وأن أناقشهم في أفكارهم. عندما أفكر في ذلك الآن، أوقن أن واحدا من أفضل الأشياء التي حدثت لي على الإطلاق كان معرفتي بخالد حمزة.

قبل الثورة أخبرني خالد حمزة أن هناك ثورة قادمة، كان يقول خمس سنوات وعشر سنوات، وعندما ثار الناس، قال لي: كنت أعلم! أنا أيضا كنت أعلم أن خالد يعلم!
كان خالد يتعامل مع المتمردين دوما، ومن مدرسة إخوان ويب خرج بعض من ألمع الشباب المصري الذين تصدروا المشهد في سنيّ الثورة.

كان لخالد حمزة مواقف تخالف التيار السائد في الإخوان الذين قرر أن يبقى عضوا منهم وألا يتركهم مستمرا في المنافحة عن الأفكار التي يعتقد أنها الأفكار الأصيلة للجماعة، كانت له مواقف تخالف ما اجتمعت قيادة الإخوان عليه وثبت خطأه وعواره لاحقا، كانت له مواقف تخالف الترشح للرئاسة والركون للعسكر والمغالبة في الانتخابات وربط الدعوي بالسياسي والتخلي عن شباب الجماعة والبُعد عن الصف الثوري، وقبل أن يسقط مرسي بفعل الانقلاب وبفعل الإخوان، أوقن أن خالد كان يعلم أنه ساقط لا محالة!

أكثر ما كان خالد يحثني على فعله هو الاقتراب من التاريخ، مقاربة الصواب والخطأ، والتعلم من الآخر! مشاريع خالد حمزة داخل الإخوان تقول أنه كان يدرك أهمية التاريخ، ومشاريعه خارج دائرتهم تثبت أنه يدرك أهمية الآخر ويقينه بأنه لا صواب مطلق ولا خطأ مطلق. 

بعد الانقلاب العسكري ضم العسكر جميع “المعروفين” من رموز الإخوان في قضايا معظمها وهمية، تبدأ بالتعدي على الممتلكات مرورا بالتخابر والسيطرة على الحدود وفتح السجون والإساءة لسمعة الدولة وليس انتهاء بقتل المتظاهرين.  كان لخالد حمزة عند العسكر نصيبا من ثلاث قضايا باطلة.

ولأنه حر، حاول خالد الخروج من مصر، لم يكن خالد ليهدأ في رفض الظلم، وكانت محاولة خروجه من مصر فصلا جديدا في ذلك، لم يكن قادرا على العمل من داخل مصر، وكان لابد له أن يخرج ليكمل مسيرته الحقوقية والفكرية، هذا هو خالد الذي أعرفه.
اعتقل الجيش خالد أثناء محاولة خروجه من مصر عبر الحدود السودانية، ولهذا قصة أخرى، واتهموه بعدد من الاتهامات المضحكة كان أكثرها طرافة حيازته على 7000 طلقة رصاص! إن هذا الاتهام على غرابته إلا أنه قد يعطي مبررا إعلاميا للجيش المصري أن يستمر في انتهاك حقوق المعتقلين لديه ومن ضمنهم خالد.

خالد المصاب بتضخم القلب ونوبات الذبحة الصدرية المتكررة تقول عائلته أنها قلقة للغاية حيث علموا أن الجيش استولى على متعلقاته كلها ومن ضمنها أدويته التي يحتاجها بشكل يومي، خالد حمزة في خطر حقيقي كما تقول ابنته الطبيبة والتي تتابع حالته عن قرب!

لم يرتكب خالد حمزة جُرما، رفقاء الثورة من غير الإخوان يعلمون ذلك، النظام يعلم ذلك، لكن الأمر تجاوز  العدالة منذ أشهر عدة.
يقولون أن الحكم على الشيء فرع من تصوره، وشخصيا أتصور ما حدث على أنه انقلاب عسكري، وكل الذي يليه لن يعدو كونه تحصيل حاصل للانقلاب، خالد ليس مجرما لأن النظام العسكري قال ذلك! بل إنني أقول أن دليل كونه ليس مجرما هو أن نظام العسكر في مصر اتهمه بالإجرام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق