الاثنين، 18 أبريل 2011

حول بعض قواعد الممارسة السياسية الديمقراطية …. عمرو حمزاوي


القاعدة الأولى هى أن يحترم ما ترتضيه الإرادة الحرة للأغلبية معبرا عنها فى استفتاءات عامة أو انتخابات على اختلاف مستوياتها.
من غير المقبول أن يعود بعض الفاعلين السياسيين فى مصر مجددا، وبعد أن وافقت الأغلبية على التعديلات الدستورية ومسارات إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وكتابة الدستور الجديد المرتبطة بها، إلى طرح تشكيل مجلس رئاسى أو المطالبة بتأجيل الانتخابات أو تغيير ترتيبها بإجراء الرئاسية قبل البرلمانية.
مثل هذه النقاشات كانت جائزة قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية، أما اليوم فهى من جهة صنو خرق مباشر لقاعدة احترام الإرادة الحرة للأغلبية وتفعيلها، ومن جهة أخرى مصدر لبلبلة المواطنين والرأى العام الذين باتوا يخشون من افتقاد بوصلة واضحة لإدارة تحديات ومهام الانتقال الديمقراطى.

القاعدة الثانية هى أن السياسة الديمقراطية ليست صراع أضداد بين قوى تلغى بعضها بعضا، بل منافسة سلمية تمكن من التنسيق والتعاون والائتلاف والتحالف كما تعبر عن الاختلاف فى الرؤى والمواقف.
من غير المقبول أن تعرف بعض القوى السياسية والأحزاب القديمة والجديدة أدوارها حين النظر إلى الانتخابات البرلمانية القادمة على أنها صراع حياة أو موت فى مواجهة تيارات أخرى. بعض الليبراليين يرون الانتخابات كساحة معركة مع التيارات التى تستلهم المرجعية الدينية وينظمون صفوفهم ويخاطبون المواطنين انطلاقا من كون مصر مقبلة على كارثة محققة إن لم يتم القضاء على أو تجحيم جماعة الإخوان والحركات السلفية.
وبعض الإخوان وبعض السلفيين بدورهم، وعلى الاختلافات فيما بينهم، يهاجمون بضراوة لا تتناسب مع منافسة انتخابية سلمية القوى الليبرالية مسفهين من أفكارها وبرامجها ومخونين لها ولرموزها. مثل نقاط الانطلاق والقناعات هذه ليس لها أن تبنى ممارسة ديمقراطية، فالأخيرة بعيدة عن صراعات الإلغاء ولا تستقر إلا بتسليم جميع القوى المشاركة فى السياسة بإمكانية تعاونها وتوافقها لتحقيق صالح الوطن. فكيف سيستطيع الليبراليون التعاون مع الإخوان وهم لا يرون بالجماعة إلا كائنا أسطوريا مرعبا ينبغى القضاء عليه؟ وهل للإخوان وغيرهم من مستلهمى المرجعية الدينية أن ينفتحوا فعلا على القوى الأخرى إن استمروا فى الخلط بين المنافسة السياسية والمضامين الدينية (التصويت بنعم كواجب شرعى كما دعت الجمعية الشرعية وأحاديث غزوة الصناديق)؟
القاعدة الثالثة هى أن الحقيقة الأساس فى مراحل الانتقال الديمقراطى هى أنها لا تعرض المجتمعات التى تحدث بها فقط لمخاطر جمة، بل تتيح لها فرصا إيجابية غير مسبوقة للتقدم والتوازن والرخاء.
من غير المقبول أن نختزل نقاشاتنا حول الانتقال الديمقراطى فى أحاديث الخطر وخطابات التفزيع مما قد يحل بالبلاد. فمن جراء حديث مستمر عن خطر انهيار مؤسسات الدولة مرورا بالانفلات الأمنى إلى التفزيع من إمكانية هيمنة تيارات بعينها على المشهد السياسى يتصاعد الشعور بالخوف من المستقبل لدى المواطنين وتهمش الطاقة الإيجابية العظيمة التى فجرتها ثورة 25 يناير. ويتم تجاهل الإنجازات السياسية الكبيرة التى رتبتها الثورة إلى اليوم ومسارات بناء الديمقراطية التى بتنا نسير عليها كدولة ومجتمع، ويدفع إلى الواجهة بقراءات متشككة وخائفة لا ترى ما يبشر بالخير فى المستقبل وتنتقى القليل السلبى من بين ما يحدث الآن للتدليل على سوء القادم.
مصر تتغير بإيجابية مبهرة، وبالقطع وفقا لحقائق مجتمعها وخصائصه. فقد انتزع مجتمع المواطنين حرياته الأساسية ويوظفها بسرعة تبدو للناظر من بعيد صنو سيولة وعشوائية سياسية (تأسيس سريع للأحزاب وللمبادرات المدنية والأهلية وبرامج العمل الانتخابى وغيرها)، وتوضع اليوم اللبنات الأولى لبناء الديمقراطية ويساءل ويحاسب قانونا منتهكو حقوق الإنسان وصانعو فساد النظام السابق، وتعاد هيكلة بعض مؤسسات الدولة على أسس من الشفافية والنزاهة واحترام حقوق المواطنين ولا يقتصر فقط على تعديلات فى ما خص شاغلى المناصب التنفيذية الكبرى.
لسنا فى معية مخاطر فقط، بل أمام فرص عظيمة للتغيير لا بد من أن توظف بإيجابية وتفاؤل.
القاعدة الرابعة هى أن الممارسة الديمقراطية والاهتمام بقضايا الانتقال الديمقراطى لا يعنيان أن يقتصر العمل العام والنقاش العام على السياسة فقط وتهمل كل قضايا المجتمع الأخرى.
من غير المقبول أن يستمر تهميش الأوضاع الاقتصادية فى نقاشاتنا وأن ينتقد كل من يثير حولها التساؤلات وينبه إلى خطورتها على أنه عدو للثورة وملتف على مكتسباتها. من غير المقبول أيضا أن نتجاهل المعاناة المعيشية اليومية لقطاعات واسعة من المواطنين ونتعالى عليهم بعبارات ومفردات من شاكلة «للثورات ثمن» و«يا طول ما عانينا، فلنتحمل»، وغيرها. بل إن طاقة التغيير الإيجابية التى تفجرها الثورات فى المجتمعات لا بد أن تعبر عن ذاتها وتفعل خارج السياسة، بمبادرات جماعية وفردية لمعالجة أزمات المجتمع المزمنة كالفقر والبطالة والأمية وتدنى مستويات الخدمات الصحية والتعليمية وشيوع العنف وما شابهها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق