الاثنين، 5 سبتمبر 2011

الإسلاميون ومرحلة ما بعد الثورات ::: بقلم : خليل العناني


قد يبدو لوهلة أن الحركات الإسلامية هي الفائز الأكبر في الثورات العربية. فقد أسقطت هذه الثورات تلك الأنظمة الأوتوقراطية التي أقصت وهمشت وحجبت الشرعية عن الحركات الدينية، خاصة الإسلامية. بيد أن الوجه الآخر لهذا الانطباع هو أن هذه الحركات سوف تواجه تحديات واستحقاقات لم تعمل لها حسابا طيلة العقود الثلاثة الماضية. وهنا، نتعرض للفرضية الثانية في هذه الدراسة.فالثورات كما تمنح فرصا، فإنها تفرض قيودا وقواعد جديدة ملزمة لكافة الأطراف، حتي تكتمل أهداف الثورة.


هنا، يمكن الإشارة إلي بعض المكاسب التي سوف تحصدها الحركات الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورات العربية.

  • أولا، سيكون من حق هذه الحركات الحصول علي وضع شرعي وقانوني يمكنها من العمل بحرية وعلنية. فالثورات لم تسقط فقط الأنظمة السلطوية، وإنما أسقطت معها ثقافة الإقصاء والاستبعاد التي كانت حاجزا أمام القوي والتيارات الدينية. فجماعة الإخوان المسلمين في مصر محظورة منذ عام 1954، وحركة النهضة التونسية لم تحظ باعتراف رسمي من الدولة منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
  • ثانيا، سوف يفتح المجال السياسي لهذه الحركات بشكل أكبر مما كان عليه الوضع سابقا،وسيكون بمقدورها أن تمارس دورا سياسيا كثيفا، سواء من خلال المشاركة في المناسبات الانتخابية بدون قيود، أو من خلال عقد تحالفات والدخول في ائتلافات سياسية علنية.
  • ثالثها، فتح المجال الاجتماعي والحركي أمام التيارات الإسلامية من أجل تأكيد وترسيخ حضورها الشعبي، مما يعني إمكانية التمدد القاعدي مجتمعيا وثقافيا.

بيد أن ثمة تحديات كثيرة تنتظر الحركات الإسلامية، لعل أهمها ما يلي:

  • أولا- تحدي الانتقال من السرية إلي العلنية. فقد دأبت الحركات الإسلامية علي العمل بعيدا عن القواعد المؤسسية التي تحكم عمل الأحزاب والقوي السياسية الأخري، وهو ما وفر لها قدرا من السيولة والتغلغل في المجتمعات العربية. ويترتب علي العمل السري سلسلة طويلة من القيم والمبادئ التي ينشأ عليها أفراد الحركة وأعضاؤها، مما يخلق ثقافة ومنظومة قيمية بعيدة عن الشفافية والوضوح. لذا، فإن أول تحد سوف يواجه هذه الحركات هو كيفية تغيير البنية العقلية والفكرية لأعضائها، ونقلها من الحيز السري بآلياته وتفاعلاته إلي الإطار العلني بمسئولياته والتزاماته.
  • ثانيا- تحدي الفصل ما بين النشاطين الديني والسياسي. فقد دأبت الحركات الإسلامية علي الخلط بين الدعوي والسياسي، ولم توجد حدود فاصلة بين الدور الديني والاجتماعي لهذه الحركات ونشاطها السياسي. وهذا التحدي لا يمكن حله بمجرد التمييز بين المجالين الديني والسياسي عن بعضهما بعضا، وإنما من خلال عملية فصل كلي في الوعي والفكر الحركي بين منطق الجماعة الدينية ومنطق الحزب السياسي. ولا تشجع النماذج العربية (كما هي الحال في الأردن والمغرب واليمن) التي تجمع بين الأمرين علي إمكانية تكرارها في مصر وتونس. فالمشكلة لم تكن يوما في العلاقة التنظيمية التي تحكم علاقة الحزب بالجماعة ومساحات الانفصال والتلاقي بينهما، وإنما في الفلسفة التي يستند إليه كلاهما. فالعضو الذي يقرر الانتماء لجماعة دينية ليس هو حتما من يقرر الانتماء إلي حزب سياسي وبالعكس. من هنا، تبدو محاولة جماعة الإخوان المسلمين في مصر لإنشاء حزب سياسي أشبه بإعادة استنساخ التجربة الأردنية، مما سوف يؤدي إلي مشاكل مستقبلية قد تعوق نشاط كلا الطرفين.
  • ثالثا- تحدي إدارة التوازنات والعلاقات الداخلية في الحركات الإسلامية. فمن المعروف عن هذه الحركات تماسكها الداخلي والتزامها التنظيمي والأيديولوجي. ولعل أحد أسباب ذلك هو شعور الحركة بكونها دوما مستهدفة من الأنظمة السلطوية، وهو ما كان سببا في تأجيل كثير من الاستحقاقات التي كانت مفروضة علي هذه الحركات تحت وطأة القمع الخارجي. أما الآن، وقد سقطت هذه الحجة، فإن ملفات داخلية كثيرة سوف تكون محل نقاش وجدل كبيرين داخل هذه الحركات، منها - علي سبيل المثال - إمكانية الانتقال من ثقافة التلقين والطاعة إلي النقاش والاختلاف، والعلاقة بين الأجيال، والعلاقة بين المستويات التنظيمية المختلفة (مجالس الشوري والمكاتب التنفيذية وسلطات رئيس الحركة)، وما يتعلق بالانتخابات الداخلية، ومنظومة الحراك والترقي الداخلي.
  • رابعا- تحدي تطوير الخطاب الفكري والأيديولوجي للحركات الإسلامية. ففي مرحلة ما بعد الثورات، لن يكون مقبولا من هذه الحركات أن تظل متخندقة في أطروحاتها الدينية والفكرية دون الانفتاح علي غيرها من التيارات والرؤي والأفكار الأكثر تقدمية واعتدالا، وإلا فستخسر حتما الكثير من قواعدها ومؤيديها. والأكثر من ذلك أن هذه الحركات سوف تكون مطالبة بأن تضبط خطابها وتفاعلاتها الداخلية مع الواقع الجديد الذي فرضته الثورات العربية، وإلا فإنها ستفقد الزخم الثوري وتسير خلف المجتمع وليس في مقدمته.
  • خامسا- تحدي الانقسامات والانشقاقات الداخلية. من المتوقع أن تتعرض بعض الحركات الإسلامية العربية إلي هزات داخلية عميقة، عطفا علي الحالة الثورية التي تتطلب تجديدا للبنية التنظيمية والفكرية لهذه الحركات، كي تكون علي مستوي التوقعات والطموحات التي حملتها الثورات العربية للشارع العربي. وقد بدأت بالفعل مؤشرات علي هذه الانقسامات في بعض الحركات، وإن بشكل غير علني حتي الآن. فعلي سبيل المثال، هناك خلاف متزايد بين قادة حركة النهضة التونسية حول كيفية التعاطي مع المرحلة الجديدة. وهو انقسام يعكس عدم توافق الرؤية بين جناحي الداخل والخارج في الحركة. فالجناح الأول يبدو الأكثر انغلاقا وتحفظا علي تقديم تنازلات، سواء في خطاب الحركة، أو في موقعها الحركي داخل النظام السياسي الجديد، في حين يبدو جناح الخارج أكثر مرونة واستيعابا للحظة الثورية، بحكم احتكاكه بالثقافة الغربية، وقبوله بالتعددية الفكرية والأيديولوجية. أما في مصر، فثمة مؤشرات علي خروج وانسحاب بعض قيادات الجماعة وقواعدها، سواء باتجاه قوي سياسية وحزبية مدنية ناشئة، أو لإرساء تجربة إسلامية جديدة، بعيدا عن التجربة الإخوانية بكل إرثها وتعقيداتها، وهو ما قد يضر بالحركة "الأم" علي المدي الطويل.

وخلاصة القول، فإن مستقبل الحركات الإسلامية والتحولات التي قد تطالها سوف يتوقف علي ما قد تفضي إليه الثورات العربية الراهنة من نتائج علي المدي الطويل، وأي الأشكال قد تأخذها الدولة العربية الجديدة، سواء بالانتقال نحو نظم ديمقراطية حقيقية، أو الوقوع مجددا في براثن السلطوية والأوتوقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق