السبت، 2 أبريل 2011

شبيب: 3 أسباب تمنع سوريا من مصير ثورة ليبيا (1-3)

النظام السوري ليس نظاما طائفيا.. بل نظام استبدادي وحسب

شبيب: 3 أسباب تمنع سوريا من مصير ثورة ليبيا (1-3)

إثر توفر إرهاصات انتفاضة الشعب السوري، كان لنا مع الخبير الإعلامي السوري المقيم بألمانيا أ. نبيل شبيب هذا الحوار حول حال ومآل المشهد السوري وموقفه من النموذجين الثوريين في تونس وليبيا. وفي الجزء الاول من الحوار تحدث أ. نبيل عن سوريا رافضا الفزاعة الطائفية، معتبرا النظام السوري نظاما غير طائفيا؛ بل رآه نظاما استبداديا وحسب. وعن الفارق بينه وبين النموذج الليبي رأى شبيب أن النموذج السوري نموذج مؤسسات ويتضمن عقلاء لا يمكن أن ينحوا المنحى الليبي، ولفت إلى أن سلمية الثورة جعلت أفراد الأمن يرضون الخدمة حينما صدر لهم الأمر بإطلاق النار. وأكد شبيب أنه متى بدأت الثورة لحظتها الأولى فقد حققت انتصارها ونبه لضرورة أن يدرك الحاكم السوري ذلك. وقلل من احتمال تكرار نموذج مذبحتي حماة وتدمر لا يمكن تكراره الآن بسبب سلمية الثورة.

نص الجزء الأول من الحوار
 
* بعد بدء مسارات الثورة في كل من تونس ثم مصر فاليمن وليبيا، تعتبرون الشعب السوري محظوظ في أن يأتي تاليا لهذه الخبرات بحيث يستفيد منها أم ترى أن الخبرة أتت في صف النظام السوري الحاكم؟
أ. نبيل شبيب: دعنا نرد السؤال عليك وأنت مصري. هل استفادت الثورة في مصر من سابقتها في تونس؟ الحقيقة أن العوامل الموضوعية لإنجاح الثورة موجودة في كل البلدان العربية. ومن ثم فالقضية لا يمكن تصورها وحسب في ضوء التتالي من حيث الوقوع. قد يؤثر هذا التتابع في الشعوب نفسانيا؛ لأنها ترى بأم عينها أنها قادة على التغيير إذا ما قدمت التضحيات. فالاستبداد موجود في سوريا كما غيرها، وهو مهترئ، ويتهاوى بسرعة. هذا ما أدركته الشعوب عندما نظرت إلى ما حدث في تونس ومصر. وليس للأمر علاقة بالترتيب الزمني.
 
* نحن نتحدث عن الدروس المستفادة. هل كانت هناك دروس مستفادة؟ وفي أي اتجاه صبت؟ هل صبت في صالح انتفاضة الشعب السوري أم في صالح النظام الحاكم؟
أ. نبيل شبيب: أعتقد أن المستبدين لا يستوعبون الدروس. فلو نظرنا إلى الخطاب الذي يستخدمه النظام السوري سنجده نفس الخطاب الذي استخدمه سابقوه، فلو كان النظام قد استوعب الدرس مما حصل في تونس لما كرر نفس الصيغة، ونفس الخطاب، ونفس الإجراءات التي بدأها نظام بن علي في تونس، ومن تلاه، وهذا كان نفس الوضع في كل البلدان العربية التي ذكرتها؛ كلها كرر نفس الصيغ ونفس الخطابات ونفس الإجراءات على تفاوت في التفاصيل.
أما عن الشعب السوري، فأعتقد أنه على العكس، فقد فهم ما حدث في تونس، بل وتعلم منه. ولو انك نظرت إلى ما يحدث في سوريا ستجد الشعب السوري وقد استوعب المقدمات التي حدثت بسابقه، ومنها سلمية الثورة، والصبر على التضحيات لفترة من الزمن لأجل البرهنة على استعداده للتغيير ورغبته فيه، وتحرك الانتفاضة في كل سوريا وليس في إقليم واحد بعينه، ولهذا أجيب بالإيجاب فيما يتعلق باستيعابه الدروس المستفادة مما حدث في كل من تونس ومصر.
لكن من المهم أن نشير إلى أن المعطيات الحقيقية الموجودة في المجتمع التونسي هي التي تجعله قادر على الاستفادة. فلولا أن الاستبداد قائم في سوريا، لما كان لدور مصر وتونس أي تأثير، لكن المعطيات قائمة، والشعب السوري لديه العزيمة، وكلاهما جعلاه يستفيد مما أحاط بعلمه من أحداث تونس ومصر.
 
* هذا ينقلنا للحديث عن خصوصية الوضع السوري من زاوية المعطيات، ومن زاوية طبيعة الاستجابات الشعبية وتطورها. هل ترى من خصوصية في النموذج الثوري السوري؟ وما ملامحها إن وجدت؟
أ. نبيل شبيب: وضع السلطة في سوريا يختلف عن نظيره في كل من تونس ومصر. وكذا وضع السلطة في تونس يختلف عنه في مصر، ومع ذلك؛ فإن كلا البلدين أسقط الاستبداد. وأقصد من وراء ذلك أن كل الدول العربية مهما اختلفت خصوصيتها أسقطت الاستبداد. فالخصوصيات لم تمنع من إسقاط الاستبداد. فالاستبداد يسقط لأنه استبداد، وليس لأنه اتخذ هذا الشكل أو ذاك.
 
* دعني أصوغ السؤال بطريقة أخرى: أنا أعني إدراك الشعب السوري لخصوصية وضع نظامه الحاكم، بما يجعله يقدم استجابات مختلفة عن غيره من الشعوب العربية؟ فالشعب الليبي طور نموذجه الخاص في مواجهة طبيعة النظام الليبي. فهل سنشهد نموذجا سوريا مختلفا؟
أ. نبيل شبيب: الشعب السوري بطبيعة الحال أدرى بسوريا وبخصوصيات نظامها الحاكم. وهم عندما يتحركون يضعون خصوصية وضعهم هذا في حساباتهم بلا شك. وكذا حدث في مصر، حيث استوعب المصريون خصوصية وطبيعة الوضع عندهم، وأبدعوا في هذا الإطار باستجابات متميزة. الشعب السوري يدرك خصوصية الوضع به، ويقدم بالطبع استجابات ملائمة. على سبيل المثال، نحن نعلم أن ورقة الطائفية من أخطر الأوراق التي يمكن أن يستخدمها النظام على الإطلاق من أجل أن يحول المعركة من حرية في مواجهة استبداد وحقوق في مواجهة ظلم، إلى قضية طائفية لا وجود لها في الأصل. وكان هناك في سوريا من يحاول من المسؤولين أن يصور الأمر باعتباره كذلك، بل ومنهم من دخل بين صفوف الشباب الثوار عبر مراسلاتهم على موقع فيسبوك وخلافه وكأنه من بينهم؛ ليحاول تقديم المسألة باعتبارها قضية طائفية، وكان الشباب السوري يكشفونه، ويجيبونه بشكل مباشر بما يفيد بان الشعب السوري في ثقافته لم يعرف الروح الطائفية.
حقيقي أن الشعب السوري يتكون من طوائف متعددة، لكنه يدرك أن هذا الأمر من خصوصياته، ويتعامل مع هذا الامر، وإذا نظرت إلى الشعارات التي يرفعها المتظاهرون في سوريا فستجد شعارات من قبيل: "سني وعلوي.. كلنا واحد"، وغيرها من الشعارات التي تنفي بقطعية أن تكون التظاهرات السورية ذات منحى طائفي. هذه واحدة.
والأمر الثاني الذي قد أفاجئ به بعض من يرصد المشهد السوري هو أن النظام السوري ليس نظاما طائفيا، بل هو نظام استبدادي وحسب، ومن يشكلون ركائز هذا النظام ينتمون لجميع الطوائف وليسوا علويين. فهو يستغل جميع الطوائف. ومن ثم، فتصوير الأمر باعتباره صراع بين طائفة وأخرى فهذا ليس من الصحة في شئ.
أنا أرى أن استنتاجات المستبدين خاطئة، وهم عندما يقولون أن من خصوصية بلادنا كذا وكذا، ومن ثم؛ فلن تشهد سوريا مع شهده غيرها من الأقطار. فالذي سيحدث أن ما حدث في مصر وتونس سيتكرر في سوريا بجوهره وليس بتفاصيله. فالجوهر هو وجود نظام استبدادي وتوجه جماهيري عارم لإسقاطه، وهو ما إن آمن السوريون بإمكانية تحقيقهم إياه فسيحدث. وهذا الجوهر هو ما أتمنى أن يدركه المسؤولون في سوريا؛ وهو ما إن أدركوه فسيتمكنون من إحداث التغيير بسرعة، بدلا من تلك الوعود غير المضمونة، وآنذاك يمكن أن يحدث التغيير بدون انفجار في سوريا. الشعب السوري لا يريد الثورة في ذاتها، بل يريد التغيير، ومن لا يريد الثورة فعليه أن يصنع التغيير حقيقة، بدون محاولة إنتاج نظام استبدادي مخفف أو مرقع أو يستغل ورقة فلسطينية أو ورقة طائفية.. إلخ، فهذا التهاون هو ما سيؤدي لتزايد المطالب الثورية وارتفاع سقفها.
 
* في الحالة الثورية العربية هناك نموذجان: النموذج التونسي الذي تكرر في مصر واليمن، وهناك النموذج الليبي. وبالنظر لوجود حالة من تشابه المناخ السياسي في كل من ليبيا وسوريا؛ هل ترى المشهد السوري مرشح لأن ينحو منحى النموذج الليبي أم النموذج التونسي؟
أ. نبيل شبيب: لا أعتقد أن ينحو الوضع في سوريا منحى النموذج الليبي، لعدة أسباب:
أولا: سوريا - بخلاف ليبيا – هي دولة مؤسسات. ففي سوريا توجد مؤسسات للحكم. ولا ينبغي لأحد أن يقفز لاستنتاج خاطئ في هذا الصدد فيرى أن مؤسسات الدولة السورية يمكن استهدافها لإنجاح الثورة. فالمطالبون بالتغيير في سوريا يقولون إننا لا نريد أن يكون هناك احتكار للسلطة لصالح حزب واحد. ففي ليبيا لا يمكن للثوار أن يقولوا ذلك، ولو قالوا ذلك لقال لهم القذافي أنتم الشعب وأنتم تحكمون. كما أن هناك دستور في سوريا، وهذا الدستور يحتاج لتغيير. بالإضافة لوجود بعض القوانين الشاذة وحالة الطوارئ يجب إلغاؤها. هذه مطالب الراغبين في التغيير في سوريا، وهي مطالب عادية، ولا يوجد ما يستدعي مواجهتها باستجابات غير عادية.
ثانيا: هناك أمر أظن أن من المهم للمراقبين الالتفات إليه، ألا وهو أن النظام في سوريا لا يمكن أن يتورط فيما تورط فيه النظام الليبي من مسلك عنيف. فالثوار الليبيون لم يكن طرحهم معالى فيه، وفي البداية لم يرفعوا مطلبا يتعلق بتغيير النظام، لكن النظام الليبي استخدم معهم العنف الدموي من اللحظة الأولى، وهو ما دفع الثورة الليبية للتخلص من براءتها ورفع السلاح، كما أنه أعطى للقوى الدولية الحجة لاستخدام القوة المسلحة ضده، ولا أظن أن القيادة السورية يمكن أن تقترف هذا الخطأ الفادح. فالمسؤولون في سوريا لم يندفعوا وراء هذا الخيار العنيف، وهذا يجعل للوضع السوري الراهن مخارج عديدة ممكنة ومحتملة.
ومن المهم أيضا أن نلتفت إلى أن السوريين يستعجلون الإصلاح حقيقة، وليس على سبيل التسويفات والوعود التي صدرت عن النظام السوري حتى اليوم (تاريخ إجراء الحوار كان 28 مارس). فما طرحه المسؤولون السوريون حتى اليوم لا يزال يحمل نفس بصمة الأنظمة الاستبدادية من حيث أن الاستجابات جزئية ومتأخرة ولا ترقى لمستوى الحدث. ولتجنب وقوع ثورة، فإن النظام مطالب بتقديم تصور كامل متكامل يستجيب لمطالب السوريين، مصحوبا بجدول زمني لتحقيقه، وضمانات لعدم الارتداد عنه، وحينذاك فقط يمكن تجنب حدوث ثورة.
لكني بصورة عامة، لا أعتقد أنهم سينحون المنحى العنيف الذي نحاه نظام القذافي، كما لا أعتقد أنهم سيسقطون بالسرعة التي سقط بها نظام بن علي في تونس، لأن وظائف ومهام الأجهزة الأمنية في سوريا تختلف عن تلك التي كانت مسندة للأجهزة الأمنية في تونس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق