الاثنين، 19 سبتمبر 2011

الخبر بين الصـدق والكـذب .. يُبقي التحقيق غـــير مُنسجم


 بقلم / محمد صلاح الدين
تعليقاً حول خبر إحالة الإخوان لـ 40 من قياداتها للتحقيق بسبب إفطار أبو الفتوح

 حقيقة إن خبر إحالة الإخوان لـ 40 من قياداتها للتحقيق بسبب إفطار أبو الفتوح، القيادي البارز والسابق في جماعة الإخوان المسلمين والمرشح الحالي المحتمل للرئاسة المصرية في شهر رمضان الماضي، قد جاء صادماً للمتابعين والمهتمين بالشأن العام، لذا فقد حظى بما لم يحظى به أي خبر آخرعن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الأمر الذي يعبر عن مدى اهتمام المجتمع بالجماعة وأعمالها ومواقفها، لما لها من تاريخ كبير وبخاصة بعد البلاء الحسن الذي أبلته في ثورة 25 يناير، كذلك بما ينتظرها من مستقبل واعد بالمشاركة في الحكم بعد الثورة وتقديم رؤيتها في شتى المجالات للشعب المصري، تلك الرؤية التي ظلت حبيسة العقول و الأوراق لعقود طويلة، الأمر الذي يضع عليها مسئوليات أكبر من غيرها.

ولسنا اليوم بصدد مدح الإخوان للتغطية عن الحدث، أو البحث عن مدى صحة أو كذب الخبر، لأن المصدر معروف ومُعلن عنه من جهة يمكن الرد عليها والرجوع إليها وتحميلها المسئولية، كما أنه ليس علينا أن نُحمّل القارئ العادي مهام تقصى حقائق الأخبار، ليتحول من قارئ إلى محقق إعلامي، فتلك هي خطورة الإعلام واللعبة الإعلامية، ولا نُحمّل القارئ أكثر مما يجب أن يحتمل ، ولكن في ذات الوقت علينا أن نُحمّله مهمة رئيسية تجاه الأخبار وهي أن يبدي أكبر قدر من ضبط النفس الإيجابي تجاه التعاطي معها حتى تثبُت أو تُبرر، وذلك بغض النظر عن جنسية أو انتماء الوسيلة المنشور فيها الخبر، واتجاهاتها الفكرية أو الأيديولوجية للقائمين عليها، وإن اختلفت مع مبادئها الفكرية أو الأيديولوجية إلا الوسائل التحريضية التي ثبت عليها الكذب كما هو الحال في وسائل الإعلام التي تتحدث بإسم أنظمة بعينها أو أحزاب مؤدلجة وتابعة لدولة كهانوتية.

وما دام الخبر له طرفان فعلينا أن نرى ونتابع ردة فعل الطرف الآخر والمعني بالخبر، فإن صدر عنه ما يفيد التكذيب أو التوضيح أو التحفظ على بعض أجزاءه مثلاً ، فعندها يمكن للقارئ أخذ وجهة النظر التي يريد بحسب ما يتفق مع ميوله واتجاهاته الفكرية والثقافية.

ولكن وعلى فرض أن الخبر خطأ، فعلى الطرف المتضرر وهم " الأخوان " أن يبادروا بنشر تكذيب فوري، بل ورفع دعوى قضائية على الصحيفة التي نشرت الخبر، وذلك وفق القانون الذي لايسمح بنشر أخبار كاذبة دون دليل أو بينة.
وهذا هو الأصل، وبما أن الخبر كما علمت ليس بالجديد، ولم يخرج عن جماعة الإخوان تكذيب أو توضيح له بأكثر مما ذكر في الخبر على لسان المتحدث الرسمي للجماعة، وبما أنه يتعلق بمواقف سلوكية هامة في حياتنا اليومية ، إذاً وجب علينا قراءة الموضوع من خلال المحاور الثلاثة التالية:
أولاً : محور الإدارة والتنظيم.
ثانياً : محور الإتصال والعلاقات.
ثالثاً : محور الإختلاف.

أولاً : محور الإدارة والتنظيم:
بالنسبة للخبر والذي تمت صياغته بصورة استفزازية من قبل الصحفي، إلا أنه أثار تساؤلات عدة متعلقة بالعملية الإدارية والإتصالية العامة والخاصة، ومنها على سبيل المثال: أن العرف الإداري العام هو أن محاسبة العناصر البشرية المنتمية لأي كيان تنظيمي سواء يهدف للربح أو لايهدف للربح ، دعوي أو سياسي ، اجتماعي أو رياضي لا يتأتى إلا من خلال نظام ولائحة تنظيمية تنظم سلوكيات المنتمين إليها، وأن أي قرارات أو إجراءات يجب أن تراعي تلك اللائحة ولا تتجاوزها ، إذاً فكيف نقرأ مسألة إحالة الأربعين قيادياً للتحقيق؟

1-     غياب القاعدة الصوابية التي يقاس عليها خطأ أو صواب الفعل:
من المسلمات في القواعد الإدارية أن الأصل وجود " قاعدة صوابية " للفعل ليتم محاسبة الناس على أساسها، بمعنى أن يكون هناك توجيه أو تعليمات واضحة ومحددة لا لبس فيها " بفعل أو بعدم فعل " قال تعالى لتحديد التوجيه الإلهي لآدم وحواء (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿٣٥ البقرة فأصبحت القاعدة الصوابية هنا هي " عدم القرب من الشجرة أو الأكل منها " إلا أن الآيات قد أوضحت التعامل الرباني بقوله تعالى (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴿٣٦﴾ فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٣٧ البقرة وحقيقة نجد الرب يلتمس العذر لعصيان آدم ويحيل زلته للشيطان، وأنه السبب في هبوطه من الجنة، ثم تيسير الله التوبة لآدم بعد أن تلقى الكلمات، فهل حدث ذلك مع أعضاء الجماعة؟ هل كانت لديهم تعليمات واضحة وصريحة؟ بالطبع لا، والجزم بلا قد أتى من الخبر نفسه على لسان المتحدث الإعلامى بإسم الجماعة السيد/ محمود غزلان فقال لـ«الشروق» ( إن الغالبية العظمى ممن تم التحقيق معهم قالوا إنهم لم يكونوا «فاهمين» إن مقاطعة الجماعة لترشيح أحد أعضائها للرئاسة تعنى أيضا مقاطعة أحد المرشحين، مضيفا: لم يكونوا يعلمون أن ذلك فيه مخالفة، وبالتالى قلنا لهم «عفا الله عما سلف» ) أما إن لم تكن هناك تنبيهات أو توجيهات صريحة بهذا الصدد فهذا يعني عدم إلزام الآخرين بأي سلوك مستقبلي تتم المحاسبة عليه، لعدم وجود القاعدة الصوابية أو التوجيهية المتفق عليها والتي يقاس عليها الفعل أوالسلوك، وإن تم العفو عنهم بقول الأستاذ غزلان: "عفا الله عما سلف".

2-      غياب مبدأ التدرج في اتخاذ الإجراءات الإدارية
إن التحويل للتحقيق على أثر مسألة ما يتطلب من المنظمة اتخاذ إجراءات تصاعدية أو تدريجية قبل اللجوء لمسألة التحقيق الذي يكون فيه ما فيه من الإحراج النفسي والأدبي لبعض الأعضاء، خاصة إذا ما تم الإعلان عنه أو تسرب بهذه الصورة، لذا كان يُمكن أن يكتفى بالتنبيه الشفوي أو حتى الملاحظات الكتابية للـ 40 عضواً عن طريق رؤسائهم في التنظيم لتوجيه رسالة مفادها أن فعلهم مخالف للقرار رقم كذا الخاص بكذا، ويُتاح للأفراد حق إبداء الرأي والتعليق دفاعاً عن أنفسهم بالصورة التي يرغبون في إطار ودي هادئ، وبهذا يكون قد تم تغليب الجانب التربوي والتوجيهي على الجانب الإداري، أو بمعنى أدق تم ممارسة العمل الإداري بصورة تربوية تحافظ على صورة الأفراد الذين هم جزء لا يتجزأ من صورة المنظمة أياً كانت.
أما أن يتم اللجوء للتحقيق مباشرة فهذا أمر أعتقد بأنه يحتاج إلى مراجعة من أصحاب الشأن خاصة فيما يتعلق بمواد ونصوص اللائحة التي تقر ذلك، والتي يجب أن توضح الحالات التي بموجبها يحال أحد للتحقيق على أثرها، لأن الأمر بهذه الصورة قد يكون فيه تخويف بصورة أو بأخرى وبطريقة تكون غير مقصودة وذلك بإعمال مبدأ إحسان الظن.

ثانياً : محور الإتصال والعلاقات
لا يختلف أحد على أن الجماعة والدعوة هي دعوة ربانية ومباركة كما يتحدث جميع الأعضاء عنها، ولكن هذا لا يمنع من أن يخطئ أي فرد فيها في تصوراته أو أحكامه أو سلوكياته الشخصية لأنه غير معصوم، ولكن دعونا نحكم على الحدث من خلال مفهوم الإتصال والعلاقات في إطار الحقوق والواجبات الإسلامية العامة بل والخاصة، إن قراءة تلبية الدعوة التي قام بها الأعضاء الـ 40 مع إعمال " مبدأ إحسان الظن " السابق ذكره يأتي في إطار تلبية الدعوة الواجبة على إفطار رمضاني " فهي دعوة شخصية وإنسانية وإسلامية بامتياز" لا دخل فيها لعملية الترشح الإنتخابي إلا إذا كانت تحت شعار " الطريق إلى الرئاسة " أو نحو ذلك من الشعارات الإنتخابية، لذا لا أجد غضاضة في قبول تلك الدعوة الواجبة شرعاً و التي يماثلها دعوة عشاء أو شاي أوغيرها بين أناس لهم من المعرفة والعشرة السابقة بل والإحترام والحب الكثير، حتى وإن كان كل منهما في طريق أو اختلف مع الأخر في منهج أو سياسة أو أسلوب، فالخلاف في الرأي لايفسد للعلاقات الودية قضية خاصة إذا ماقامت هذه العلاقات لله ولم تلتقي لدنيا أو هوى أو مصلحة معلومة أو حتى مظنونة.

ثالثاً: محور الإختلاف
وبالعودة للمسألة مرة أخرى نجد أن مبدأ مقاطعة أحد المرشحين على خلفية الترشح لا تعني مقاطعة المرشح من الناحية الإنسانية والشخصية، لوجود حقوق كثيرة لا يختلف عليها اثنان بين الناس، ومنها حق تلبية الدعوة وحق حسن وحفظ العشرة "…وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴿٢٣٧ البقرة  " بين الناس وهذا مبدأ عام بين البشر" ، وقوله تعالى ( فَاتَّقُوا اللَّـهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿١ الأنفال ، فكيف تستقيم تقوى الله في نفس المؤمن وتطبيقه لمبدأ إصلاح ذات البين من جهة وبين قطيعة دعوة لمسلم أياً كان مبدأه أو فكره أو توجهاته السياسية والإجتماعية من جهة أخرى بعدم تلبية الدعوة، أعتقد أن من لبى دعوة الدكتور عبد المنعم كانت هذه المشاعر والمفاهيم في قلبه قبل عقله.

وهنا نتذكر قوله تعالى ( وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴿٤٦ الأنفال إن اتخاذ مثل هذه المواقف المُتشددة من شأنه أن يجعل للشيطان على المؤمنين سبيلاً ويحرك نوازع النفس الأمارة بالسوء لدى البعض فتختلف القلوب بعد أن اختلفت العقول فيحدث ما لا يحمد عقباه، والحل الصبر نعم الصبر، بأن يصبر بعضنا على بعض ويحتمل بعضنا بعضاً ولنتذكر قوله تعالى (…. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٥٤إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴿٥٥ المائدة.   وإلا لحلت القطيعة بين الناس بسبب اختلاف الأفكار والتوجهات والخيارات السياسية ولحل محلها العداوة والبغضاء، لذا دعونا نتعاون معاً فيما اتفقنا عليه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه.

حقيقة إن جماعة الإخوان المسلمين في موقف لا تحسد عليه فهي قد قطعت على نفسها عهداً ووعداً تاريخياً للشعب المصري بأنها لن ترشح أحداً للرئاسة المصرية مغلبة المصلحة العامة لمصر على المصلحة الخاصة للجماعة، ولكن ترشح الدكتور عبد المنعم للرئاسة  جاء ليقلب لها الأوضاع رأساً على عقب ليثير التساؤلات لدى بعض المناوئين وغيرهم من جموع الشعب المصري الذي بدأ ينظر للمسألة على أنها لعبة سياسية في إطار المسموح، وهذا ربما ما يفسر غضب الإخوان وتشددهم تجاه أعضائهم بصورة معلنة أو غير معلنة حتى يدفعوا عن أنفسهم تهمة التحايل على الوعد الذي قطعوه للشعب المصري من جهة، ولتثبت الجماعة للشعب مصداقية وحزم تجاه من يخالف إجماعها من أتباعها حتى لو كان من كبار قياديها أو كان بقامة ووزن الدكتور عبد المنعم نفسه، لأن مصر أعز من أي إنسان، أعتقد أن هذه هي الرسالة التي يريد الإخوان إيصالها للشعب المصري وقد وصلت بوضوح، ولكن وبعد كل ما تقدم أعتقد أنه " ليس هكذا تورد الإبل" والله أعلى وأعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق