الاثنين، 3 أكتوبر 2011

أحمد عبدالجواد يكتب عن "وثيقة عنان"..... افيقوا يرحمكم الله



تشهد الحالة المصرية نموذجاً مكرراَ من الاستقطاب السياسي شاهدناه مرات ومرات خلال الشهور الماضية، وللأسف الشديد تبتلع الطعم القوي والأحزاب السياسية لتساهم في تعزيز وتعميق تلك الحالة .فبعدما ظهرت بوادر توافق وطني وشعبي حول رؤية ومطالب محددة وواضحة لا خلاف عليها وشاهدنا نموذجا رائعا يجمع كافة مرشحي الرئاسة البارزين ، وخرجت إلي النور مبادرة التوافق الشعبي والتي وقعت عليها العديد من القوي والاحزاب والحركات والائتلافات والشخصيات العامة والتي تضمنت رؤية ومطالب واضحة توافقية تم تعزيزها والمطالبة بها في جمعة 30-9 "جمعة استرداد الثورة.

أبت مجموعة من الأحزاب إلا ان تضعنا في مشهد مغاير لتلك الحالة التي سعت إليها مبادرة التوافق الشعبي أملاً في استعادة لحمة الشارع المصري واستعادة روح واخلاق ميدان التحرير التي يفتخر بها المصريون جميعا ، فكان ذلك القرار المتسرع العفوي من بعض الأحزاب بإعلانها مقاطعة الانتخابات اعتراضاً علي بعض مواد قانون الانتخابات وتأكيداً لبعض المطالب، والمشكلة لم تكمن فيما طالبت به هذه الأحزاب وإنما المشكلة تمثلت في أنهم هددوا بما لن ينفذوه.

وبالتالي جائهم الفرج عبر دعوة من المجلس الأعلي للتفاوض معهم والسماع لشروطهم. ورغم أن الجميع يعلم تماما أن هذه الأحزاب غير جادة في تهديدهم بمقاطعة الانتخابات إلا أنهم كانوا في موقف قوة يستند علي الأقل علي ضغط ثورى قد يكون ضعيفا نسبيا ولكن علي الأقل هو نواة لضغط شعبي ليس بالقليل حال عدم الوصول لتصور واضح يرتقي لطموحات الشارع والثوار.

وهنا حدث ما لم يتوقعه الكثيرون من تنازل كبير لهذه الأحزاب أمام اصرار المجلس الأعلي علي رفض العديد من تلك المطالب فما كان لهم إلا القبول بالفتات منها او وعود غير جادة في دراسة البعض الآخر وتحقيق لبعض المطالب التي لا تتعلق بشكل مباشر بمطالب الثورة بل متعلقة بشكل ما بتلك الأحزاب وتصوراتها في المشاركة في الانتخابات المقبلة .

وحتى تتضح الصورة بشكل متكامل علينا أن نرجع إلي محصلة هذا اللقاء وما نتج عنه والذي كان أكثر ما يميزه ذلك البيان المعلن الذي حرص المجلس الأعلي علي صياغته في شكل اتفاق واضح موقع من قبل الأحزاب.

المادة الأولي :
توصلت الأحزاب لتحقيق مطلب لا أعرف الفائدة منه وهو انعقاد المجلس بعد إعلان النتيجة ولم افهم علي أي اساس ينعقد المجلس وكيف سيمارس دوره دونما دستور يوضح صلاحياته  وآلية تشكيل الحكومة والمعلوم ان المجلس لن يمارس دوره الحقيقي إلا بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشورى واجتماعهما لتشكيل لجنة صياغة الدستور. النقطة الأخطر في هذا البند هي اقرار الأحزاب بفتح باب الترشح للرئاسة بعد اعلان نتائج الموافقة علي الاستفتاء علي الدستور وبناءا عليه لن تتم انتخابات الرئاسة قبل عام ونصف علي الأقل .

المادة الثانية :
الاستجابة لمطلب الاحزاب الموقعة بتعديل المادة الخامسة من قانون الانتخابات والتي حظرت علي الأحزاب الترشح علي المقاعد الفردية أو حظر تحويل صفة اي مرشح مستقل لصفة حزبية وهي ما كنا نعاني منه ايام المخلوع .وحتى لو اعتبرنا ان الغاء هذه المادة ضمن المطالب التي طرحتها الأحزاب فالاستجابة لها لا تنسحب بشكل اساسي علي مطالب الثورة ، فالمستفيد الوحيد منها الأحزاب التي كانت تأمل ان ترشح مرشحيها علي المقاعد الفردية .

المادة الثالثة :
اعتبر البعض فكرة طرح دراسة الغاء حالة الطوارئ وتفعيل قانون العزل السياسي في حق رموز الحزب الوطني مكسباً كبيرا ، والحقيقة هي ان مجرد الاقرار بدراسة الغاء حالة الطوارئ هي أزمة في حد ذاتها حيث أن ذلك يعتبر موافقة ضمنيه علي استمرارها بعد انقضاء الستة اشهر المحددة سلفا في الاعلان الدستوري وتعتبر التفافاً علي الاستفتاء الذي وافق علي تعديلاته أغلبية الشعب المصري. والمحزن أن اهم مطلبين في مطالب الثورة يتم وضعهما في بند واحد تحت الدراسة ولم يتم اتخاذ قرار واضح بتلبيتهما بل بشهادة الحضور لمح رئيس الاركان الي صعوبة تحقيقهما وظهر ذلك جليا في وضع شرط استثنائي (إلا في بعض الجرائم)

المادة الرابعة :
احتفي كذلك البعض بالاستجابة إلي مطلب عدم تحويل المدنين إلي محاكم عسكرية وتناسوا أمرين في غاية الأهمية ، الأول هو أن المجلس أعلن سابقا عن ذلك الأمر وهو ليس جديداً والمشكلة تكمن في المحالين اساسا الي محاكم عسكرية أو الحاصلين علي أحكام عسكرية. الثاني ان الاستجابة لهذا المطلب تضمنت استثناءا ينقضه بالأساس وهو عدم تحويل المدنيين إلي محاكم عسكرية إلا في الجرائم التي ينص عليها قانون القضاء العسكري، والذي لا يعلمه الكثيرون ان قانون القضاء العسكري يعطي الحق المطلق للقضاء العسكري في تحديد ما هي الجرائم التي تقع تحت طائله، وبالتالي لا توجد أدني فائدة من هذا المكسب الواهم.

المادة الخامسة
ليست جديدة وهي ضمن اطار القوانين التي في خطة المجلس والحكومة .

المادة السادسة :
وهي مادة في غاية العجب حيث الزمت الأحزاب بما لا تملكه ألا وهو التزامها بالحفاظ علي الاجراءات الأمنية !!!وكأن هذه الاحزاب اداة في يد جهاز الأمن الوطني أو جهاز من أجهزة الشرطة تحافظ علي الأمن، ومن الطبيعي ان يفهم من هذه المادة التزام هذه الأحزاب بعدم النزول للشارع بل ومقاومة من يعمل علي الاخلال بتلك الاجراءات.

المادة السابعة :
حتى فيما يتعلق بمراقبة الانتخابات لم يهن علي المجلس الاستجابة لمطلب بديهي وطبيعي ، بل جعل مراقبة الانتخابات في حدود المتابعة والمشاهدة وحتى وان اعتبر البعض ان هذا هو الطبيعي وفق القواعد والاعراف الدولية فقد وضع شرطا وهو وفق ما تراه اللجنة المشرفة علي الانتخابات.

المادة الثامنة :
وهي محور الاتفاق بشكل اساسي وبالتأكيد لا يختلف أحد انه لم يرد علي لسان أحد ما او حتى متظاهر ما في خلال الشهور الماضية أي مطالبة بوضع مباديء فوق دستورية او قواعد لتشكيل لجنة صياغة الدستور، وحتى وإن كان هذا المطلب في مرحلة ما محل طرح لبعض القوي و فيه بعض المنطق، المدهش ان توافق عليه أحزاب نزلت في مليونية حاشدة لم يشهد مثلها ميدان التحرير حتى في ظل الاعتصام الأول اعتراضا منهم علي مجرد طرح هذا المطلب واعتبروا ان هذا الطرح التفافا علي الاستفتاء الأخير .
والسؤال موجه ليس لكل الأحزاب الموقعة علي هذه المادة وانما لتلك الأحزاب التي تسببت في استقطاب حاد وشديد اعتراضا علي هذا المطلب ورفضت مجرد التفاوض حوله والخروج بأي صيغة توافقية فقد رفضته جملة وتفصيلا والسؤال لها:  لم وافقتم علي التوقيع علي وثيقة شرف ملزمة لكم أنتم وليس لغيركم ؟!!

واخيرا جائت خاتمة البيان وسقطته المروعة عبر مبايعة غير مبررة للمجلس العسكري في مشهد غاب عن الشارع المصري مدة ثمانية أشهر وكان يتأذي منه عموم الشارع المصري بل كان ضمن المسببات الأساسية لخروج جماهير الشعب المصري اعتراضا علي المخلوع حسني مبارك  وحقيقة حاولت ان افهم مبرر هذه المبايعة في هذا التوقيت ولم أجد لها ما يبررها نهائياً.

في الختام أردت بهذا التوضيح التأكيد علي ان هذا الاتفاق ليس له ما يبرره بل ولم يقدم أو يؤخر شيئا في مسار مكتسبات الثورة والمستفيد الوحيد منه هو المجلس الاعلي عبر تمكين قراراته وصلاحياته التي انتهت بشكل دستوري بمرور الستة أشهر ، والخاسر الأساسي من هذا الاتفاق هي الأحزاب الموقعة فهي الوحيدة الملتزمة بما ورد في هذا الاتفاق والشعب المصري غير ملزم بما ورد فيه .

ومع ذلك لا أرى مبررا لحملات التخوين والتشكيك في تلك الأحزاب والمبالغة في  التهويل من تبعات هذا الاتفاق وكأن هذه الأحزاب هي الوصية علي الشعب المصري واتفاقها كان نيابة عن الشعب المصري.

علي القوي والكيانات والأحزاب التي ترى غير ما توصلت إليه تلك الأحزاب ان تعمل جاهدة في تحقيق وتمكين ما تراه مناسبا للشارع المصري لا تنشغل بالهجوم والتشكيك في قوي اخري فالشارع المصري سئم من ذلك الاستقطاب الذي ساهم بشكل رئيسي في رجوع الثورة للوراء .

دامت مصر حرة أبية ... ودام المواطن المصري عزيز كريم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق