الخميس، 7 أبريل 2011

حول فصل العمل الدعوى عن الحزبى ومبادرة الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح

تمر مصر عموما والاخوان والقوى السياسة الاخرى خصوصا بمرحلة انتقالية تاريخية، حيث تنتقل مصر من حالة الاستبداد والقمع العامة، والتى كانت تمارس على المجتمع الى حالة الحرية والانفتاح السياسي والاجتماعي.
وهذه المرحلة -بل هذه اللحظة- لها مسؤليتها التاريخية والتى لابد ان يدركها كل فصيل سياسى او اجتماعى او دعوى. ونخص هنا جماعة الاخوان المسلمين والتى -شئنا أم أبينا- يعتبرها الكثيرين بوصلة تحدد مسار الحركة السياسية والاجتماعية، فبناء على اختيارات الجماعه المرحلية والاستراتيجية تتحدد امور كثيرة فى مصر والمنطقة، ولك أن تتخيل لو لم يحدث تصادم بين الحركة وعبد الناصر فى خمسينات القرن الماضى، ماذا سيكون حال المنطقة العربية بل والعالم.؟

أقول ان الاخوان الآن أمام لحظة تاريخية عليهم أن ينتبهوا إليها ويقدروها حق قدرها، ولا ينظروا تحت أرجلهم ويفرحوا ببعض المكاسب الوقتية من فتح مقر هنا أوهناك (الغريبة أن تفتح المقرات وبشكل علنى بدون تسوية الوضع القانونى للجماعه) بنظرية فرض الأمر الواقع، وهذا كان اضطرارا فى ظل النظام السابق الذى كان يحرمنا من كل شئ، أما الآن فنحن نريد أن نبنى دولة الحرية والقانون والمساواة والعدالة، فينبغى علينا التعامل بمسؤولية فى هذه الأمور.
هناك رؤية طرحها الدكتور/ عبد المنعم أبو الفتوح وأيده فيها الدكتور/ ابراهيم الزعفراني (والذى لم يرضنى تركه للجماعه) وآخرين حول فصل العمل الدعوى عن العمل الحزبي.
هذه الرؤية على أهميتها لم تنل حظها من الدراسة والنقاش فى مؤسسات الجماعه، رغم أنها -فى تصورى- نقطة مفصلية للجماعه وطريقة عملها فى العقود القادمة.

كنت أتصور أن يستدعى مجلس الشورى لمناقشة هذه الرؤية، بل وذهب بي الخيال أن يعقد مجلس الشورى فى إحدى القاعات الكبرى فى أحد الفنادق، ويدعى الاعلام ليروا كيف يتخذ الاخوان قراراتهم وكيف يختلفون برقى وتحضر وحب، ويرى شباب الاخوان وقواعدهم كيف يتخذ القرار فى جماعتهم، فتزداد الثقة (والتى هى متبادلة بين القادة والافراد) ونكون نموذج فى الممارسة الشورية الديمقراطية، ويأخذ الموضوع حقه من النقاش.
لكن رأيت ردود فعل فردية، مرة بتصريح المرشد من انه لا يوجد أى حزب يمثل الاخوان الا حزب العدالة والحرية، ومقالة للدكتور/ غزلان لم تشفى الغليل.
وقد ألح عليَ هذا الموضوع -فصل الدعوى عن الحزبي- منذ سنوات طويلة، وأرى أنها فرصة لكى نقدم لأصحاب القرار في الأخوان توضيح لهذه الفكرة ومميزاتها وعيوبها وكيفية تلافيها، حتى نتخذ القرار على بينة.

تنطلق الفكرة من أن جماعة الاخوان الان قد تخطت مرحلة التأسيس وأصبحت أفكارها منتشرة فى مصر وخارجها بشكل كبير، بل أصبحت مدرسة فكرية فى عرض وممارسة الاسلام الوسطى دون إفراط ولا تفريط، وبدأت هذه المدرسة بالامام/ حسن البنا والذى استفاد ممن سبقوه فى العمل الاصلاحى من الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا وغيرهم وأكمل هذا المشروع جمع من العلماء والمصلحين الغيورين على هذه المدرسة مثل الشيخ/محمد الغزالى ويوسف القرضاوى والعوا والمستشار البشرى ود/ محمد عمارة…. الخ وغيرهم كثيرين داخل تنظيم الاخوان وخارجه ممن هم ينتمون لهذه الفكرة الوسطية الشاملة فى فهم الاسلام.

ولهذا قد يكون من المقبول فى مرحلة التأسيس للفكرة والتعريف بها ان يكون هناك تنظيم معين يدعوا لها ويوضحها للناس ويدافع عنها حتى ترسخ فى المجتمع وتنتشر وتصبح من الامور المسلم بها والبديهية (قارن بين فكرة شمولية الاسلام فى بداية دعوة الاخوان والآن)، ولكن بعد انتشار الفكرة ورسوخها واجتماع الانصار لها ممن ينضم داخل التنظيم أو يظل يخدم الفكرة من خارج التنظيم، بعد هذا الزخم والانتشار فإنه من المقبول أن نرى أكثر من تنظيم يعبر عن نفس الأفكار ولكن بوسائل أخرى وأساليب يراها تنقص التنظيم الاخر، فلا غضاضة فى ذلك، خصوصا لو كانت هذه التنظيمات الجديده من باب التنوع كإنشاء أحزاب سياسية أو جمعيات خيرية أو ثقافية أو ….، ويحل هنا التحالف والتعاون على البر والتقوى بديلا عن الاتحاد الكامل.
بل يرى البعض (منهم الدكتور عصام العريان فى دراسة بعنوان "الآثار الجانبية للحملة البوليسية على الاخوان المسلمين") أنه لابد من "إطلاق حرية العمل والاجتهاد لأفراد الجماعه مع المتابعة والتقويم، والدفع بهم إلى الاجتهاد والتجديد الفكري والثقافي وأيضاً في مسائل العمل الدعوى والمجتمعي، ويبقى للقيادات العليا والوسيطة الاهتمام برسم الاستراتيجيات العامة ووضع السياسات المطلوبة ومتابعة الالتزام بها والإرشاد عند الخروج عنها بعد تقويم النشاط والجهود الفردية."

وإذا تحدثنا عن فصل العمل الحزبى ورؤية الدكتور/ عبد المنعم ابو الفتوح، فنعرض لهذه الملاحظات لعلها تفيد فى توضيح الرؤية:  
  1. الجماعه تأخذ دور الأخ الأكبر فى المجتمع المصرى (بتعبير أحد الأصدقاء من خارج الاخوان) والذى يرجع اليه ويكون داعما للمجتمع وحاميا له (كما حدث فى الثورة) بتجرد وإنكارا للذات، ولا تكون مثل الأب (إشارة للوصاية) الذى يفهم أكثر من الأبناء ويعرف أكثر منهم، حيث تخطينا هذه المرحلة وتجاوزها الزمن منذ فترة طويلة، ولايكونوا مثل الأخ المساوى لى (إشارة الى نزولهم للحياة الحزبية) حيث سنكون سواء وتحدث الخصومة نظرا لاختلاف الرؤى السياسية والمصالح الحزبية الضيقة.
  2. اندماج أفراد الاخوان أكثر مع المجتمع (حالة ميدان التحرير)، فوجود حزب باسم الاخوان المسلمين قد يحجم الكثيرين من الالتحاق به لأنه ليس مستقلا عن الجماعه.
  3. وجود حزب (ذراع سياسي) للجماعه يعمل فى مجال السياسة والتى هى فن الممكن والذى قد يتطلب منه اتخاذ قرارات او ابداء تنازلات قد تسئ للدور الرسالي والدعوى لجماعة الاخوان والتي تعرض الدين على حقيقته بدون الالتفات إلى الضغوط سواء واقعية أو سياسية.
  4. وبالتالي فإن فصل الحزب عن الجماعه ووجود أكثر من حزب يعبر عن الفكرة يقلل التكلفة السياسية، بمعنى أنه لا يتحمل الحزب أثر آراء تتخذها الجماعه ولا تتحمل الجماعه أثر آراء ومواقف يتخذها الحزب، حيث سيكون هناك الجمعية العمومية للحزب والهيئة التأسيسية له وهى التى تقرر وتحاسب.
  5. وجود أكثر من حزب يعبر عن الفكرة يعطى مساحة أكبر للمناورة السياسية، فإذا أخطا حزب ما التقدير فى قضية معينة، قد يتداركها حزب آخر وهكذا، وفى الحالتين الجماعه بعيدة عن هذا الجدل السياسي.
  6. عدم وجود ذراع سياسي حزبى يمثل الجماعه يعطى فرصة أكبر للجماعه أن تنشغل بالمهمة الأصيلة لها وهى "التربية" والتى يجيدها الاخوان المسلمون أكثر من أى فصيل آخر، وينشغلوا بعرض حقائق الاسلام ومبادئة العظيمة  ونشرها وغرسها فى المجتمع (مثلا ينشغل دعاة الاخوان بحث الشعب على الايجابية والمشاركة فى صنع الحاضر والمستقبل وأن يختار المرشح بموضوعية وليس عن قبلية أو بالرشوة، بينما الحزب مشغول بالدعاية لمرشحه وتعريف الناس به وبرؤاه السياسية لحل مشاكلهم وبناء مستقبلهم).
  7. تفعيل باقى أقسام الجماعه المختلفة من تربية والنشاط الطلابي ومع المهنيين والعمال والفلاحين والأخوات و…. وغيرها من الأقسام المختلفة والتي ضعف النشاط بها نتيجة غلبة النشاط السياسي فى الفترة السابقة.
  8. عدم وجود حزب وحيد للجماعه أيضا يطمئن الداخل والخارج، ويقضى على فزاعة الاخوان والتى يستخدمها الان بعض الخصوم السياسين لتخويف المجتمع المصرى منهم، وأيضا ينشغل الاخوان بتقوية الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع المصري ونشر ثقافة التسامح وتقبل الآخر، وهم أقرب التجمعات الاسلامية للعب هذا الدور.
  9. الأصل فى العمل الحزبي هو اتهام كل طرف للآخر فى آراءه السياسية، ويبحث كل طرف على نقاط ضعف الطرف الآخر ليقوم بفضحها للرأى العام (وهم القاعدة الانتخابية) وتصبح الجماعه فى موقف دفاع عن الشبهات والأمور التى توجه إليها (بغض النظر عن صحتها) وتنشغل عن مهمتها الأصلية، وتصبح فى خصومة سياسية مع الآخرين.
  10. جماعة الاخوان المسلمين تمثل -شعبيا- الاسلام الوسطى السمح (من وجهة نظرالاخوان)، بجوار مؤسسة الأزهر العظيمة والتى تمثل الإسلام الوسطى من الناحية العلمية الأكاديمية، فلابد أن نحافظ على هاتين المؤسستين بعيدا عن الصراعات الحزبية والرؤى السياسية التى قد تؤدى إلى الخصومات، وعدم أداء هاتين المؤسستين لدورهما بالشكل المطلوب يترك الساحة لجماعات التشدد والعنف (الفكرى او العملى).
  11. كما يوجد آراء فقهية متعددة داخل الجماعه، وتترك الجماعه الحرية للأفرادها بالأخذ بما يتناسب مع قناعته مثل النقاب والحجاب وغيرها، توجد أيضا آراء سياسية متعددة (أشهرها قضية تولية المرأة والقبطى لرئاسة الدولة) والتى ليس من الطبيعى أن نجبرهم على الدمج داخل حزب سياسي واحد.
  12. وجود أكثر من مؤسسة تعبر عن الفكرة (أحزاب وجمعيات خيرية وثقافية و…..) تساعد فى ترسيخ الفكرة فى المجتمع مما يصعب اقتلاعها كما حدثت فى المحن السابقة حيث صودر فى الاربعينات مصانع ومؤسسات كانت تابعه مباشرة للجماعه مما أضاع على المجتمع خيرا كثيرا.
  13. وجود أكثر من حزب يعبر عن الفكرة، يشجع المصريين أكثر وخصوصا الأقباط -شركاؤنا فى الوطن- على الانضمام للحزب وتحقيق مقولة مكرم عبيد باشا حين قال: "أنا مسيحى الديانة وإسلامى الحضارة" الانتماء ومع شئ من التعاون والتحالفات يصب فى النهاية فى الهدف العام ومجرى النهر الكبير وهو ترسيخ الاسلام ومبادئه فى المجتمع، ونهضة هذه الأمة وعودة مصر لمكانتها الطبيعية.
  14. المنافسة السياسية ليست في رسالة الجماعة وليس على أجندتها.. قبل وفاة الإمام البنا كان قد قال للأستاذ فريد عبدالخالق إنه يرى أن الحزب الوطني في هذا الوقت -وكان العام 1948- هو الحزب الأقرب إلى الحضارة الإسلامية لتحقيق أهداف الأمة واستقلالها، وإنه لو طال به الوقت لكان سيدعم هذا الحزب وهذا هو ما نقوله.جماعة الإخوان المسلمين تمارس العمل السياسي لأنها تجمع من يدعو إلى الله، وأنها حينما تنظر إلى مساحة الحزبية وترى أن هذا الحزب أو هذا الشخص قد يحقق استقلال الأمة والحفاظ على مصالحها وحريتها ستدعمه فتدعم هذا الحزب أو ذاك دون أن يكون لها هي حزب.. هذا حتى لا يفهم من كلامي أن تتحول جماعة الإخوان المسلمين إلى جمعية دفن موتى بل لا بد أن تستمر كجماعة نضالية ترفع مفهوم الإسلام الشامل، وتناضل من أجله وتدعو الناس إليه؛ لكن هذا ليس معناه أن يكون لها وزارة صحة أو اقتصاد ليس هذا من عملها.
  15. نجاح الحزب سياسيا سيصب فى الهدف العام وتستفيد الجماعه والدعوة، وفشل الحزب سياسيا (وهذا وارد جدا) ينعكس عليه وحده ولا تتحمل الجماعه ولا الدعوة ذلك، لوجود أكثر من حزب يمثل الفكرة، ففشل حزب ونجاح آخر سيفسر على أنه ضعف أداء للأفراد وليس ضعفا للفكرة.
  16. ويجب على أي حركة اسلامية أن تحافظ على نفسها كحركة مجتمعية نضالية تحافظ على استقلاليتها وحريتها بكل وسائل العمل النضالي فتقوم بعمل مؤتمرات وندوات وتقوم بنشر الوعي السياسي والخلقي والقيمي وتربي شباب الأمة للحفاظ على كيان المجتمع.. أما المنافسة على الحكم فهذا من عمل الأحزاب.
    ودوري في هذه المسألة أن أقف كقوة إسلامية كبيرة مع هذا الحزب أو ذاك لأنه أقرب لأهداف الأمة ولا أقف مع هذا لبعده عن نفس السبب ومع أن الإخوان لا ينبغي أن يمارسوا هذا العمل (الحزبي) كهيئة إلا أن أفراد الإخوان لهم أن يمارسوه، لكن ليس باسم الجماعة.
  17. لا ننسى قول للاستاذ حسن البنا: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لعُدت بالإخوان إلى قراءة المأثورات"، روى عنه هذا القول الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله)، وسمعناه من الأستاذ فريد عبد الخالق- مد الله في عمره- وحكاه كثيرون عنهما، وما قيل عن تفكيره -رحمه الله- بإلحاق بعض الاخوان فى الحزب الوطنى وكان رئيسه أ/ فتحى رضوان،  ولا يفهم من هذا ندمه على الاشتغال بالسياسة ولكن يبدو أنه توصل الى نفس النتيجة بأهمية فصل العمل السياسي التنفيذي الذى يواجه مباشرة الحكومة والنظام عن العمل التربوي والاجتماعي والدعوى للجماعه. 
  18.  الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والدعوة للدين وللقيم والمبادئ وللإسلام بشموله تعطي لمن يقوم بها سواء أكان فردا أو مؤسسة مثل هيئة الإخوان المسلمين سلطة معنوية، رضيت أم لم ترض -ليس هو الذي يريد بل هي التي تعطيه السلطة المعنوية- والجمع بين السلطة المعنوية الممثلة في الدعوة وبين السلطة السياسية خطر ماحق على الأمة.فما الذي جعل الدولة المدنية عندما أُسست قررت أنه لا بد من فصل السلطات، ولماذا لم تجعل كل هذه السلطات سلطة واحدة لماذا كل هذا؟ للحيلولة دون استبداد أي مؤسسة بمقدرات الأمة لأن الأصل هو الشعب والأمة تتنازل عن بعض حقوقها من خلال عقد اجتماعي من أجل إدارة المجتمع.
    لكن هي في الوقت ذاته تتحاشى أن تتنازل عن عدد من حقوقها أن تكون السلطة الموجودة مستبدة -كما حدث- فتغتال هذه السلطة بقية حقوقها، وهذا في الفكر السياسي الاجتماعي أطلق عليه الفصل بين السلطات، والذي يتحدث باسم الدين وباسم الدعوة له سلطة معنوية على الناس، فحينما تجتمع للهيئة السلطة المعنوية التي تمارسها بحكم أنها داعية والسلطة المادية بحكم أنها رئيس أو حاكم سيجعلنا عرضة للاستبداد.
  19. وجماعة الإخوان المسلمين منذ أن نشأت حتى هذه اللحظة لا يستوعبها الحزب أما الإخوان المسلمين كمؤسسة دعوية تدعو الناس لاستقلال الوطن وتناضل من أجل الحريات ودخل أبناؤها السجون من أجل هذا لا يجوز لها أن تكون طرفا في منافسة سياسية، هذا ليس من رسالتنا، وهذا ليس لأن المنافسة السياسية والمنافسة على الحكم شيء مشين وخطأ لكن لأن هذا ليس من صميم أداء هيئة الإخوان المسلمين، والتي ليس منوطا بها أن تقيم نظاما كاملا للصحة أو نظاما كاملا للاقتصاد لكن تملك رؤية فقط رؤية لهذا المسائل وتدعو إليها. 
وبعد…… فهذه بعض التوضيحات نسردها أمام الاخوان لمساعدتهم فى اتخاذ القرار المناسب فى هذه المرحلة الدقيقة من عمر مصر والاخوان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق