الأربعاء، 13 أبريل 2011

فاعتبروا - معتز بالله عبد الفتاح


من تمر به هذه الأيام ولا يعتبر، فليشرع في إعادة حساباته الأخلاقية والإنسانية. ومن لم يقرأ القرآن الكريم من فترة، فليشرع في قراءة سورة القصص وتحديدا الآيات من 76 إلى نهاية السورة.
هذه الآيات التي تحكي قصة "قارون" تلخص لنا فتنة البحث المرضي عن المكانة. وهو اضطراب نفسي وسلوكي، له أعراضه؛ فهناك أشخاص باحثون عن المكانة بشكل مرضي كما يقول علم النفس السياسي ويسعون إليها من خلال الشهرة أو المال أو السلطة، حتى لو تجاوزا في سبيل ذلك كافة الاعتبارات الأخلاقية.

وهذا السعي الموبوء نحو المكانة الشخصية هو ما جعل الكثير من كتاب الزهد في كافة الحضارات والفلسفات يحذرون منها لأنها يمكن أن تفضي إلى الهلكة الشخصية والجماعية. وأتذكر قول أحد التابعين عن فضل الزهد (الذي هو خلو القلب مما رأته العينان) والقناعة (التي هي خلو القلب مما لا تملكه اليدان) حين قال: "إننا في راحة بال، لو يعلمها الملوك لحاربونا عليها بالسيوف."

هذه الأيام أيام اعتبار بحق. قارون ليس قصة في القرآن فقط، وإنما هو جزء من واقع نعيشه.قال له الناصحون "لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين" أي المبالغين في الافتخار بأنفسهم ظنا منهم أن عطاء الله لهم دليل رضى وحظوة، وإنما حقيقة هو جزء من الابتلاء؛ فالإنسان يبتلى بالمنع وبالعطاء. قال له الناصحون "وأحسِن كما أحسن الله إليك، ولا تبغ الفساد في الأرض، إن الله لا يحب المفسدين." فقال في صلف: "إنما أُوتيتُه على علم عندي."

إن كل "قارون" في كل عصر فتنة لغيره. وقد "قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثلما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم" ورد أهل العلم: "ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا، ولا يُلقّاها إلا الصابرون."
فأرانا الله فيه آية بعد أن خسف به وبداره الأرض، "وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن (أي عجبا) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر، لولا أن مَنّ الله علينا لخسف بنا."

ليس معنى ما سبق أن هناك ما يدعو أو يبرر التكاسل وفتور الهمم، لكن الحذر أن نتخذ وطننا ومجتمعنا مطية لتحقيق مكانتنا الشخصية.
أختم بحكمة قرأتها متفرقة، ولكني جمعتها اعتقادا في تمام فائدتها: سبحانه وتعالى يعطي من يشاء بفضله، ويمنع من يشاء بعدله، ولا يسأله مخلوق عن عِلة فعلِه، ولا يعترض عليه ذو عقل بعقله. سبحانه، قد يعطي وهو يمنع، وقد يمنع وهو يعطي، وقد تأتي العطايا على ظهور البلايا، وقد تأتي البلايا على ظهور العطايا، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق