الاثنين، 7 فبراير 2011

معركة السيطرة على ميدان التحرير بين الثوار و”البلطجية”

مشاهدات من أيام الغضب في مصر
معركة السيطرة على ميدان التحرير بين الثوار و"البلطجية"
 
صلاح الدين حسن
إسلام أون لاين ـ القاهرة
 
لم يكن من سبيل إلى الوصول إلى ميدان التحرير إلا عن طريق مترو الأنفاق والنزول في محطة السيدة زينب ثم الرجوع في اتجاه شارع القصر العيني ثم الالتفاف حول شارع الجامعة الأمريكية والنفوذ إلى الميدان من ناحية القصر العيني.. هكذا أخذت وصفتي من دليل خصصته مجموعات الشباب المسؤولة عن تنظيم مظاهرات الميدان، كما شدد الدليل على ألا ألفت انتباه أحد عند مروري في الطريق، وأن أبدو كأحد سكان المنطقة الذين يذهبون إلى شراء حاجياتهم.
طبقتُ الوصفة تماما، وعندما توقف بي المترو عند السيدة زينب لاحظت مجموعة من الشباب تتوجه معي في نفس الاتجاهات الموصوفة، لكن لم يكلم أحدنا الآخر، وعندما اقتربنا من الميدان من ناحية شارع القصر العيني الذي كان يخلو تماما من المارة والسيارات، وقبل أن نلتف من أحد الشوارع الفرعية فوجئنا بمجموعات بدا أنها من (البلطجية) تقفز من عربة نصف نقل وتبدأ في الانتشار وتسد نهر الطريق، كان بعضهم يحمل سيوفاً وسنج فدلفنا يمينا من ناحية الجامعة الأمريكية لكن المفاجأة كانت هجوم مجموعة البلطجية علينا، مما اضطرنا إلى الركض ناحية شارع الجامعة للنفود من ناحية الشارع إلى مدخل الميدان الذي نجحنا في الدخول إليه.
اصطياد البلطجية
 كانت الأوضاع قلقة، فالبلطجية يحاصرون الميدان مانعين المدد عن المحتجين ومحاولين اختراقه من جهاته الست تقريبا كانت منطقة وسط الميدان مؤمنة يتجمع فيها النساء والأطفال وبعض الشباب الذين قد أصابهم الكلل بعد ليلة دامية، وكانت منطقة الثغرات ما زالت ملتهبة، فالبلطجية لم يكفوا بعد عن إلقاء قنابل المولوتوف على جموع المحتجين المدافعين عن الميدان… كانوا بالآلاف عند معظم المداخل لكن أكثرها سخونة كان عند مدخل الميدان من ناحية ميدان عبدالمنعم رياض، كانت دبابات الجيش ومركباته تحاول الفصل بين المهاجمين والمدافعين كانت سمات وجوه البلطجية معروفة، وأيضا سمات وجوه المحتجين الشبان الذين كانت غالبيتهم من حملة المؤهلات العليا، لكني لاحظت عند وقوفي عن بعد أن بعض الشباب يتجاوز العشرة من الذين لا يبدو على وجوههم أنهم من البلطجية جاؤوا لينضموا لهم ويقذفون المحتجين بالحجارة، ثم على حين غرة قسموا أنفسهم مجموعات وقاموا باختطاف ثلاثة من البلطجية وفروا بهم إلى الجبهة المقابلة، وعندها بدأ الصياح من جانب المحتجين.. الله أكبر.
عناصر الشرطة السرية
لم يحرك أفراد الجيش ساكنا، وقامت مجموعة من الشباب المحتج الغاضب بضربهم بعنف حتى بدا على هؤلاء الثلاثة الذعر والهلع وقاموا بدفعهم حتى دخلوا بهم في قلب ميدان التحرير، فسلم الخاطفون المخطوفين إلى مجموعة أخرى من الشباب قامت بتقييدهم من أيديهم وتركيعهم على الأرض وأخذوا في استجوابهم، كان أحدهم يحمل بطاقة جهة صدورها مدينة بني سويف حسبما أخبرني أحد الشبان الواقفين، لكن الشبان المحققين كانوا يصرون على أن هؤلاء هم عناصر شرطة سرية أرسلتهم مراكز قوى في النظام بالتعاون مع وزارة الداخلية وذلك بناء على اعترافات من سبقهم.
بعد فترة سيق هؤلاء الشباب إلى شبه معسكر من ناحية مجمع التحرير ووضعوا بجانب مجموعة أخرى من البلطجية لا تتجاوز 30 شخصاً، وعندما تساءلت لماذا لا يسلم هؤلاء لأفراد الجيش أجابني أحد الشباب بأن كثيراً من المحتجين يشك بأن عناصر من الجيش تعادي الثوار، وأنها كانت متواطئة في دخول البلطجية ميدان التحرير وأن هناك مخاوف من تسليم هؤلاء للجيش فيقوم بإطلاق سراحهم.
أجولة الزلط
كانت حرب الحجارة مستعرة على كل مداخل ميدان التحرير وخاصة جهة عبدالمنعم رياض، وكان المحتجون يعتمدون في تبادل التراشق على الطوب والزلط الذي يرشقون به من الناحية الأخرى وكان عليهم توفير كميات من الحجارة في ظل حصار الميدان، وكانت هناك أنباء تتردد عن أن هناك حاملات قامت بتنزيل كميات كبيرة من الزلط في منطقة عبدالمنعم رياض التي تسيطر عليها مجموعات البلطجية إلا أنني لاحظت بعض شباب الثوار يأتون بأجولة مليئة للمنتصف بالحجارة والزلط ثم يفضونها على قرب جبهتهم عند مدخل عبدالمنعم رياض وعندما سألت أحد أصدقائي أخبرني أن الشباب استطاع أن يجلب هذه الأجولة من عند المباني التي ما زالت تحت الإنشاء وتهريبها من ناحية مدخل طلعت حرب بالرغم من تواجد البلطجية هناك بأعداد كثيفة.
محاولة حرق المتحف
كانت مجموعات البلطجية تسيطر على كوبري أكتوبر وتقوم بإلقاء المولوتوف على المتحف المصري وعلى الدبابات المتمركزه أمامه، أما الجانب الآخر من ناحية المتحف المصري فتسلل بعض المحتجون إلى أعلى الكوبري وقاموا بالقبض على اثنين منهم وتم اقتيادهم إلى عناصر الجيش الذين قاموا بتقييدهم واحتجازهم داخل إحدى المصفحات.
كانت جموع المحتجين قد شعرت بالجوع والعطش الشديد جراء الحصار المضروب عليهم يوما كاملا لكني شاهدت بعض الشبان يأتون من ناحية شارع طلعت حرب المفترض أنه مغلق بفعل البلطجية ويحملون أواني ضخمة للطهي وتوجهوا وسط الميدان ثم قاموا بإخراج أكياس بلاستيكية وقاموا بغرف (المعكرونة) وتقديمها إلى الأطفال والنساء .
توجهت إلى مسجد عمر مكرم كي ألقي نظرة على المصابين منذ الهجوم على الميدان، عندما حاولت الدخول لم أجد موضعا لقدم فقد كان المسجد مليئا بالمصابين الممددين على الأرض، كان أكثرهم إصابته بسيطة، وبعضهم إصابته متوسطة، كان هناك عدد كبير من الأطباء الشبان وعدد من طلبة كلية الطب كانوا يعملون في حماس رغم قلة الإمكانات لكني شاهدت أحد الشبان يدخل بصندوقين يحتويان على بعض المهمات الطبية، وعلمت أن جميع المصابين في المسجد يرفضون الخروج للعلاج في الخارج بعد أن تواترت الأنباء عن أن من يذهب للعلاج خارج الميدان تعتقله أجهزة الأمن في مقر وزارة الداخلية.
لكن المشهد المدهش كان هو تطبيب الأطباء الشبان لمن سموهم (أسرى البلطجية) عندما اقتربت من أحدهم لاحظت فوق أن إصابته بليغة أنه منهك ولا يستطيع الحراك على ما يبدو جراء الضرب المبرح.. كانت سماته لا تكشف عن بلطجي.. حاولت سؤاله عن هويته لكنه لم يجب، سألت أحد الأطباء بعد أن أخبرته عن هويتي الصحفية فأكد لي أنه (مخبر مباحث).
 
السيطرة على الميدان
عندما تجاوزت الساعة الثانية ظهرا كان من الواضح أن الميدان بدأ في الامتلاء مرة أخرى بعد ليلة عنيفة، وانقسم المحتجون إلى قسمين الأول ظل في قلب الميدان يهتف بقوة ضد الرئيس مبارك ويطالبه بالرحيل (ارحل) والبعض الآخر وصفه بالسفاح وطالبوا بإعدامه ورفعوا هتافات (مش هنمشي هو اللي هيمشي) وطالب البعض بالزحف نحو قصر العروبة، في حين توجه البعض للآخر للأخذ بالثأر من البلطجية وتدفقوا في أعداد غفيرة في اتجاه معاقل البلطجية وأنصار الحزب الوطني الذين ولوا مدبرين عندما رأوا أعداداً هائلة من المجتجين في اتجاههم وقاموا باعتلاء كوبري أكتوبر وقام بعضهم بالصعود أعلى البنايات التي تواجه المتحف المصري والتي كان يلقى منها قنابل المولوتوف.. وسيطروا على ميدان عبدالمنعم رياض بالكامل ثم رجعوا الى ميدان التحرير بما يقرب من 20 شخصا ادعوا أنهم من عناصر الشرطة السرية وقاموا بإخراج كارنيهات وصور قالوا إنها تثبت أنهم من الشرطة، ثم قاموا بتصويرهم عبر هواتفهم وهم يدلون باعترافاتهم.
الإصرار على الرحيل
في المساء كان عدد المحتجين وصل إلى نحو الـ200 ألف، وسرعان ماعدت الأمور إلى مجاريها هدير المحتجين يدوي في سماء التحرير وعاد شعار (الشعب يريد إسقاط النظام)، كما عاد المتظاهرون أشد حنقا وإصرارا بعد ليلة الأربعاء الدامي.
اقتربت من رجل طاعن في السن كان يقول لمن حوله "إن ذهب كل هؤلاء الناس فلن أذهب أنا حتى أموت أو يذهب الطاغية".
كما رأيت رجلا يحمل ميكرفون ويطوف بين الناس مرددا الآية الكريمة (استعينوا بالله واصبروا) كما انصبت معظم التعليقات حول أن هذه هي المحاولة الأخيرة للرئيس وأعوانه في تخويف الثوار لكنه سوف يهرب بعد أن نهزمه بصمودنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق