الأحد، 2 أكتوبر 2011

مصر تحتاج الى ممر آمن…. بلال فضل

طيب، إلى متى سنقضيها هكذا؟ نستبق يوم الجمعة بإعلان مسؤولية الثوار عن تأمين المنشآت الحيوية لأن الدولة ستأخذ إجازة لكى يذهب الأولاد إلى النادى، ونقضى نهار الجمعة فى إحصاء الأعداد الموجودة فى التحرير، وهل هى مليونية أم ألفية، ثم نستقبل حلول الليل بالنقاش المتشنج حول جدوى الاعتصام وفائدة التوجه بمسيرات إلى وزارة الدفاع وتحذير الذاهبين من الاصطدام بأبناء المجلس العسكرى، ثم نقضى ساعات الليل الأولى بمناشدة المجلس العسكرى عبر الفضائيات بتوفير ممر آمن لكى يخرج منه المتظاهرون، ونختم ساعاته الأخيرة بتبادل أسماء المعتقلين وطمأنة أهاليهم عليهم لكى نستعد ليوم جديد من الصراع العبثى حول مطالب مشروعة دفع الشهداء ثمنها غاليا وفقد خيرة أبناء مصر نور عيونهم من أجلها؟
وإذا كنا سنحتمل هذا الغلب كثيرا، فهل ستحتمله مصر؟ وإلى متى؟ ومن الذى سيدفع فاتورة هذا العبث سوى الفقراء والبسطاء الذين أناخ عليهم عهد مبارك ونوينا أن نكمل نحن عليهم؟ باختصار أقولها بالفصحى: إلامَ الخلفُ بينكمو إلاما، وهذِى الضجّة الكبرى علاما؟ وأقولها بالعامية: ليه يا مشير ماسبتناش أبرياء.. وواخدنا ليه فى طريق مامنّوش رجوع؟

لا، أموت وأفهم، ما المشكلة فى أن تنتقل السلطة إلى المدنيين فى أسرع وقت ممكن قبل أن يحلو المقام فى كرسى الحكم وينجح المنتفعون والأفاقون فى أن يزينوا للمشير ومن معه أن البلاد لن تعيش من دونهم يوما واحدا، وأنهم لو سلموها لفلان أو علان ستخرب وتروح فى خبر كان؟ هل يتوقع بعض مستشارى السوء الأمّارين بالالتصاق بالكرسى من أجل مصلحة الوطن أن هناك عملا سفليا سيقومون بوضعه فى صينية ميدان التحرير فيتحول كل من يتظاهر فيه إلى ضفادع غير مرئية لا يفهم الناس نقيقها الذى يهتف ضد الحكم العسكرى والمحاكمات العسكرية؟ هل يتصور هؤلاء أن الرهان على اصطدام المواطنين العاديين المرهقين من عناء الحياة، بالثوار الغاضبين، يمكن أن يفيد الوطن؟ هل تريدون أن تخدعكم الأرقام كما خدعت مبارك الذى كانوا يصورون له أعداد الواقفين على سلم نقابة الصحفيين لكى تكون مثارا لدعاباته وقفشاته؟ ولماذا بدلا من أن نتحد لنبنى وطنا وقد عرفنا رأسنا من رجلنا فيه، أصبحنا نتفرغ لكى نتنابز بالمليونيات ونفرقع بالونات الاختبار ونفجر براكين الطاقة السلبية فى بلد ليس حمل ذلك على الإطلاق؟

لا، أموت وأفهم، لماذا لا يطلع على الناس لواء من قادة المجلس العسكرى ليكلم الناس بأسلوب غير الشخط والانفعال، فيقول لهم مثلا إن هناك مصلحة وطنية عليا هى كذا وكذا تكمن وراء إصرار المجلس على جعل الثورة وجهة نظر وجعل الثوار طرفا؟ نريد أن نعرف والله وبصدق ودون مزايدات هل ستخرب الدنيا لو حددنا موعدا ناجزا للانتخابات الرئاسية يقرر فيه المصريون مصيرهم ويعود فيه الجيش إلى ثكناته معززا مكرما؟ ما الذى يستفيده الوطن من حالة طوارئ لم تنفع أمنه ببصلة، ومن محاكمات عسكرية للمدنيين لم تجلب للجيش إلا الصداع ولنا إلا الأسى؟ هل كفر الذين يطالبون بالعزل السياسى لقيادات فاسدة أخذت فرصتها كاملة فى تخريب الوطن وإفقاره ونهبه؟

وإذا كان هناك بعض من يتحلق حول المجلس العسكرى ليحذره من عدم قدرة الشعب على الاختيار، فلماذا سكت المجلس العسكرى ثلاثين سنة على أسوأ اختيار فى البشرية، اسمه حسنى مبارك؟ هل يُعقل أن يختار المصريون حاكما أسوأ منه؟ وإذا كنتم قد صبرتم على مبارك لأنكم كنتم تحمون الشرعية الدستورية وتحملتم تخريبه للبلاد وإفساده فيها، فما المانع أن تواصلوا صبركم على رئيس سينتخبه الشعب بمحض إرادته؟ لعلك تعلم أننى من الذين بُحّت أصواتهم وهم يطالبون القوى الثورية بالتعقل والتوحد وتفويت الفرصة على من يرغبون فى جر الوطن إلى التصعيد الممهد للطغيان، كنت أفعل ذلك بدأب وإصرار لأننى كنت أرى مخرجا لما نحن فيه، هو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التى ستتيح للشعب المصرى أن يقرر مصيره ويختار سلطة تحقق مطالبه فى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ويحاسبها إن أخفقت.

بالطبع سأظل أطالب بالتعقل والهدوء والرزانة والتوقف عن الممارسات الانفعالية ما دام ذلك المخرج ماثلا أمام عينى، لكن كيف يمكن أن يكون للتعقل مكان ونحن نرى أن هناك من يسعى بغموضه وتباطئه وعقم سياساته لإغلاق هذا المخرج أمام المصريين؟ أستطيع بملء الفم أن ألوم ثائرا لأنه يشعل الأرض نارا فى حين أن لديه ممرا آمنا للعبور هو الانتخابات التى يمكن بها وحدها أن نترجم شعار «الشعب يريد» ليصبح واقعا معيشا، وأستطيع أن أتحمل مزايدته وغضبه وتخوينه لى بصدر رحب، لكن ماذا يمكن أن أقول له ولنفسى قبله، وأنا أرى إصرارا على تحويل الانتخابات إلى مهزلة، وتصميما على اختيار برلمان لا يشكل حكومة ولا يجتمع لمدة شهرين كاملين كأنه فى فترة العدة، وسعيا لتتويه مصير رئاسة الدولة فلا نعرف هل ستكون فى نوفمبر القادم أم فى نوفمبر الذى يليه أم ذات نوفمبر لا يعلمه إلا خالق نوفمبر.

ما المطلوب الآن بالضبط؟ أليس عيبا علينا أن نذكّر قادة المجلس العسكرى بوعودهم للشعب المصرى بأن ينقلوا السلطة إلى المدنيين فى ستة أشهر، ووعد الحر دين عليه؟ هل نقضى الوقت فى التذكير بمانشيتات وبرامج ولقاءات قيلت فيها هذه الوعود بدل المرة مئة مرة، وكنا من أجلها وحدها، لا مخافة من صاحب سلطة أو جاه، نقف ضد كل من يحاول أن يوقع بين الشعب والجيش ويجر البلاد إلى فتنة لا يعلم مداها إلا الله؟ هل سنكتفى بتذكير الناس بأن لدينا اقتصادا متهاويا وأمنا على شعرة وسياحة منهارة، ونحن نتخذ كل لحظة قرارا يزيد كل ذلك خبالا وبلّة؟ أما آن الأوان لأن نتخذ قرارات حاسمة تقطع الطريق على هواة إنعاش الاستبداد، وتنهى خدمات رابطة صناع الطغاة، وتبطل مفعول هواة التصعيد والانفلات؟

يا قادة يا كرام، افتحوا لمصر ممرا آمنا إلى المستقبل فى ظل حكم مدنى منتخَب، وتذكروا أن هذا الوطن لن يبنيه إلا التوافق، وإياكم ومن يصور لكم أن أحدا يمكن أن يكسر إرادة أحرار المصريين، قلّ عددهم أو كثر، فلا يزال الناس يحسنون بكم الظن، ويرجون خيركم ويسألون الله أن يكفيهم ويكفيكم شر من يصور لكم أن الاستقرار يمكن أن يحققه العناد، ولتكن لكم فى حامل دكتوراه العند أسوة حسنة.
ألا هل بلغت.. اللهم نِخلَص.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق