الثلاثاء، 5 أبريل 2011

دور العبادة.. بين الدعوة والدعاية - معتز بالله عبد الفتاح

جاء فى هذا العمود كلام عن استخدام المساجد والكنائس فى الدعاية الانتخابية والتجنيد الحزبى، بما أثار نقاشا مفيدا بين أشخاص استعادوا ملكية وطنهم، وهم الآن يتداولون بشأن إدارته. والنقاش تقدم عدة خطوات للأمام ولنبن عليها:
أولا: تعريف السياسة عند الغربيين هو «الصراع من أجل تحديد من يحصل على ماذا، متى، وكيف، ولماذا». والسياسة عند أغلب فقهاء المسلمين هى «القيام على الأمر بما يصلحه». التعريف الأول يشرح السياسة كما هى فى واقع الناس المعاش، والتعريف الثانى يشرح السياسة بما ينبغى أن تكون. كل حزب أو مرشح يزعم البديل الثانى (أى أنه يريد أن يقوم على الأمر بما يصلحه)، ولكنه من وجهة نظر الآخرين هو حقيقة فى صراع كى يتحكم فى مصائر البلاد والعباد. إذن أين دور العبادة من هذه القضية؟
ثانيا: دور العبادة مع القيام على الأمر بما يصلحه قطعا من خلل «دعوة» الناس للقيم العظمى لأخلاقيات السياسة بحثهم على المعرفة والمشاركة، والنظر فى برامج الأحزاب والمرشحين، وألا نعطى أصواتنا لمن لا نثق فى أمانته. وسيأتى فى هذا العمود وغيره صفات اختيار مرشح البرلمان المطلوب. ولكن يُترك للناس بعد ذلك أن تختار.
ثالثا: لا ينبغى أن تتحول المساجد والكنائس إلى ساحة للـ«دعاية» الانتخابية أو الحزبية؛ فدرء مفسدة (الفتنة) مقدم على جلب منفعة (الدعاية الانتخابية) بمنطق السياسة الشرعية. لا أتصور أننا نريد أن يكون بيننا مسجد وفدى ومسجد ناصرى وثالث سلفى ورابع إخوانى..إلخ. ولهذا فلنفرق بين أن «يدعو» القس أو الشيخ لأخلاق السياسة وآدابها لتوعية الناس بواجباتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية من قبيل «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة» وبين «الدعاية» الانتخابية أو الحزبية. وهذا هو الفرق بين القس أو الشيخ الذى يدعوك للحرص على النظافة الشخصية ويوضح حكم الدين فيها وبين من يحوّل الأمر إلى الدعاية لنوع معين من الصابون أو الشامبو. هذه غير تلك.
رابعا: ما ينطبق على المسجد ينطبق على الكنيسة. بل أزعم أن المرشح أو الحزب الذى ستدعمه الكنيسة صراحة سيخسر أكثر مما يستفيد، لأن هناك من يفكر بمنطق أن الكنيسة اختارت «أ» إذن علينا أن نختار «باء».
خامسا: اقترح أحد أصدقائى الفيس بوكيين (حسام عاشور) التفرقة بين قضيتين: الأولى، لو كان هناك مرشح أو حزب يدعو صراحة لما يخالف قطعيات الشرع (على استحالة حدوث ذلك عمليا) حينئذ سيكون من واجب الشيخ تحذير المصلين من هذا الفكر الذى يخالف الإسلام. لكن لو أن الأمر لا يعدو مجرد خلاف بين المرشحين فى مسائل إدارية أو تنظيمية أو تنموية لا تتعلق بشريعة الإسلام أو فيها جدل داخل مدارس الفقه (وهو أغلب الحال)، فيترك حينئذ الأمر لأفراد الناس دون تفضيل لمرشح أو حزب على آخر.
وليستمر النقاش فى كيفية الإبداع التشريعى للتفرقة بين الدعوة للسياسة الشرعية والدعاية الحزبية أو الانتخابية، دون التقولب الجامد داخل توصيفات أيديولوجية حاجبة للرؤية والتعلم (بين علمانيين وإسلاميين)، بل بحث دائم عن مواضع الخير، فإن وجدناها فلنكن أولى الناس بها.
والله الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق