الاثنين، 26 سبتمبر 2011

الثورتان التونسية والمصرية….. د/ معتزبالله عبد الفتاح


يقول بعض المصريين «يا ليت لنا مثلما أوتى التونسيون إنهم لذوى حظ عظيم» فقد بدءوا ثورتهم قبلنا، اختاروا مسارا غيرنا، وغالبا هم فى وضع أفضل منا.

الحقيقة أن الكثير من الناشطين التونسيين لا يرون ذلك. بل إن بعضهم يقول صراحة إن المسار المصرى أسرع وأكثر أمانا. لماذا؟

على صيغة «الدستور أولا» سيتم التصويت لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية المؤلّفة من 218 عضوا التى ستعيد كتابة دستور البلاد فى 23 أكتوبر المقبل. لكن على الرغم من الحماسة، لا تزال هناك تحدّيات تهدّد مصداقية الانتخابات. يقول الباحث والناشط والمثقف التونسى صلاح الدين الجورشى، «المعضلة هى محدودية ثقافة معظم التونسيين السياسية، وقد يصدمه جهْل العديد منهم بطبيعة المهمّة التى تنتظرهم، حيث لا يزال الخلْط قائما بين خصوصيات المجلس التأسيسى وطبيعة المؤسسات البرلمانية».

ويخشى الجورشى من الصيغة السائدة حاليا فى تونس لأن العملية أحادية تماما والخطاب السياسى لعديد من الأحزاب جعلهم يتصورون أن نتائج الانتخابات القادمة محسوبة لصالحه وبالتالى سيضعون دستور البلاد القادم منفردين لمجرد حصولهم على الأغلبية. كما يظن بعضهم أنه من مصلحتهم إطالة مدة المجلس الوطنى التأسيسى إلى أجَل قد يبلغ لدى البعض خمس سنوات. وفى ذلك منزلق خطير، حسب وجهة نظر الكثيرين، الذين رأوا فى ذلك إطالة لحالة اللاشرعية التى تهدِّد استقرار البلاد وقد تفتح المجال للمجهول.

الخوف الحقيقى عند الكثيرين من السياسيين الليبراليين والعلمانيين التونسيين هو أن حركة النهضة الإسلامية والمحسوبين على التيار الإسلامى يبدون وكأنهم الأكثر استعدادا لانتخابات الجمعية التأسيسية. ولكن المعضلة أن هذه الجمعية ستضع الدستور منفردة بعد تشكيلها وبدون استفتاء للشعب التونسى.

لكن التخوّف الرئيسى يتمثل فيما عبَّر عنه أستاذ القانون الدستورى قيس سعيد، الذى اعتبر أن «المجلس التأسيسى سيكون منتخَبا من طرف عدد قليل من الناخبين، وإذا كانت له مشروعية، فإنها وهمية وشكلية، لأن أكثر التونسيين ــ وهو ما يلاحظ اليوم من خلال الاجتماعات وعبْر الأرقام ــ لم تعد لهم ثقة فى هذه المؤسسات القائمة».

تساءلت هل تونس عندها استقرار أكثر من عندنا لأنهم اختاروا مسار «الدستور أولا» أو أنهم طبقوا قانونا يمنع أعضاء التجمع الدستورى الحاكم فى عهد بن على من الترشح فى الانتخابات العسكرية؟

الحقيقة أن وضع تونس ليس أفضل من مصر من حيث عدم الاستقرار وعدم اليقين والخوف المشروع والمتوقع على مستقبل البلاد. وهو بالضبط كالخوف الذى كان موجودا فى دول أوروبا الشرقية بعد انهيار النظم الشيوعية. مثلا فى 5 يونيو الماضى أصدرت السلطات التونسية قرارا بفرض حظر التجول مجددا فى محيط تونس العاصمة، اعتبارا من التاسعة ليلا وحتى الخامسة صباحا، فى أعقاب تجدد الاشتباكات بين قوات الأمن ومتظاهرين مناهضين للحكومة الانتقالية. صرح مؤخرا رئيس حزب النهضة الاسلامى راشد الغنوشى فقال فى مقابلة ان «الوضع فى تونس خطير» وان التونسيين «يشكون فى مصداقية الحكومة» الانتقالية. كل هذا أدى إلى أن تكتب إحدى الصحف أن «المسار الانتقالى فى تونس مُهدّد مع استمرار الاحتقان والفلتان الأمنى».

بل الطريف أن بعض السياسيين العلمانيين، اعتقدوا أن حظر العمل السياسى لمدة خمس سنوات على أعضاء التجمع الدستورى الديمقراطى الحاكم فى تونس، هو جزء من مؤامرة تسليم السلطة لحزب النهضة وأعوانه.

بل إن محسن مرزوق الباحث التونسى والناشط الحقوقى الشهير يقول: «هناك ثقافة غير ديمقراطية تهيمن على تونس.» بل قال معلقا على الثورتين المصرى والتونسية إن التشابه بين ثورتى مصر وتونس يعود للتشابه بين تاريخ الدولتين وحركات الإصلاح والتحديث القديمة فيها. رغم ذلك أوضح أنه يعتقد أن النخب المصرية أكثر تجربة وحنكة وحكمة من أغلب النخب التونسية. بل وطالب بأن تكون هناك خارطة طريق شبه خريطة الطريق المصرية بحيث يتم وضع الدستور فى 6 أشهر تمهيدا لانتخابات حرة وعامة بعد 6 أشهر ينتخب الشعب خلالها رئيسه وبرلمانه.

إذن المخاض الصعب عند الجميع لأنها آلام ولادة ومخاض صعب، لكنه لازم وضرورى وسينتهى قريبا. قولوا يا رب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق