الثلاثاء، 18 أكتوبر 2011

متى يخرج الأقباط من عزلتهم؟………عماد الدين حسين


قبل أيام التقيت فى ميدان التحرير ناشطا مصريا من أسوان.. الشاب كان يشارك فى إحدى المظاهرات التى صارت صغيرة وخجولة فى ميدان التحرير، وانقلبت إلى حلقات نقاشية متناثرة هنا وهناك فى صينية الميدان او على الارصفة الجانبية.
 الملاحظة الرئيسية لهذا الشاب المتحمس هى عتبه على الإخوة الأقباط أنهم لا يشاركون بقوة وكثافة فى التحركات والمظاهرات الاحتجاجية العامة، ويفضل معظمهم أن يتظاهر منفردا رافعا شعارات بمطالب قبطية صرفة.

أضاف الشاب أنه جاء خصيصا هذا اليوم لكى يتضامن مع إخوانه الأقباط بعد كارثة ماسبيرو، لكنه لم يجدهم فى الميدان.

اتفقت تماما مع ملاحظة هذا الشاب النوبى ذى الابتسامة الجميلة والروح المصرية الأصيلة وتقديرى أنها ملاحظة سليمة وتعبر عن وضع فى غاية الخطورة، ينبغى له أن يتغير إذا أردنا فعلا أن ننطلق إلى دولة قانون لكل مواطنيها.

صار معروفا أنه وبعد الصدام الشهير بين انورالسادات والبابا شنودة ــ والذى وصل الى ذروته بعد احداث الزاوية الحمراء فى صيف 1981 ثم مقتل الأول ــ فقد انتهى الأمر فى عهد مبارك إلى صفقة غير مكتوبة مع رأس الكنيسة الأول، خلاصتها أن مبارك أمم ورقة الأقباط بحيث يدعمونه فى السراء والضراء وحين البأس، مقابل أن ينفرد شنودة بحرية التصرف فى أقباطه، يفعل بهم ما يشاء.

أدرك أن كثيرين من الإخوة الأقباط ــ خاصة البسطاء منهم ــ لا يضيرهم ذلك فى شىء، لكنه يضير الوطن بأكمله، حيث إنه يمنع ويعوق ويعرقل اندماج الأقباط مع إخوانهم المسلمين للمطالبة بوطن حر للجميع.

فى السنوات الأخيرة لنظام مبارك، رأينا كيف صار اللعب بورقة الفتنة الطائفية، بحيث تكون القنبلة التى تنفجر كلما أراد النظام إما تمرير كارثة أو منع حدوث تغيير حقيقى.

كنا نعتقد أن إحدى مميزات الثورة هى احتراق هذه الورقة، لكننا فوجئنا أنها انفجرت فى أطفيح وإمبابة مرورا بعشرات القرى فى الصعيد نهاية بكارثة ماسبيرو.

الأقباط لديهم مطالب عادلة ويعانون من تمييز حقيقى، لكن حل مشكلاتهم لا يكون بالتقوقع، أو الهجرة إلى استراليا وكندا وأمريكا، لأن الحل الأول لن يجدى، والثانى لن يكون عمليا للجميع، وبالتالى فلا بديل حقيقيا وعمليا إلا الخروج من العزلة والاندماج فى المجتمع وخوض غمار نضال سياسى طويل وشاق ينتهى بوطن لا يفرق بين أبنائه على أساس الدين أو الجنس أو اللون بل يكون المعيار هو القانون والكفاءة.

ثم إن تجربة الاعتقاد بأن ملف كل الأقباط فى جيب البابا قد سقطت فى أكثر من امتحان آخرها عندما دعا شنودة إلى تأييد مبارك وعدم المشاركة فى الثورة.. لكن كثيرا من الأقباط خرجوا وشاركوا.. والمطلوب أن يواصلوا هذه الروح باعتبارهم مصريين وليس فقط أقباطا.

 التقوقع لن يفيد، والهجرة غير عملية، والاستقواء بالخارج وهم وسراب. ولا حل إلا الإيمان بأنهم جزء أصيل من هذا الوطن مع إخوانهم المسلمين.

على أى قبطى أن يجل البابا والكنيسة كما يشاء، مثلما يفعل المسلم مع شيخ الأزهر أو أى عالم جليل، لكن على الاثنين الإيمان بأن «السيد» الذى ينبغى الخضوع له تماما هو القانون، وهو مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق