الاثنين، 4 أبريل 2011

شبيب: التغيير السوري ممكن بدون الإطاحة بالنظام (2-3)

المستبد لا يمنح الحريات للشعب وإنما يعيدها إليه

شبيب: التغيير السوري ممكن بدون الإطاحة بالنظام (2-3)

على القوى السياسية أن تشارك في عملية التغيير من بداياتها ووفق جدول زمني

 
في هذا الجزء من الحوار، يتحدث أ. نبيل شبيب عن وجود إمكانية لتغيير حقيقي من داخل النظام لكنه ليس بمنطق المنحة، لافتا إلى أن المستبد لا يهدي الحريات للشعب وإنما يعيدها إليه، ونبه على أنه من شروط الثقة الضرورية لعودة الهدوء مشاركة القوى السياسية في عملية التغيير من بداياتها ووفق جدول زمني، ولفت إلى أن شرط الثقة بين الشعب والحكومة إشراك القوى السياسية الوطنية ذات التاريخ النضالي في إدارة التغيير، مشيرا إلى أن هذه المشاركة هي امارة على وجود ضابط على ثقافة البيروقراطية الخاضعة للنظام القديم.

نص الجزء الثاني من الحوار:
يرى بعض المراقبين أن النظام السوري نفسه له سوابق في استخدام العنف المفرط قبل بضعة عقود في مواجهة حركات اجتماعية مطالبة بالتغيير. فهل تلقي الضوء على أسباب عدم إمكان تكرار نفس الخبرة التاريخية؟
أ. نبيل شبيب: أحد التبريرات التي استخدمها النظام السوري للتغطية على مذبحة حماة وغيرها، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف نتيجة استخدام المدفعية الثقيلة في هدم المدنية على أهلها، أحد التبريرات التي استخدمها النظام وجود جهات مسلحة ترفع سلاحها في وجه الحكم. وهذا غير وارد الآن لأن الثورة سلمية.
كما أن المذبحة التي وقعت في سجن تدمر لا مجال لتكرارها الآن، ولا يمكن تطبيق نفس رد الفعل على الوضع السوري الراهن. فالبطش الذي كان مقبولا آنذاك لا يمكن قبول مثله الآن، ولا يمكن الآن قبول عذر مثل العذر الذي تم به تبرير تلك الواقعة. فقوة الثورة السورية الراهنة كقوة الثورة في كل من مصر وتونس، ومصدر هذه القوة أنها ثورة سلمية. فليس سهلا على أي فرد من أفراد القوى الأمنية في سوريا أن يطلق النار على رجل طاعن في السن أو طفل صغير أو رجل أعزل، هذا الأمر ليس سهلا الآن مع سلمية هذه الثورة. وإذا حدثت مواجهات في إرهاصات الثورة، فإن هذا لا يمكنه أن يستمر طويلا. وكثير من أفراد القوات الأمنية رفضوا الاستمرار في الخدمة عندما طلبوا منهم إطلاق النار؛ وهذا هو مصدر قوة الثورة السلمية، وهذا هو الفارق بين المشهد الاحتجاجي السوري الراهن وبين أوضاع عام 1979 وما تلاها.
المشهد السوري الراهن مشهد ثورة قامت في بقاع شتى من الإقليم السوري، ترفع مطالب عادلة تماما وغير مبالغ فيها، ولا ترفع السلاح في وجه أحد. حتى إن السلطات السورية نفسها تراجعت عن اتهام المتظاهرين بأنهم أطلقوا النار، واتهمت جهات مجهولة لا أجد أي تعبير يمكن توصيف هذه الجهات به، وكأنما نزلوا من السماء فأطلقوا النار ثم اختفوا، وهو ما يجعل هذه الجهات إما عناصر مرتبطة بأجهزة أمنية أو أن الأمن السوري عاجز عن منعهم من إطلاق النار، وكلا الشكلين من أشكال التقصير يقع على عاتق النظام الراهن وليس على المتظاهرين. ولهذا كله لا أرى أن النظام السوري قد ينحو منحى النموذج الليبي.
غير أن حديثي هذا لا يعني أن النظام السوري سيتورع عن استخدام درجات متفاوتة من البطش الدموي. والمشهد المصري نفسه شهد استخدام درجات متفاوتة من التعامل العنيف لم يكن أحد يتصور احتمال لجوء النظام لمثلها، وأتذكر منها ما سمي بـ"موقعة الجمال"، كما أتذكر منها أيضا ترويع المصريين عبر استخدام "البلطجية" الذين يسمى نظراؤهم في سوريا بـ"الزعران" أو "الشبحية". وما أتمناه حقيقة أن يدرك النظام السوري أن استخدام مثل هذه الوسائل يزيد الثورة اشتعالا ولا يطفؤها. فمتى بدأت الثورة لحظتها الأولى فقد حققت انتصارها، ويجب أن يدرك الحاكم ذلك، وعليه أن يعرف أن ثمة مخرجان من الوضع السوري الراهن: إما أن يتخلى الحاكم عن الاستبداد، أو يتم إرغامه على التخلي عنه.
 
* تحدثت عن الاستجابات الحقيقية التي يمكن أن يقدمها النظام السوري مما يؤول به إلى إنهاء الانتفاضة الشعبية، وسؤالي: هل يمكن ضمان تغير حقيقي في سلوك نظام استبدادي دام استبداده كل هذه الفترة؟ هل يمكن حدوث تغيير حقيقي من داخل النظام الراهن؟
أ. نبيل شبيب: أعتقد أن هناك مشكلتان أساسيتان هنا تواجهان النظام السوري. الأولى تتعلق بعنصر الزمن. والمشكلة الثانية ترتبط بأن النظام السياسي السوري ليس متجانسا مائة بالمائة. فالقوى الموجودة في النظام السوري بعضها لديه استعداد لشئ من التعقل، وهناك قوى تسيطر على ثروات البلاد؛ وهذه ليس لديها استعداد للتخلي بسهولة عما تحت أيديها من هذه الثروات. فحائزو الثروة لديهم الاستعداد لرفع درجة استخدام البطش، بينما القوى العاقلة لديها استعداد لتجنب المشهد الدموي.
لهذا، فإن المحتمل الأقرب هو حدوث صراع إرادات داخل النظام القائم، وبعض القوى يمكن أن تتجه بالمشهد السوري نحو صورة مأسوية، وبعض القوى الحقيقية المتعقلة يمكن أن تضع حدا لسيناريو البطش وتدعم مطالب التغيير.
عملية التغيير ليست صعبة. ويمكن في بعض البلدان أن يحدث التغيير خلال فترة قصيرة. فهذا الحديث عن إخضاع حالة الطوارئ لدراستها للنظر في إلغائها يمكن مقارنته بواقعة نقل السلطة من الرئيس حافظ الأسد إلى ابنه الرئيس الحالي، حيث تم تغيير الدستور في 30 دقيقة في اجتماع طارئ لمجلس الشعب السوري. معنى هذا أنهم قادرون – خلال دقائق – ولا أقول خلال أيام أو أسابيع أو شهور – على إحداث تغييرات جذرية.
لهذا أرى أن تغيير النصوص القانونية ليس صعبا، ولا يستغرق وقتا. لكن ما أراه صعبا هو تغيير بنية الحكم في سوريا. وهذا ما يحتاج الانتباه إليه حقيقة. وفي هذا الإطار أعود لما أتمناه من أن تقوم القوى السياسية المتعقلة في سوريا بمنع المشهد السوري الثوري الراهن من أن يسلك طريقا دمويا، علما بأن كل تغيير لا ينهي الاستبداد بشكل كامل ليس تغييرا ولا ثورة، بل يصبح ترقيعا. وما ألفت إليه هنا أن الشعوب العربية، ومن ضمنها الشعب السوري تعي ذلك، والشعب السوري الآن يدرك هذا الوضع والمآل بصورة جلية، ولن يفلح معه تغيير بعض الأسماء أو الوزارات أو بعض مواد الدستور، فالثائرون في المشهد السوري يطالبون اليوم بدستور حقيقي، وإلغاء حالة الطوارئ بشكل نهائي، ويطالبون بجهاز قضائي مستقل تماما عن إرادة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية ويرفضون المحاكمات العسكرية بشكل نهائي، كما يطالبون بإعلام مستقل مائة بالمائة. المطالب واضحة جلية، يعلمها النظام الحاكم، ويعلمها الشباب تمام العلم ويصرون عليها ويتمسكون بها.
المهم في هذا الصدد أن تدفع القوى المتعقلة النظام للاستجابة الكاملة لهذه المطالب بسقفها الحالي، وأن تضع لتنفيذها جدولا زمنيا محددا. كما أنه من المهم أن تشارك القوى السياسية والحزبية وقوى الشارع السوري في إدارة مشهد التغيير منذ البداية، وليس وفق صيغة التهيئة والتسليم في النهاية. والاهم من هذا أن ثقافة التغيير يجب أن تتم في إطار حق الشعب الذي حصله بدمه وبثورته السلمية وليس التغيير منحة من الحاكم منحها لشعبه، فهذه الصيغة (المنحة) مرفوضة تماما. فالمستبد لا يهدي الحريات لشعب، وإنما يعيدها، وعندما يعيدها ينبغي عليه أن يشرك الجهات المعروفة بأمانتها ونزاهتها في عملية التغيير.
 
* وأنا أطرح سؤالي عن التغيير من داخل النظام لم أكن أعني تغيير علاقات القوة فقط، بل كنت أتساءل عن إمكانية حدوث تغير في ثقافة البيروقراطية ومؤسسات الدولة التي كانت تعتبر كل إمكانات الدولة ملك للنظام الحاكم. هل هذه الثقافة يمكن أن تتغير وتسمح بالتغيير؟
أ. نبيل شبيب: عملية التغيير عملية معقدة يمكن أن تأخذ أشكالا متعددة. وعندما يتأخر التغيير كما تأخر في سوريا وغيرها من البلدان العربية لعشرات السنين، تصبح الخطوة الأولى الحاسمة في حركة التغيير هي استعادة الثقة ما بين الشعب والأجهزة الحكومية. هذه الخطوة لا يمكن أن تكون الأخيرة. وهذا يعني أن تسود ثقافة أننا لن نغير بمفردنا. "لن نغير بمفردنا" عبارة تعني ان هناك عدد من القوى السياسية الموجودة داخل سوريا وخارج سوريا، وهي قوى مخلصة لسوريا وتتمتع بمقبولية شعبية عالية، هذه القوى يجب أن تكون جزء لا يتجزأ من عملية تنفيذ التغيير من الخطوة الأولى. وعندئذ سيكون هناك نوع من الثقة بين الشعب والحكومة. أما أن يكون التغيير من خلال دستور صنعه النظام الاستبدادي على عينه، أو أن يتم من خلال قانون صادر عن مجلس نيابي مصنوع وفق أطر صناعة المجالس النيابية المشبوهة المعروفة في عالمنا العربي، أو أن يتم في إطار قوانين حزبية نشأت في إطار عصر يمجد الحزب الواحد، هذا لا يمكن أن ينجح.
يجب أن تتم عملية إلغاء حالة الطوارئ من البداية، ثم صياغة دستور بمشاركة القوى الوطنية السورية المختلفة الاتجاهات، والتي اكتسبت شرعيتها عبر تاريخها النضالي الطويل الذي يكسبها هذه المصداقية أمام الشعب السوري. فإذا اجتمعت هذه القوى مع الحكومة الراهنة على خط واحد، فهنا يمكن أن نتجنب عملية تصاعد الثورة بشكل سريع. أما إذا ما تمت إدارة عملية التغيير وفق الإطار الراهن لممارسة العملية السياسية، فهنا لا يمكن بناء الثقة، ولا يمكن تجنب تصاعد الثورة ومطالبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق