الأربعاء، 7 سبتمبر 2011

الشعب يريد وقف البلطجة…..بقلم: د. محمد البلتاجي


 كان النظام السابق يعتمد في بقائه على تحالف إستراتيجي وثيق- غير مكتوب- بين عصابة الأربعة الشاملة لأصحاب المصالح المستفيدين من بقاء النظام وهم: 
1- جهاز سياسي يتكون من القيادات السياسية للنظام والهيكل الحزبي ونواب لنظام الحزب في البرلمان، يتبعه جزء كبير من الهيكل الإداري للدولة- ليس فقط الإدارة المحلية- يوظف أفراده مواقعهم لصالح النظام مقابل استمرار بقائهم وترقيهم بصرف النظر عن فاعليتهم وكفاءتهم. 
 2- نظام أمني يمتد داخل كل فروع ومديريات وزارة الداخلية- وليس فقط جهاز أمن الدولة- له كل الصلاحيات والحصانة (دون سند من قانون أو رقابة قضائية) مقابل تأمين الجهاز السياسي وخدمة أولوياته. 
 3- تنظيم رجال الأعمال الذين يحصلون على كل المتاح أمامهم من مكاسب وتوكيلات واحتكارات (بلا رقيب) مقابل إنفاقهم على خدمات حماية النظام ومواجهة خصومه وحماية مصالحه. 
 4- جهاز (البلطجة) الذي يتكون من شبكة معقدة تمتد في أعماق المجتمع؛ لتشمل مجرمين ورءوس عصابات ومسجلين خطرًا وأرباب سجون كانوا يتحركون بحرية في مجالات الجريمة المتنوعة (استيلاء على أراضٍ- فرض إتاوات وتحصيل نسب مقابل حماية وهمية- مخدرات- سرقة- سلاح- دعارة..). 
 ويدارون من خلال علاقة معقدة مع وسطاء الأطراف الثلاثة الأولى، أحيانًا تكون العلاقة هي الحماية والغطاء، وأحيانًا التعاون والتنسيق وأحيانًا القيام بأدوار محددة ضد خصوم النظام، ووصلت العلاقة إلى حد تنسيق الحبس والدخول والخروج من السجون، حسب خريطة وأولويات لعبة (العسكر والحرامية). 
أراد الشعب واستجاب القدر ونجحت شعارات (الشعب يريد رحيل الرئيس) و(الشعب يريد حل البرلمان) و(الشعب يريد حل حكومة أحمد شفيق) (الشعب يريد حل جهاز أمن الدولة)، و(الشعب يريد حل الحزب الوطني)، و(الشعب يريد حل المجالس المحلية)، وكانت كل هذه الخطوات استجابة لمطلب رئيسي هو (الشعب يريد إسقاط النظام)، وبدأت بقايا الأطراف الثلاثة من أركان النظام تتوارى عن صدارة المشهد في مواجهة الثورة وتعمل في الخفاء (بقايا النظام السياسي والأمني ورجال أعمال النظام)؛ لكن من الواضح أن الجهاز الرابع (جهاز البلطجة) لا يزال يعمل في كفاءة كاملة لصالح النظام السابق وبتنسيق مع بقايا الأجهزة الثلاثة الأولى وتتكامل أدواره الإجرامية، وفقًا لخطة حسني مبارك، وحبيب العادلي (الفوضى من بعدي) التي بدأت يوم الجمعة 28 يناير بفتح السجون وحرق أقسام الشرطة وخروج السلاح وهروب المجرمين، ولا تزال هذه الخطة تعمل سواء بأدوارها الفردية أو الجماعية (العشوائية أو المنظمة) وفقًا لرؤية بقايا الأطراف الثلاثة التي لا يساورها الشك أن الثورة ليست سوى فترة زمنية عارضة ستعود بعدها الأوضاع إلى سيرتها الأولى التي كانت عليها، ولن تتغير سوى قيادات ورءوس هنا وهناك. 
لقد بدأنا بمواجهة الجهاز السياسي للنظام السابق وتوارت رءوسه بين محاكمات وخروج من البلاد وغياب مقصود عن المشهد السياسي، وما زلنا ننتظر من (منظومة حياة حزبية حقيقية وتطبيق صحيح لقانون الغدر ومسيرة انتخابات حرة سليمة وقواعد جديدة لاختيار القيادات في كل مواقع المسئولية ووعي شعبي حقيقي) أن يسفر عن تصفية واسعة لبقايا وفلول هذا الجهاز السياسي السابق.
 نعود للجهاز الأمني حيث نجحنا في حل جهاز أمن الدولة، والدفع بعدد غير قليل من القيادات الأمنية السابقة للتقاعد، لكنَّا ما زلنا متفرجين أمام عدد من الإشكاليات:
 1- تفاصيل مهام وصلاحيات وقواعد عمل جهاز الأمن الوطني الجديد وجهة الرقابة عليه.
 2- أسباب حالة الشلل الأمني في مواجهة تزايد الجريمة وتنوعها (تزايد الجريمة المسلحة- ترويع السلم وفقد الأمان- تهديد حياة وممتلكات المواطنين- التعدي على مرافق وأراضي الدولة، وغياب هيبة الدولة وعدم احترام النظام العام- غياب كامل لرجال المرور) ما هي الأسباب والدوافع؟ هل هو نقص أعداد؟ فلماذا لم نقبل ببرنامج تدريب أمني لخريجي الحقوق حتى الآن؟ هل هو غياب إرادة العمل الشرطي المنضبط بالقانون والذي يريد أن يساومنا، إما العمل بالنهج القديم (حيث كل الصلاحيات في غياب تام للرقابة والمساءلة) أو استمرار الفوضى الأمنية المهددة؟ نحتاج لإعادة هيكلة الأجور والمكافآت للعاملين في جهاز الشرطة، بما يوفر الحياة الكريمة لهم بعيدًا عن كل صور الفساد السابقة؛ لكن هل يمكن أن تتحمل الجماهير أعباء جديدة على الموازنة العامة للدولة من أجل عيون من يرفض القيام بواجبه نحو أمن الوطن والمواطنين؟
3- رجال أعمال النظام السابق خضع بعضهم للمحاكمات، وتوارى بعضهم عن الأنظار مؤقتًا، وتراجعت مسيرة الاحتكار والنهب لخيرات الوطن بعد فقد الغطاء السياسي والأمني؛ لكن البعض قام بشراء المنابر الفضائية والصحفية (حاليًّا) بدلاً من المنابر السياسية والبرلمانية (سابقًا)؛ حيث تملك الكثيرون منهم فضائيات وصحفًا ليس فقط بهدف غسيل الأموال وتبييض الوجوه؛ لكن كجزء من الحماية والنفوذ البديل، مؤكدًا أن المئات من هؤلاء تخيفه مسيرة المحاكمات، ويزعجه تقدم مسيرة الثورة، وهؤلاء على استعداد لدفع الملايين يوميًّا لحماية المليارات التي لن يحميها لهم سوى عودة عصابة الأربعة وعلاقة (سيب لي وأسيب لك) على النحو الذي كانت عليه في السابق.
كيف نتصدى لجهاز البلطجة؟
 1- الخريطة الديموجرافية للمجرمين ورءوس العصابات والفارين من السجون، والمسجلين خطرًا معلومة لدى كلِّ دوائر أقسام الشرطة ومديريات الأمن وكل أجهزة البحث الجنائي، لكن القضية هي إرادة التصدي، وليس غياب المعلومات.
2- الجدل دائر الآن بين بعض الأطراف السياسية والأمنية حول مدى ضرورة عودة الاعتقال الجنائي؛ لدعم مكافحة الجريمة ومحاصرة المجرمين، والحقيقة أننا في حاجة لأداء شرطي مهني عالٍ منضبط في إطار القانون والدستور؛ وليس مفتوح الصلاحية ولا بعيدًا عن الرقابة، وأن مثل هذا الأداء الذي يبدأ بمذكرة تحريات مبنية على معلومات حقيقية تعرض على النيابة؛ لاستصدار قرارات فورية بالقبض على المتهمين (ولو احتياطيًّا)، ثم تنفيذ جاد للأحكام، وتعقب للفارين من المحكومين، أظن أن تجويد هذا الأداء المنضبط بالقانون هو ما يرفع كفاءة الجهاز الشرطي، وليس مجرد الاعتقال الجنائي الذي أسس لعلاقة لعبة العسكر والحرامية السابقة. 
3- ضرورة فكِّ الارتباط الذي لا يزال قائمًا- في بعض المواقع على الأقل- بين رجال مكافحة الجريمة (الجهاز الأمني) وعناصر تنفيذ الجريمة (مخدرات- سرقة- تعديات- إتاوات…) تحت أي من المبررات. 
4- ضرورة نشر الوعي الجماهيري والتعاون المجتمعي لمواجهة جهاز البلطجة، وخاصة في محاصرة الجريمة المسلحة من خلال إجراءات: 
     1- ضرورة الكشف عن ملابسات الجريمة التفصيلية فور وقوعها، والإبلاغ الرسمي عنها والفضح الإعلامي والجماهيري لأطرافها. 
     2- وضع الأجهزة الأمنية أمام مسئولياتها وتعريف الجماهير والإعلام بمواقفها الإيجابية والسلبية من الجريمة والمجرمين. 
     3- وقفات احتجاجية في كل حي، أو قرية ضد الجريمة المسلحة والبلطجة المنظمة (ضد أصحابها وضد المتعاونين معها). 
     4-  دعم جماهيري لنزول الشرطة لمطاردة المجرمين (شريطة عدم التوسع في المواجهة والتقيد بضوابط القانون). 
     5- فرز واقع العاملين في الشرطة من خلال التعامل المباشر الموضوعي وتقديم بيانات موثقة للسيد الوزير وجهاز الأمن العام وللرأي العام عن: (أداء شرطي مشرف يسعى لتحقيق مصالح الوطن والمواطنين- أداء شرطي عاجز يدور في المحل دون إنجاز أي شيء مفيد- أداء شرطي متواطئ يصب في مصلحة الفوضى والجريمة وتهديد مسيرة الثورة والاستقرار(وهذا دور مجتمعي واجب).
     6- نحتاج لتأهيل من يسعى لتصحيح مساره من المجرمين السابقين (الذين فرض عليهم النظام السابق الجريمة فرضًا حين منعهم من فرصتهم في الحياة الكريمة، وحين تعاملت معهم الأجهزة الأمنية بلا قواعد ولا قانون، وربما في توظيف لأدوارهم وحين صارت السجون مكانًا لإعداد المجرمين، وليس لتأهيلهم للحياة الشريفة). 
     7- يجب أن نشجع المجتمع لرفض كلِّ صور الابتزازات وفرض الإتاوات أو دفع مقابل لاستعادة المسروقات أو الوصول للحقوق. 
أخيرًا:
 1- أدعو كل القوى السياسية والأحزاب لاعتبار التصدي لجهاز البلطجة أولوية قصوى، فدونه لا وصول لأي من استحقاقات المرحلة. 
2- أطالب الحقوقيين والنشطاء السياسيين في كل المدن والقرى والأحياء بتشكيل جمعيات أهلية رسمية؛ لمراقبة وقائع وأحداث الجريمة المنظمة والمسلحة، ومتابعة التعامل الأمني والقضائي معها،وتعريف الرأي العام وتحفيزه على المشاركة في الدفاع عن حقه في الأمن والأمان. 
3- إضافة إلى ما سبق من اقتراحات أدعو لحوار عاجل (سياسي- أمني- حقوقي- اجتماعي) حول (ضرورة وآليات التصدي للبلطجة)؛ للوصول إلى مخرجات ومطالب محددة تضاف إلى قائمة مطالب (وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين- الدفاع عن الكرامة والسيادة المصرية- تصحيح قانون الانتخابات بما يضمن تشكيل برلمان وطني- قانون استقلال السلطة القضائية- تغيير القيادات الجامعية (لتتضمنها مليونيتنا القادمة التي نحتاجها بعد التوافق على مطالبها وموعدها وآليات تنفيذها).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق