الخميس، 22 سبتمبر 2011

جماهير الإسلاميين…… عمرو الشوبكي


 كثيرا ما اختزل البعض جماهير الإسلاميين فى هؤلاء المغيّب وعيهم الواقعين تحت تأثير رجال الدين البعيدين عن السياسة والداعمين للنظام السابق، والمكرسين لمفاهيم طائفية وظلامية غيبت من وعى كثير من الناس. ولكن هل هؤلاء فقط جماهير الإسلاميين، أم أن اختزالهم على هذه الصورة أمر أراح بعض القوى المدنية (يسارية وليبرالية) ومنعها من التفكير والمراجعة لمعرفة حقيقة الموقف على الأرض بعيدا عن الشعارات والشتائم التى تخصم كل يوم من رصيد الثورة؟.
والحقيقة أن هناك جماهير تؤيد التيار الإسلامى، بعيدا عن التغيب والتجهيل الذى تعرض له المجتمع المصرى، وبعيدا أيضا عما إذا كان قادة هذا التيار سيخذلون هذه الجماهير أم لا، لأنها جماهير حقيقية وجدت فى كثير من كوادر هذا التيار العون المادى والمعنوى، فكانوا الأقرب فى التواصل الاجتماعى وتقديم الخدمات لبسطاء الناس بعد أن انسحبت الدولة وغابت النخب السياسية.
لقد تمسك الإسلاميون بخطاب إصلاحى محافظ (كان مسار نقد واتهام من القوى الثورية الأخرى)، أثبت أن له صدى فى المجتمع المصرى وأن أغلبية الناس ترغب فى الإصلاح وتحسين ظروفها الاجتماعية وأنها حين شاركت فى الثورة اعتبرت أنها ترغب فى القيام بعمل إصلاحى كبير، وليس فعلاً ثورياً دائماً.
يكفى فقط أن نقارن بين الطريقة التى اختلف بها شباب الإخوان مع الجماعة، فرغم ما فيها من تعنت وإقصاء من قبل الأخيرة تجاه الشباب، وصل فى بعض الأحيان إلى تجميد عضوية البعض لأنهم حضروا إفطاراً دعا إليه عبدالمنعم أبوالفتوح فى محافظة البحيرة، إلا أننا لم نسمع جملاً من نوع «محمد بديع الخائن» والجماعة العميلة، ولا اتهام الشباب بأنهم ينفذون أجندة خارجية لهدم الجماعة، وغيرها من المفردات التى يمتلئ بها قاموس كثير من التيارات الشبابية المدنية، فخلاف السياسة يبقى فى السياسة، ويجب أن يظل كذلك لأنه سيعنى فى النهاية خلاف برامج ورؤى لصالح المواطن وليس لتصفية حسابات شخصية.
ولعل الفارق بين تيارات الإسلام السياسى، وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وبعض التيارات المدنية الأخرى، يقوم على اعتبار الثورة وسيلة وليست غاية، وأنها بحكم تركيبتها المحافظة لم تكن هى مشعلة الثورة ولكنها كانت أكثر استفادة منها لأنها امتلكت بنية تنظيمية جاهزة قادرة على جذب المصرى العادى والبسيط لخطاب إصلاحى قريب منه حتى لو كان فى قالب دينى.
وبصرف النظر عن نجاح هذا الخطاب من عدمه إلا أنه ملىء بحاجة موضوعية موجودة فى الشارع المصرى ترغب فى مواجهه الانفلات الأمنى والفوضى وترغب فى تأسيس نظام جديد تعود فيه هيبة الدولة القائمة على العدالة.
لقد نجح التيار الإسلامى فى ملء الفراغ الذى سببه غياب قوى «البناء المدنية»، صحيح أن هناك ثلاثة أحزاب جديدة (العدل والمصريين الأحرار والاجتماعى الديمقراطى) حاولت أن تملأ هذا الفراغ الذى ملأه الإسلاميون بغياب الدولة وفشل النظام السابق ومعارضته، إلا أن نشأتها الحديثة قللت من هذه الفرصة وبدت معها الساحة منقسمة بين تيارات وائتلافات ثورية وأخرى محافظة ووسطية استقطبها التيار الإسلامى.
والمؤكد أن انسحاب الإسلاميين من كثير من الإضرابات الفئوية والاعتصامات السياسية أثار انتقادات العديدين، ولكنه فى الحقيقة راهن على ملايين آخرين من المصريين لم يرتاحوا للاعتصامات الدائمة ولا لخطاب تفكيك الدولة وإهانة الجيش الذى يردده البعض.
إن كثيراً من هؤلاء وجدوا فى التيار الإسلامى ضالتهم، وكثيراً منهم رأوا فى الانتخابات التشريعية طريقهم، وأن الملايين الذين وصفهم البعض بـ«حزب الكنبة» تحركوا أثناء الثورة سواء بترك «الكنبة» والنزول إلى الشارع أو التعاطف معها ولو جلوسا فى أماكنهم، وكثيراً منهم لا يحب الهتاف والضجيج ويتوقف دوره «الثورى» عند التصويت فى الانتخابات، ووجدوا الخطاب الإسلامى يحترمهم وقريباً منهم.
إن مصر العميقة التى لم يرها الكثيرون أثناء الاستفتاء على التعديلات الدستورية (وأيضا قبله وبعده) حين قالوا فى كل مكان «كل من نعرفهم سيصوتون بـ(لا) واكتشفوا أن من يعرفونهم ليسوا كل مصر، وليس كل من صوت بـ(نعم) كان مغيباً أو واقعاً تحت تأثير الخطاب الدينى، إنما كان يرى بفطرة وبصيرة، تعامل معها البعض باستعلاء شديد، أن دخول الانتخابات التشريعية بدستور 71 المعدل أفضل من دخولها بلا أى قاعدة قانونية أو دستورية، وذلك قبل أن يسقط المجلس العسكرى دستور 71 ونتائج الاستفتاء لصالح الإعلان الدستورى.
إن مصر العميقة أو المحافظة أو الطبيعية التى تعتبر الثورة وسيلة والنهضة هى الغاية التى استطاع التيار الإسلامى أن يصل إليها ومعه القليل من القوى المدنية، وأن جمهور الإسلاميين فى أغلبهم هم ضحايا الخطاب المدنى الذى فشل فى الوصول للناس.
لم يسأل الكثيرون أنفسهم: لماذا فى هذا التوقيت فاق جمهور الإسلاميين باقى القوى السياسية؟. بعيدا عن الإجابات السهلة والسطحية (الجهل والتخلف والأمية)، ولماذا أيد تقريبا هذا الجمهور نفسه قوى مدنية أخرى فى فترات سابقة على حساب الإسلاميين؟
إن المجتمع المصرى اختار الوفد قبل يوليو، وعبدالناصر بعدها، على حساب الإخوان المسلمين، لأن كليهما قدم مشروعً سياسياً بدا الأول رغم ليبراليته أنه ابن التربة المحلية المصرية، فالوفد كان فى ضمير المصريين هو الحزب المنادى بالاستقلال والتحرر الوطنى وليس فقط حزب «الصالون الليبرالى»، الذى يناقش فيه أحدث النظريات الغربية فى الفلسفة والسياسة، كما كان يفعل حزب الأحرار الدستوريين، الذى كان، كما يقول الكتاب، ليبرالياً بامتياز ولكن، كما يقول الواقع، كان الخاسر فى كل انتخابات نزيهة بامتياز.
وعاد «عبدالناصر» وكرر نفس السيناريو وإن بصورة مختلفة، حين بنى مشروعاً سياسياً شعر المصريون والعرب بأنه نابع منهم (العروبة والتحرر الوطنى والقومى والعدالة الاجتماعية) فتقدم على الإخوان فى الشعبية والقدرة على الإنجاز.
قد يخذل قادة التيار الإسلامى جماهيرهم وقد يغريهم بريق السلطة بمزيد من الاستعلاء، وقد يفشلون فى الاحتفاظ بهذه الجماهير، ولكن كل هذا أمر مختلف عن أن هذه الجماهير حقيقية وأنها تركت فى الفراغ لعقود طويلة ولم تجد إلا التيار الإسلامى يعمل معها صباحا ونهارا.
لقد حان وقت التواصل مع الناس البسيطة واحترامها وعدم الاستهانة بمشاعرها، والانطلاق من الأحلام الصغيرة لبناء المشاريع الكبيرة وليس العكس، كما جرى فى تجارب الفشل حين دهست المشاريع الكبيرة الأحلام الصغيرة، فتحولت الأولى إلى شعارات فاشلة والثانية إلى كوابيس.
إن كل من رأى بالفعل، وليس بالشعار، أن الجماهير فوق البيعة وليس لها حق الاعتراض فأغلق فى وجهها ميدان التحرير لأسابيع، واكتشف أن هذه الجماهير ترد بطريقتها وتوقيتها، فهتفت للجيش وهو يفض الاعتصام، رغم أنها نفس الجماهير التى حملت الثوار فى عيونها، ولم تعبأ بتضرر مصالحها ووقف حالها لكنها كانت مؤمنة بأن إسقاط مبارك كان صحيحاً ولكن ليس كل ما جرى فى الـ7 أشهر الماضية كان صحيحاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق