الثلاثاء، 5 أبريل 2011

الآثار الجانبية للحملة البوليسية على الإخوان … د/ عصام العريان


هذه مقالة قديمة للكتور عصام العريان ونشرت فى شهر اكتوبر 2009، وأنشرها اليوم لما فيها من رؤية مستقبلية نحتاج لاستكمالها هذه الايام…
—————————————————
الآثار الجانبية للحملة البوليسية على الإخوان
لاشك أن هناك عقلاً أمنياً وسياسياً يخطط لتلك الحملات البوليسية الأمنية والإعلامية ضد الإخوان المسلمين والمستمرة منذ أكثر من 17 سنة. ولابد أن تلك العقول تحسب حساب الخسائر والمكاسب في تلك الحملات المتوالية والتي لم تنقطع بل تصاعدت مع مرور السنوات.
وفي الإجمال نجد أن النتائج المتوقعة لم تكن كما يريد المخططون، وأن التداعيات السلبية على النظام السياسي في مجمله وعلى المجتمع المصري وعلى البيئة السياسية من أحزاب وقوى سياسية وحراك اجتماعي وثقافي لم تكن في الحسبان تقريباً.
وفى النظر السريع نجد الحصيلة على الأرض هي:
- تنامت قوة الإخوان السياسية خلال الربع قرن الماضي، فبعد أن كانت الجماعة حليفاً ضمن حلفاء وقوة بين قوى إذا بها تصعد لتكون قوة منفردة تحصد 20 % من مقاعد البرلمان في انتخابات شبه حرة بها قدر من النزاهة وتكسب تأييد قرابة 35 – 40 % من أصوات الناخبين في الدوائر التي خاضت بها الانتخابات .
- في المقابل ضعفت القوى السياسية الأخرى وضمرت تماماً حتى أصبحت هياكل لا روح فيها خاصة الأحزاب الرسمية المعارضة.
- تصاعد الخطاب الإسلامي السلفي في مواجهة الخطاب "الإخواني المعتدل الوسطي وبدت ظواهر اجتماعية نتيجة ذلك الخطاب محل الاهتمام وبدأت معارك جديدة حول النقاب واللحية والشكل العالم للمسلم والمسلمة بديلاً عن المعارك الأخرى حول الإصلاح والحريات والعدل والشورى والديمقراطية ونزاهة الانتخابات وتداول السلطة.
- ساد التعامل الأمني البوليسي في كافة الملفات: سياسية واقتصادية وعلمية وتعليمية وإدارية .. الخ ، وغاب في المقابل التعامل السياسي الإداري وفق قواعد عامة مجردة واختفت بذلك دولة القانون وتحولت مصر إلى دولة بوليسية.
- تضخم التنظيم الإخواني وكسب أنصاراً جدداً غالبيتهم من الشباب والفتيات وازداد امتداده خاصة في المحافظات بالدلتا والصعيد وليس في القاهرة والجيزة والمدن الكبرى التي تقوى فيها قبضة الأمن وتشتد .

الآثار الجانية على الفكرة والتنظيم
وتلك الحصيلة توحي بأن المكاسب الأكبر كانت للإخوان، ولكن هل يعنى ذلك عدم وجو آثار جانبية أصابت الإخوان كفكرة أو جسد تنظيمي.
وإذا سلمنا بأن أي حملة أمنية بوليسية لابد لها من آثار جانبية وخسائر، فيكون السؤال: كيف يمكن تدارك تلك الخسائر وتحويل بعضها إن لم يكن كلها إلى مكاسب ؟

توقع المراقبون والمحللون عدّة آثار جانبية وفق مناهج البحث والتحليل الاجتماعي والسياسي، ووفق خبرات تراكمت من متابعة تطور الحركات الاجتماعية والسياسية كان أهمها :-
[1] النزوع إلى الغلو والتشدد والتطرف بدلاً من المرونة والوسطية والاعتدال.
[2] الاتجاه إلى العنف بديلاً عن الحلول السلمية والنزوع إلى العمل السري.
[3] الإحباط والشعور بعدم جدوى المشاركة السياسية بسبب انسداد طريق الإصلاح السلمي المتدرج .
[4] ترييف الجماعة بتضخم الجسد التنظيمي في الريف الذي يقل فيه الضغط الأمني ويقل دوره في الإسهامات السياسية والفكرية.
[5] فقدان العقل الاستراتيجي الذي يوظّف كافة طاقات الجماعة في حال السلم لتحقيق أهدافها المرحلية وأهدافها النهائية تحت الضغط الأمني المتواصل.
[6] حدوث انقسامات في الجسد التنظيمي الذي يتعرض للضربات الأمنية ويفتقد كل فترة ذوي الخبرة والحنكة التربوية والإدارية بتغييبهم وراء الأسوار.
[7] فقدان الثقة في القيادة التي لم تستطع الخروج من المأزق الأمني والسياسي.

هناك توقعات أخرى لا يتسع لها المجال ولا ترقى لأهمية تلك التوقعات السابقة، وإذا نظرنا نظرة إجمالية سنجد أنه مع طول فترة الضربات الأمنية وصعوبة تحقيق أهداف سريعة لها وإدراك العقل الأمني والسياسي أنه لا أمل في إلغاء أو شطب الإخوان من المجتمع المصري، وكذلك صعوبة – أو قل عدم الرغبة – في إقصائهم تماماً من الساحة السياسية لأهداف يريدها النظام فإن قدرة الإخوان المسلمين على احتواء تلك الضربات وامتصاص آثارها الجانبية الخطيرة مثل الاستفزاز والاتجاه إلى العنف أو الإحباط واليأس من الإصلاح والقعود عن العمل والنشاط ثم المضي قدماً في تحقيق أهداف الإصلاح والتغيير وبناء جسد الجماعة وتجديده باستمرار وتعويض الكفاءات الغائبة بغيرها والإصرار على الوجود العلني الصريح للإخوان ومساهمتهم بقدر الإمكان في النشاط العام البرلماني والنقابي وتواصلهم مع بقية القوى السياسية، هذا كله أدّى إلى تقليص حجم تلك التوقعات التي لو صحت لدمرت بنية الإخوان المسلمين وشوّهت فكرتهم الإصلاحية ولأصاب المجتمع المصري منها ضرر كبير.

الصبر الإيجابي والتضحية
كان للمنهج الذي اتبعه الإخوان لمواجهة تلك الحملات المتوالية أثر كبير في تقليل حجم الخسائر على ذلك المستوى.هذا المنهج يمكن تلخيصه في "الصبر الإيجابي والتضحية والثبات" .وقد استفاد الإخوان من تجاربهم السابقة في مواجهة حملات الحكومات المصرية سابقاً وأهمها حملتان :
الأولى: قامت بها حكومة الأقلية السعدية في أعقاب حادث اغتيال النقراشي باشا وأسفرت عن اغتيال مؤسس الإخوان الإمام الشهيد حسن البنا في 12/2/1949 بعد حل الجماعة ومصادرة أموالها وممتلكاتها ومقارها واعتقال غالبية قياداتها.
وكانت النتيجة بعد عودة الإخوان إلى الساحة أن شاركوا في انقلاب يوليو 1952 مشاركة كبيرة رغم تحفظ وعدم موافقة المرشد الجديد الذي لم يكن أحكم سيطرته على القرار ولا مؤسسات الإخوان، وكان هذا في تقدير المراقبين خروجاً على نهج الإخوان التدريجي السلمي الإصلاحي التربوي، ونزوعاً إلى رغبة عارمة في تغيير الأوضاع من أعلى وليس كما يقول الإخوان من أسفل أي من المجتمع.
أثمر ذلك التغيير الفوقي نتائج مأساوية على الإخوان لأنهم أصبحوا شركاء في سلطة رفضوها وباتوا منافسين على مغانم لم يسعْوا إليها وصاروا قوة كبيرة لا يستطيع أحد أن يقف في وجهها فكان لابد للسلطان الجديد أن يزيحهم من الساحة تماماً وأن يحاول الإجهاز عليهم والقضاء على الجماعة.
الثانية: ما قام به عبد الناصر خلال حكمه بدءاً من 1954 وحتى وفاته عام 1970 من تغييب كامل للإخوان عن الساحة مما أدى في البداية إلى نزوع بعض الشباب إلى التفكير في عمل عنيف أيضاً للانتقام أو للتغيير حتى خرج الشهيد سيد قطب من السجن ليصحح مسيرة هؤلاء الشباب إلا أنه لم تكتمل له الفرصة فبعد شهور انكشف التنظيم وسيق الشهيد البرئ إلى حبل المشنقة ولكن بعد أن أدرك الإخوان أن طريق العنف مسدود وأن مواجهة الاستبداد باتت الفريضة الكبرى وأن العودة إلى نهج البنا وإعادة قرائته من جديد يصحح مسيرة الإخوان ويعيد الرونق إلى فكرتهم بعد ما أصابها من تشويه متعمد طوال الحقبة الناصرية.

لذلك كان الإخوان منذ بداية خروجهم في عهد السادات واكتمال الإفراج عنهم عام 1975 وإلى يومنا هذا يؤمنون بالحقائق التالية:
- عدم جدوى العنف في التغيير وأهمية الالتزام بالمنهج الوسطي المعتدل الذي يمزج بين الدعوة والتربية والمشاركة الاجتماعية والسياسية والفكرية.
- الصبر وعدم اليأس أو الإحباط وأن الوقت جزء هام من العلاج.
- العلنية في العمل والنشاط وعدم الاتجاه إلى السرية والاختباء .
- المشاركة مع بقية القوى الإسلامية والسياسية وعدم الانعزال عنها وفق القاعدة الذهبية: نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.
- أهمية التواصل مع أجيال الشباب وبناء تنظيم اجتماعي قوى يمتد في كل القرى والبلاد وتصحيح المفاهيم المتشددة برفق وتؤدة.
- ولعب الدور الأكبر في هذه المرحلة المغفور له الأستاذ عمر التلمساني وإخوانه الذين كسبوا ثقة الشباب وصححوا مفاهيمهم وربوهم على التجرد والصبر والإخلاص والثبات.

وكان من نتائج ذلك أن الإخوان كانوا – وما زالوا – بعيدين عن كل تنظيمات العنف وأنقذوا آلاف الشباب من الانخراط في تلك التنظيمات، وحاولوا – مع آخرين – تصحيح المفاهيم لدى المتحمسين والمتهورين.
وأيضاً أسهم الإخوان في الحياة السياسية المصرية ببطء وتدرج رغبة في الانخراط السلمي في عملية إصلاح شاملة لبنية النظام المصري السياسي وتعاونوا وتحالفوا ونسقوا مع كل الأحزاب والقوى السياسية من حزب الوفد إلى العمل والتجمع والناصريين والشيوعيين وبقية القوى السياسية والمفكرين.
وشارك الإخوان – مع آخرين – في التأسيس لخطاب إسلامي معتدل يمزج بين ثوابت الدين ومتغيرات الحياة، ويقدم الإسلام كمنهج حياة للأفراد والمجتمعات لا يعوق تقدم المجتمع بل يدفعه لمزيد من التطور والانفتاح على معطيات العلم والتكنولوجيا وثقافات العالم ويؤسس لتعاون أوثق مع بقية حضارات العالم حتى لا ينقطع المسلمون عن الانخراط في تعاون بناء من أجل مستقبل أفضل للإنسانية جمعاء.

واحتفظ الإخوان بثقتهم في قيادتهم وجماعتهم رغم ما أصابهم من وهن وضعف في الاتصالات ورغم تنوع الآراء والاجتهادات.
وظل الجسد الإخوان متماسكاً رغم الضربات الأمنية ولم تحدث انقسامات أو تصدعات وحاول البعض – كما في تجربة حزب الوسط – التأسيس لمشروع جديد كان يمكن أن يكون إضافة إلا أن عناد النظام وشكوكه وتصلبه ورفضه لأي إصلاح سياسي أدّى في النهاية إلى فشل أي مشاريع سياسية أو غيرها مما أضاف إلى قوة الجسد الإخواني ولم يضعفه.
ونزح كثير من الإخوان إلى القاهرة والعاصمة ليقيموا فيها ويحتاجون إلى وقت ليتكيّفوا مع مجتمع جديد لم يألفوه، ويظل الجسد الأكبر مقيماً في الريف محتفظاً بنقائه الفطري ومحافظاً على مكتسبات المجتمع الصغير في ظل انهيارات كبيرة أصابت القاهرة والمدن الكبرى بسبب النمو المتزايد للعشوائيات وما يسودها من انحرافات سلوكية وخلقية واجتماعية.

حسابات الربح والخسارة
هل يعنى ذلك أن الإخوان أفلتوا من الآثار الجانبية للحملة البوليسية الأمنية ؟ وهل يمكن القول أنهم حولوا تلك الخسائر المتوقعة إلى مكاسب ؟
أعتقد أن ذلك يصعب التسليم به، فقد دفع الإخوان ثمناً غالياً من حرياتهم وأموالهم واستقرار بيوتهم وتنشئة أولادهم في جو آمن مستقر للحفاظ على منهجهم الوسطي وخطابهم المعتدل وقدرتهم على الإصلاح السلمي المتدرج .
لم يستفزهم عنف النظام للوقوع في دائرة الاستفزاز وفخ العنف. ولم تقعدهم الضربات عن مواصلة طريقهم والمشاركة السياسية والمجتمعية ..ولكن كانت هناك آثار جانبية أخرى لا يمكن إغفالها والتقليل من شأنها.
أهم تلك الآثار الجانبية الخطيرة التي أعاقت تقدم الإخوان وتطورهم وأبقت عليهم في نفس الدائرة ونفس الموقع – أو كما يقال : "محلك سر" – هي :

[1] الاتجاه إلى المحافظة في الرأي أو الجمود على المواقف وعدم الاستعداد والجرأة على التجديد والاجتهاد رغم ضرورة ذلك وأهميته والحاجة إليه.
[2] عدم القدرة على الابتكار في أساليب العمل السياسي والمجتمعي لمواجهة حال الحصار المفروض على الجماعة ولمواجهة حال الانسداد السياسي التي أصابت التطور السياسي في مقتل وردته إلى الخلف وللخروج من حال العزلة التي فرضها النظام على المنافذ الرئيسية التي تحرك فيها الإخوان كالنقابات والجمعيات والمساجد والهيئات الخيرية.
[3] الارتباك التنظيمي المتواصل نظراً للغياب المتقطع للقيادات العليا والوسيطة مما خلق حالة من الانقطاع وعدم تراكم الخبرات.
[4] الفشل الجزئي في إنجاز الخطط والبرامج الموضوعة وتحقيق نسب متواضعة جداً في الأداء الدعوى والتربوي والمجتمعي، وحصول الأمن باستمرار على تلك الخطط مما يُضخّم النظرة الأمنية للجماعة على غير الحقيقة ويساعد القيادات الأمنية على الإيعاز للقيادة السياسية بضرورة تشديد القبضة الأمنية ولا أدل على ذلك من أن بداية الحملات البوليسية كانت بسبب الأوراق التي تم ضبطها في قضية "سلسبيل" وهى أوراق – كما كل ما يتم ضبطه من بعدها – لا تعكس الواقع الحقيقي للإخوان بل تعكس تمنيات وآفاق رحبة لم ينفذ الإخوان منها إلا القليل، وهى كلها مفخرة للإخوان لو تم قراءته بنفس سليمة وعقل سديد لأنها تصب في صالح الوطن وإصلاحه وتطوره وتقدمه.
[5] منع الإخوان من النشاط الاقتصادي الواسع خاصة في مجالات معينة ومحاربتهم في أرزاقهم وغلق شركات أفراد الإخوان الخاصة الكبرى والمتوسطة في محاولات دءوبة لتجفيف الموارد المالية للأفراد وبالتالي ينعكس ذلك على الجماعة التي وإن قامت على الأفكار والمبادئ إلا أنها لا تستطيع كأي هيئة تضخمت أن تستغني عن المال الذي هو عصب الحياة خاصة مع توسع النشاط السياسي والبرلماني والمجتمعي.
وذلك ينعكس على قرة أفراد الإخوان الاقتصادية وإقبال الآخرين على الاستثمار معهم ومشاركتهم في المشاريع الواسعة رغم ثقتهم بأمانتهم وكفاءتهم ثم ينعكس على قدرة الجماعة بعد ذلك على توفير الدعم المالي اللازم للأنشطة الواسعة مثل الانتخابات، وهذا كان هو السبب المباشر للهجمة الأمنية الواسعة الأخيرة في قضية المهندس خيرت الشاطر وغيرها حيث صاحبت كل حملة إغلاق لعدد من الشركات المتنوعة في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي مما سبب خسائر فادحة لأفراد الإخوان ومحاولة خبيثة لتجويع بيوت عفيفة.
[6] خلق حالة من الخوف لدى الجماهير من الإخوان وفرض لون من العزلة التنظيمية على الإخوان، ولولا الانتشار الجماهيري الواسع خاصة في الريف والأحياء الشعبية لأثمر ذلك الخوف قطيعة بين الشعب والإخوان ولكن الانتخابات المتوالية أثبتت عقم ذلك الأسلوب وقدرة الإخوان على تجاوز آثاره السلبية .
[7] تشويه إعلامي متعمد للإخوان والعمل على زرع صورة نمطية عبر الإلحاح الإعلامي في برامج معينة لتضخيم خطر الإخوان وبث الشك حول نواياهم وبرامجهم الإصلاحية وقدراتهم السياسية،والحرص على منع الإخوان من المشاركة في تلك البرامج وحجبهم تماماً في السنتين الأخيرتين – باستثناء بعض النواب – عن كافة البرامج والفضائيات حتى تلك الحرة والمستقلة والخاصة حتى تسود حالة من الصمت حول أخبار الإخوان أو يتلقى المشاهدون رأياً واحداً مع الحرص على تحويل أي لقاء مع نائب إلى حالة من الصخب والضجيج دون إتاحة الفرصة لحوار جاد وموضوعي ويسثتي من ذلك فقط الإخبار التي تصب في غير صالح الإخوان.
[8] إبعاد القوى السياسية الحزبية عن الإخوان المسلمين في محاولة لعزل الإخوان وعرقلة أي إمكانية لتحالفات سياسية جديدة مثل تلك التي شهدتها الثمانينات في ظل غموض النظام الانتخابي القادم وتغيره باستمرار.
وفى الحقيقة فإن الخاسر الأكبر في ذلك هو تلك القوى الحزبية نفسها أكثر من الإخوان لأن شعبية الإخوان هي التي حملت حزب الوفد ثم حزب العمل إلى التمثيل البرلماني وتلك الشعبية تزايدت ولم تنقص في آخر انتخابات 2000، 2005 وإذا كانت الرخصة القانونية التي تتمتع بها الأحزاب هامة فإن الأهم منها هو الانتشار الشعبي والقدرة على الحشد والتعبئة والتنظيم.
ويظل الإخوان حريصون على التواصل مع تلك القوى وزيارة مقراتها ودعوة قياداتها إلى لقاءات وحفلات ويحجم هؤلاء عن تلبية الدعوات أو رد الزيارات مما يجعلهم في موضع الانتقاد لأن السبب هو إما خوفهم من النظام وخشيتهم على هياكل أحزابهم أو مشاركتهم للنظام وتأييدهم له ضد الإخوان مثل قيادة حزب التجمع اليساري.
[9] حصار الإخوان محلياً ومنع قياداتهم ورموزهم من السفر للخارج للمشاركة في حوارات وندوات ومؤتمرات دولية وعالمية هامة حول القضايا الرئيسية للأمة العربية والإسلامية مثل قضايا الإصلاح السياسي والدستوري مما يحجب رأى الإخوان ومواقفهم عن المشاركين ويمنع تبادل الرأي والمشورة ، أو قضايا العنف والإرهاب وكيفية مواجهته وحرمان الإخوان من تصحيح التشويه المتعمد والخلط المقصود بينهم وبين تيارات التشدد والغلو والعنف، وأيضاً قضايا الاستقلال ومواجهة الاحتلال مثل فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها مما يعزل الإخوان في مصر عن قضايا الأمة من الاحتكاك بالآخرين والاستفادة من المشاركة، ويحرم الإخوان من تقديم وتمرين رموز وقيادات تكتسب المزيد من الحنكة والخبرة السياسية الدولية.
[10] منع تواصل الإخوان وقياداتهم ورموزهم مع المجتمع الدولى والدبلوماسيين والسياسيين خاصة أمريكا والدول الغربية التى لها رأى هام وموقف خطير فى أى تطور سياسي في مصر والمنطقة ويظن البعض أن رأيهما هو الحاسم في التقدم نحو الإصلاح الدستوري والسياسي من أجل الحفاظ على مصالحهم.
وهنا يتم حرمان الإخوان – وبقية القوى السياسية المعارضة – من طرح وجهة نظرهم في الإًصلاح مع الحفاظ على الثوابت الوطنية مثل الاستقلال الوطني وحماية الثروات المصرية والقدرة على حفظ الاستقرار والأمن وحل مشكلات المجتمع المصري ونظرتهم إلى قضايا المنطقة العربية والإسلامية.
[11] حرمان الإخوان المصريين من لقاء بقية الإخوان في العالم وتبادل الرأي والمشورة معهم واكتساب الخبرات المتبادلة في ظل ظروف متشابهة، وتعقيدات مشتركة وهذا يمنع من تنسيق المواقف تجاه قضايا الإصلاح والتقدم قدماً نحو المزيد من النشاط والعمل بعد مرحلة أثمرت توجهاً للمشاركة السياسية النشيطة والدفع نحو تمثيل برلماني جيد وتشكيل أحزاب سياسية في أكثر من بلد عربي وإسلامي وبناء قاعدة جماهيرية عريضة مما أفقد الإخوان زخم تلك المرحلة والتقدم نحو مرحلة جديدة قد تصل بهم إلى المشاركة في الحكم بعد تقييم تجارب قليلة في الجزائر واليمن وغيرها.
هذه أهم تداعيات الحملة البوليسية الأمنية والحصار السياسي والتشويه الإعلامي للإخوان المسلمين والتي مارسها النظام المصري طوال السنوات الماضية، والتي نجح خلالها في إعاقة تطور الإخوان وقدرتهم على التجديد والاجتهاد وحرمانهم من اكتساب الخبرات ومنع تراكم النجاح الذي حققوه خلال الربع قرن الماضي.

هل يمكن تجاوز تلك المرحلة؟
ولكن هل أمكن للإخوان أن يقللوا من هذه الخسائر المحققة ؟وهل يمكن لهم مستقبلاً تجاوز تلك المرحلة وخاصة أنها مرشحة للاستمرار ؟
إذا كانت الجهات التي عمل النظام وقبضته الأمنية الغليظة من خلالها على تعويق الإخوان وحصارهم هي :
- البناء التنظيمي .
- الساحة الإعلامية .
- الحضور السياسي وبناء التحالفات السياسية.
- التواصل الخارجي.
- الحرب على الأرزاق وتجفيف الموارد المالية، أو الحصار الاقتصادي.
فإن الإخوان يمكنهم إتباع سياسة مرنة تقلل حجم تلك الخسائر التي وقعت حتى الآن والتي يمكن أن تتوقع في المستقبل القريب.
تقوم تلك السياسة على عدة محاور :
أولاً: البعد عن المركزية التنظيمية الشديدة مما يقلل حاجة الإخوان إلى الأبنية التنظيمية المعقدة والمتشابكة.
ثانياً: اعتماد أسلوب إداري جديد يقلل حجم اللقاءات المركزية والوسيطة.
ثالثاً: إطلاق جهود الأفراد في العمل والنشاط والإبداع و التجديد والاجتهاد وعدم تقييدهم بقيود منهجية صارمة أو قيود إدارية مكبلة أو قيود تنظيمية معوقة.
رابعاً: تشجيع الكفاءات الإعلامية الفردية ودعمها، ودعم شباب المدونيين وعدم الالتفات إلى الأصوات التي تطالب بتقييد حريتهم، والدفع بشباب الإخوان إلى خوض تجارب إعلامية مهنية بعيداً عن المنابر التقليدية لاكتساب الخبرة المهنية اللازمة، وتحمل الأخطاء المتوقعة نتيجة خوض هؤلاء الأفراد في الساحة الإعلامية كأفراد بحيث لا تتحمل الجماعة أخطاءهم .
خامساً: الدفع بالكفاءات الدعوية بعيداً عن الالتزام التنظيمي، بل التقليل من وجودهم التنظيمي ورعايتهم بصورة منفردة بعيداً عن الهياكل التي قد تتسبب في إعاقتهم بسبب الملاحقات الأمنية، وإمدادهم بدعم معنوي ومادي يكفل لهم الاستقلال والقدرة على تنمية مهاراتهم بصورة فردية أو فى حلقات ضيقة بعيداً عن المتابعة الأمنيةً ، وتشجيعهم على البحث والدرس والاجتهاد وتجديد الخطاب الدعوى واعتلاء المنابر المسجدية والإعلامية بخطاب وسطى معتدل يوازن كفة الخطاب المتشدد الذي يسود الساحة الآن على أن يمتنعوا تماماً عن الخوض فيما يخص الإخوان من قضايا أو إشكالات مع الدولة.
سادساً: إطلاق حرية المواهب السياسية والبرلمانية للاحتكاك المباشر بالتيارات الفكرية والسياسية بعيداً عن تمثيل الجماعة أو التحدث باسمها ، وتشجيع الكفاءات البحثية في العلوم الاجتماعية والسياسية وإعطائهم أجازة مفتوحة من العمل التنظيمي حتى يصقلوا موهبتهم ويستكملوا بحوثهم مع متابعة عن بعد وبصورة منفردة ويمكن تخصيص منح مالية دراسية لهم مع كفالة استقلالهم العلمي.
سابعاً: اعتماد سياسة تركز على أهمية وأولوية الإصلاح السياسي والدستوري وإطلاق الحريات العامة وحماية حقوق الإنسان وإرساء دولة القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية، قبل التمثيل البرلماني والحرص عليه.
ثامناً: الالتحام بالقوى الشعبية الجديدة واللحاق بالمطالب الاجتماعية المتصاعدة، والمشاركة النشيطة كأفراد وليس كجماعة في كافة التحركات الشعبية التي تطالب بالحقوق الاجتماعية، وتشجيع الأفراد للحركة بحرية في تلك الفضاءات المفتوحة.
قد يلاحظ البعض أن كل تلك المحاور تعتمد ما يمكن تسميته "الجهد الفردي" بديلاً عن "العمل التنظيمي" و "الخطط المرسومة" بحيث تعتمد على القدرة على التجديد والابتكار والإبداع من الأفراد وإطلاق طاقاتهم المكنونة.
وذلك لسبب رئيسي هو أن تلك المرحلة غير مسبوقة في تاريخ الإخوان حيث يعيش الإخوان منذ 35 عاماً في وضع لا هو بالقانوني ولا هو بالمحظور والممنوع، وهناك إخوان اكتسبوا خلال تلك الفترة الطويلة خبرة ومعرفة بالمنهج الإخوانى وأسلوب العمل وتمرسوا من خلال التجارب على العمل الدعوى والتربوي والمجتمعي ويحتاجون فقط إلى إطلاق طاقاتهم وتشجيعهم والدفع بهم إلى ساحة العمل بقوة.
تاسعاً: التركيز على المشاريع الاقتصادية المتوسطة والصغيرة وعدم الاندفاع في مشاريع اقتصادية واسعة تلفت الانتباه والحرص على مشاركة آخرين خارج الإخوان لتأمين تلك المشروعات من ناحية ولإضفاء قدر من المصداقية على أنها مشاريع خاصة والتوسع في تنويع الاستثمارات الخاصة في أكثر من مجال وتشجيع الاستثمار المشترك لتوفير قدر من الحماية القانونية والتقليل من اندماج مشاريع اقتصادية إخوانية وعدم خلط الأوراق في النشاط الاقتصادي وضبط كافة الأمور الإدارية والمالية والمستندية المتعلقة بالأنشطة الاقتصادية بصرامة شديدة لقطع الطريق على أي ثغرة قانونية وللحصول على التعويض المناسب بعد انكشاف أي أزمة وانتهاء أي قضية.
عاشراً: المشاركة الفردية في مشاريع الإعلام الخاصة داخل وخارج مصر بهدف تحقيق الحد الأدنى من الإعلام الهادف والموضوعي لإيجاد أرضية مناسبة لتنمية وعى الأمة والجماهير بقضاياها الحقيقية بعيداً عن الإسفاف والتردي الموجود حالياً، وتشجيع الإعلام الإسلامي الهادف الذي يخاطب الجمهور خطاباً معتدلاً وسطياً.
وتشجيع المستثمرين من الأفراد للاستثمار في مجال الإنتاج الإعلامي بكافة جوانبه للشباب والأطفال والدراما والحوارات وغيرها.
والدفع بكفاءات صحفية وشبابية للتدريب على كافة مراحل العمل الإعلامي وتشجيعهم على العمل في كل المسارات الإعلامية مع الحفاظ على هويتهم وتمتين روابطهم الخاصة.
مسؤولية الجماعة
فإن الفهم الصحيح لمراحل العمل التي ألزم بها الإمام المؤسس الشهيد حسن البنا كل أخ مسلم يعلم أن المراحل الثلاث الأولى وهى إصلاح النفس وتكوين البيت السلم وإرشاد المجتمع هي مسئولية فردية في المقام الأول ثم هي مسؤولية الجماعة .
بعد ذلك في الإرشاد والتوجيه وتهيئة المناخ المناسب وتبادل الخبرات اللازمة أما المسئولية الرئيسية فهي مسئولية الأفراد أنفسهم ويجب إفهامهم ذلك وتحميلهم تلك المسئولية.
ورغم أن الإخوان في مناهجهم وبرامجهم وخططهم وتوجهاتهم يقولون ذلك ويكررونه إلا أن الممارسات العملية تبتعد عن ذلك قليلاً أو كثيراً أو الواقع الملموس يوضح أن الأفراد باتوا يعتمدون على الجماعة في كل جهود هم ويحملونها فوق طاقتها ، فما السبب ؟.
أعتقد أن مرد ذلك كله يعود إلى 3 أسباب:
أولاً: التعقيد الإداري الحالي الذي نوّع اللجان بكثرة وأثقل الأفراد بلقاءات إدارية على مستويات عديدة، واستهلك أفضل الطاقات الإخوانية في أعمال مكتبية وورقية وألزم الأفراد بخطط تفصيلية قد لا تناسب كل البيئات والمواقع وخنق المواهب بقيود الاستئذان أو التكليفات.
ثانياً: الالتزام بمناهج تثقيفية محددة رغبة في التسهيل على الأفراد فإذا بها تدفعهم إلى التبسيط والكسل المعرفي والقعود عن التحصيل وضعف الهمة في الدرس وذلك إنما هو ثمرة المناخ العام الذي أفسد الشباب وأفسد العمليات التعليمية والتربوية التثقيفية العامة وما أفراد الإخوان إلا نتاج المجتمع الحالي، فنادراً الآن أن تجد شاباً مثقفاً قارئاً ذو عقل متفتح وقدرة على التمييز بين الآراء.
ثالثاً: القيود التنظيمية المشددة، واتساع عمل الإخوان والتشابك الشديد بين ضرورة الإحساس بالمسئولية الفردية وبين ضرورة الالتزام بخطط الجماعة التفصيلية جداً، والتضارب بين القيام بالواجبات الفردية على كل المستويات الدعوية والتربوية والمجتمعية وبين الإحساس بالتقصير فى تنفيذ ما هو مطلوب إخوانياً لمزيد من الانتشار والتوسع وكسب الأنصار والمؤيدين وتأطير المستجيبين للدعوة وهم كثير.
إذن عموم أفراد الإخوان يحتاجون من كل مستوياتهم القيادة إلى عدة أمور:
[1] إتاحة المزيد من الوقت لهم للاهتمام بالجهد الفردي.
[2] إطلاق حرية العمل والاجتهاد مع المتابعة والتقويم.
[3] الدفع بهم إلى الاجتهاد والتجديد الفكري والثقافي وأيضاً في مسائل العمل الدعوى والمجتمعي.
ويبقى للقيادات العليا والوسيطة الاهتمام برسم الاستراتيجيات العامة ووضع السياسات المطلوبة ومتابعة الالتزام بها والإرشاد عند الخروج عنها بعد تقويم النشاط والجهود الفردية.
تلك مرحلة حرجة في تاريخ الإخوان غير مسبوقة كما أشرت تحتاج إلى اجتهاد جديد من أجل الانطلاق بعد انفراج الأزمة إلى عهد جديد يبشر بمزيد من النجاحات إن شاء الله.
———————————————–
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق