الأربعاء، 20 أبريل 2011

حنفية الإخوان النقدية …… عصام تليمة


فجأة وبدون مقدمات وفي يوم واحد نشر موقع (إخوان أون لاين) ـ على غير عادته ولا منهجه طبعا ـ أخبارا عن مؤتمرات لمكاتب الإخوان في بعض المحافظات، ولفت نظري خبران مهمان لهما دلالتهما:
الأول: طالب شباب الإخوان المسلمين بمحافظة 6 أكتوبر، الجماعة بتغيير بعض آلياتها؛ لتتناسب مع التغيير الجذري الذي حدث في المجتمع المصري، خاصةً بعد ثورة 25 يناير, داعين إلى دعم التفويض واللا مركزية لإتاحة مشاركة شرائح أكبر من قطاع الشباب والمرأة في القرارات, بالإضافة إلى دعم المؤسسية وتطويرها، وممارسة العمل من خلال نظام علني.


وانتقد الشباب فكرة عدم تقبل النقد الذاتي على المستويات الأدنى التي تعاني منها المحافظة، خلاف الوضع عندما يتعامل المسئول مع المستويات الأعلى.
والآخر: يحمل نقدا من النساء، لوضعهن في الجماعة، وجاء فيه:
انتقدت فتيات الإخوان المسلمين بحلوان ضعف وبطء وصول المعلومات من القيادات الإخوانية للقاعدة؛ ما يعطِّل سير العمل في الجماعة، مشددات على ضرورة أن يتم إجراء انتخابات على المناصب القيادية النسائية في الجماعة، وينتهي أسلوب "الوصاية" وفرض المسئولة.
وطالبت المشاركات موقع (إخوان أون لاين) بتغطية أخبار الجماعة بشكل أكبر، والتزام الحيادية في نقل الأخبار ونقل وجهتي النظر، ودعوه إلى تقبل فكرة النقد الذاتي البنَّاء للجماعة على صفحاته.

هذان خبران، منشوران على موقع (إخوان أون لاين) وليس على موقع آخر لا يمت بصلة لجماعة الإخوان المسلمين، وهو الموقع الرسمي للجماعة، وهو ما يتطلب منا وقفات عدة مع هذا التوجه الجديد للموقع والجماعة معا:

أولا: بداية نشيد بهذا التوجه الجديد للموقع، وللجماعة بوجه عام، فقد انتقدت كثيرا من قبل غياب النقد، والهجوم الضاري من بعض أفراد جماعة الإخوان المسلمين لمنتقدي الجماعة علنا، ونشر نقدهم في الصحف، والآن بدأت تتسع الصدور إلى حد كبير، لنقد الشباب، ولم تعد ثقافة التقديس لها مكان، بعد ثورة 25 يناير وما تلاها من مبادرات من الإخوان كقيادة، وهو توجه محمود، نتمنى أن يكون أصلا أصيلا فيما بعد، لا مجرد عارض بحكم الأوضاع الجديدة، وهو الأصل في جماعة الإخوان المسلمين، التي جعل مؤسسها المرحوم حسن البنا النقد فيها عملا مؤسسيا، في أصغر دوائرها (الأسرة الإخوانية)، وأحد أركانها الثلاثة: التفاهم، والتعارف، والتكافل، وبين أصوله وضوابطه، ثم بممارساته الدعوية طوال حياته، من إفساح باب النقد في كل مجلات ودوريات الجماعة، ثم في كل مستوياتها الهيكلية رحمه الله، فهنيئا للإخوان استعادة عافيتها، فرفض النقد، والضيق به، أشبه بمرض يحتاج صاحبه إلى دواء، أو أشبه بزوائد ونتوءات على الجسد، يستعيد عافيته باستئصالها.
فأغتنم هذه الفرصة لتهنئة الموقع بهذا التوجه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، فتقبل الله منكم، ومن علامات قبول التوبة: عدم العودة إلى ما مضى.

ثانيا: نتمنى ألا يكون التوجه الجديد بناء على توجه فردي، يبقى ببقائه، وينتهي بخروجه من سدة المسؤولية، بل نريد أن يكون هذا التوجه قناعة داخلية، تنبع من إيمان الإنسان بدعوته، كي يجمع بين الأجرين: الدنيا والآخرة، فإن مثل من قام بالنقد بقناعة داخلية من داخله، مرضاة لله، ولو أغضب بنقده الجماعة أو بعض أفرادها، أشبه بإنسان نصحه الطبيب بالإقلاع عن التدخين، لأنه ضار بالصحة، مقارنا برجل آخر ترك التدخين لأنه حرام، مخافة عقاب الله له، النتيجة واحدة وهي الإقلاع عن التدخين، لكن شتان في الأجر بين من تركه عملا بنصيحة الطبيب، ومن تركها عملا برضا الله، ولو أغضب هوى نفسه، وألجمها نزواتها.

ثالثا: ما حدث وما يحدث الآن من القبول بالنقد، يؤكد مقولة عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إن الله يزع بالسلطان، ما لا يزع بالقرآن" فما نادينا به من إفساح الصدور للنقد من قبل، في مقالات كثيرة، لم يؤت أكله من التغيير بقدر ما يكون من قرار مسؤول في موقع المسؤولية في الجماعة، وهي رسالة لكل مسؤول في الجماعة أن يتقي الله في دينه، وجماعته، وفي نفسه أخيرا، فيما وسد إليه من مسؤولية، وأنها فرصة إما لغرس الصالح من القيم، وإما لتعويق المفيد من الآراء.

رابعا: الحرية، والنقد، والشورى، كلها قيم مهمة ومفيدة في العمل الدعوي، ولكنها ليست حبة دواء يتناولها الأخ من الإخوان المسلمين بعد الطعام، فيصبح مناديا بالحرية، ناقدا، ديمقراطيا في رأيه، إنها تحتاج إلى عدة أدوات، منها البيئة والمناخ، ومنها المنهج الذي يتلقاه، فهذه ليست مكملات، هذه أسس مهمة لغرس هذه المعاني القيمة والأساسية في حياة الداعية، فعلينا أن نوفرها دائما، وأن تنزل عمليا في المناهج التربوية، وفي الخطب والمحاضرات والمقالات العامة، حتى تصبح أساسا من أسس العمل الدعوي، لا من نافلة القول، أو على هامش العمل الدعوي.

خامسا: حدث من قبل أن أسيء الظن بمن كتبوا ونقدوا، ونالهم ما نالهم من المتعصبين، أو الفاهمين للكلام على غير وجهه الصحيح، والآن انتهوا إلى نفس ما قام به الناقدون من قبل، النقد المعلن للجماعة، وفي موقع الجماعة ذاته، وفي مؤتمرات الجماعة المعلنة، ومنذ أسبوعين مضيا لقي شباب من الجماعة في مؤتمر شباب الإخوان ما لقوا من هجوم حاد من تعليقات القراء على المواقع والأخبار، بما لا يليق، فأعتقد هنا: أن هناك اعتذار واجب من كل من أساء لمن كتبوا ونقدوا الجماعة نقدا معلنا، ولو عدنا إلى تعليقات القراء على المقالات النقدية للإخوان، لرأينا نماذج واضحة من هذه الإساءة، وحتى لا يتهمني إنسان بأني آخذ التعليقات معيارا، وأن كثيرا من المعلقين مدسوسين على الجماعة، فهناك رسائل جاءتني شخصيا بالبريد الإلكتروني باسم أصحابها، وهم معروفون لي، بعضها رسائل اشتملت على ما لا يليق، وبما يعاقب عليه القانون والشرع، وهو أمر أنزه كل متدين عنه، بل كل وطني حر، فوجب هنا: الاعتذار عن الإساءات التي حدثت لفظا أو تضييقا، لكل ناقد نقدا معلنا، فقناعتي: أن من نقد انطلق من حبه للجماعة، وأراد رضا الله عز وجل بذلك، وكذلك من لم يقبل نقده، انطلق من نفس المنطلق، ولنفس الهدف، لكن ما يوجب الاعتذار هو الإساءة التي حدثت، وهي إساءات فردية وتعالج في الإطار الفردي، وما كان بشكل أوسع يعالج بنفس الشكل، وهو الحق الذي لا مهرب منه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق