الجمعة، 16 سبتمبر 2011

لا أنجح الله حزبك أو مرشحك…… معتز بالله عبدالفتاح


قرأت خبرا عن أن بعض علماء الدين يطالبون بألا تستخدم المنابر والمساجد فى الدعاية الانتخابية لأى مرشح أو حزب بذاته. وربما يتفق هذا التوجه مع حديث الرسول (صلى الله وعليه وسلم): «إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع فى المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك! وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة، فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك» (صححه الألبانى) وزاد مسلم رحمه الله: «فإن المساجد لم تبن لهذا؟» والقضية أن هناك مخاوف حقيقية أن البعض لا يرى غضاضة فى استخدام المساجد (وقطعا الكنائس ولكن هذا موضوع نقاش آخر قادم) كساحة للتجنيد الحزبى لحزب بعينه وللحشد التصويتى لمرشح بذاته.

أقترح أن نتفق بشكل جماعى، استجابة لصوت العقل والشرع معا وكمحاولة لتجنيب مساجدنا أن تكون ساحة لصراعتنا الحزبية، عدم استغلال المساجد والكنائس فى الدعاية الانتخابية لأى حزب أو مرشح بذواتهم. وهنا تظل دور العبادة ساحة للتداول فى الشئون العامة (مثل ترسيخ مفاهيم الأخوة فى الدين، الإخلاص فى العمل، شروط الحاكم الصالح، أهمية المشاركة فى الحياة العامة والتصويت فى الانتخابات)، دونما تحديد التصويت لأى حزب أو مرشح لأن «المساجد لم تبن لهذا» كما أفهم.

هذا لا يعنى أن نحجر على حق إمام المسجد أو القسيس أن تكون له تفضيلاته السياسية الخاصة به ويجوز أن يجاهر بها للأصدقاء والمعارف ولكن ليس داخل المسجد أو الكنيسة بصفته داعية إلى الله حتى لا يختلط على الناس ما هو تفضيل إنسانى بشرى وما هو إلهى مقدس. المسجد والكنيسة لجميع الناس بكل انتماءاتهم السياسية والطبقية. دور العبادة للجميع وليست لممارسة التجارة السياسية «فإن المساجد لم تبن لهذا».

لا ينبغى أن يكون ازدهار حياة حزبية سليمة فى مصر على حساب حياة دينية سليمة. لا نريد مسجدا سلفيا وآخر إخوانيا وثالثا وفديا ورابعا ناصريا وهكذا. هذه المساجد لله فلا ينبغى أن ندعو داخلها مع الله أحدا حتى لو كنا نظن أننا نفعل ذلك استجابة لأمر إلهى. دور العبادة مكان للسكينة والهدوء والتذكرة الواعية بمصالح الأمة كاملة وواجبات أفرادها، وليست ساحة للتناظر والفرقة السياسية. ولو ظل الصراع بين على ومعاوية (رضى الله عنهما) سياسيا فقط لما ظهر الخوارج ثم الشيعة والمرجئة والقدرية وهكذا.

العلاقة بين الدين والسياسة فى الإسلام ليست علاقة إحلالية ــ صراعية، فلا تستطيع دار العبادة أن تحل محلا أو أن تتصارع مع دار الحكم، لكنها علاقة تكاملية ــ تمايزية، فالتمايز بينهما واضح والتكامل بينهما ضرورة. يخرج من دار العبادة القيم العظمى للأمة وتتصارع السياسة من أجل أفضل طريق لتحقيقها، دون أن يسعى الساسة لأن يتخذوا من دور العبادة مقارا انتخابية لهم. هذه مفسدة للدين وللسياسة.

من المنطقى أن يكون عنوان إحدى الخطب أو المواعظ الحديث عن أهمية النظافة الشخصية، ولكن ليس من المنطقى فى تقديرى المتواضع أن يقوم الشيخ أو القس بالدعاية لصابون من نوع معين.

 ونفس الكلام ينطبق على الكلام العام فى مجال السياسة دون تخصيص سواء فى مقام المدح والتشجيع أو فى مقام النقد والتحذير ولكن دون تسمية بمنطق الرسول حين اعتاد أن يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا…» مع مراعاة التحرى فى النقل عن الآخرين حتى لا نصيب أقواما بجهالة فنصبح على ما فعلنا من النادمين.

ولكل من يحاول أن يستغل دور العبادة للدعاية الانتخابية، أحسبه بحاجة أن يراجع ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهل يمكن أن يجد من يقول له: «لا أربح الله تجارتك، ولا رد عليك ضالتك، ولا أنجح لك حزبك أو مرشحك».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق