الخميس، 29 سبتمبر 2011

انتهاء حالة الطوارئ…. المستشار/ طارق البشري



(1)‏
الحديث السياسي هذه الأيام‏,‏ منذ حادث السفارة الإسرائيلية وصدور قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة رقم ‏193‏ لسنة ‏2011,‏ هو حديث يثير الجدل الحاد حول حالة الطوارئ‏,‏ المفروضة ويطالب بإنهائها لقد هوجم القرار المذكور بحسبانه بحق يزيد من سلطات الطوارئ في هذه الحالة الثورية التي نحياها‏,‏ وانه يزيد من انطلاق سلطات الدولة الاستثنائية في مواجهة الحراك الشعبي الجاري, ونحن كالعادة وبحق نخشي في تصرفات الدولة من سوء التطبيق والايغال في اجراءات الاستبداد وأفعاله. والظاهر الواضح, من متابعة ما يثيره الحراك الشعبي في هذا الشأن والقادة السياسيون والشباب الثوري, أن الأحزاب جميعها والساسة جلهم وقادة الشباب بأسرهم والصحافة في جملتها, يرون في القرار رقم 193 لسنة 2011 ما يطلق عليه سلطة الطوارئ الاستثنائية بإجراءاتها الاستبدادية الخارجة عن الضمانات القانونية والدستورية المعترف بها للشعب في جماعاته, ولأفراد المواطنين.
في الجانب المقابل, فإن رجال الدولة من مصدري القرار ومن منفذيه ينظرون إلي المسألة من حيث ما يفيده القرار مما يرونه واجبا لدواعي الاستقرار والهدوء والانتظام, وفي مواجهة ظروف يرونها قلقة وملتبسة, ومن حق المصريين طبعا أن يقلقوا كل القلق من كل ما يزيد حالة الطوارئ ويتبعها من حيث المدة التي ناهزت في استمرارها الممتد ثلاثين سنة الآن, من حيث قسوة تطبيق إجراءات الطوارئ التي خبروها جيدا في تاريخهم الطويل.


(2)
وأنا في الحقيقة أري ان ثمة بعدا جوهريا ومهما غاب عن كلا الجانبين المتجادلين أو المتصارعين حول هذا القرار, وحول وضع الطوارئ كلها الآن, ولنبدأ محاولة الفهم معا من أولها, فالقرار رقم 193 لسنة 2011 يتعلق بحالة الطوارئ, وللطوارئ مفهومان هما قانون الطوارئ وحالة الطوارئ وأرجو أن ندرك ما يميز بين المفهومين لأنهما مختلفان جدا في الجدل الثائر حولهما الآن, وأن نرتب علي هذا التمييز نتائجه, وهي عند التمعن نتائج محسومة لا تحتاج إلي مطالبة بها كما سيجيء.

قانون الطوارئ هو القانون رقم 162 لسنة 1958 وما أدخلت عليه من تعديلات عبر سنوات إعماله التي تجاوزت الخمسين خريفا, والقانون لا يفرض بذاته حالة الطوارئ, ولكنه ينظمها فيحدد بدايتها ونهايتها واجراءات فرضها والسلطات التي تتيحها خلال مدة سريانها, إن المطلوب الآن ليس إلغاء قانون الطوارئ ولكن المطلوب هو إنهاء حالة الطوارئ, وإن القرار رقم 193 ليس تعديلا لقانون الطوارئ, ولكنه تعديل للسلطات المتاحة خلال حالة الطوارئ القائمة, وتوسيع في نطاقها, وهو ما يدور هذا الحديث عن مدته وانتهائها.

(3)

إن القانون 162 لسنة 1958 الخاص بتنظيم حالة الطوارئ, ينص:
  • في مادته الأولي علي الحالات التي يجوز فيها إعلان حالة الطوارئ, وهي حالات تعرض الأمن والنظام العام للخطر بسبب حرب أو تهديد بوقوعها, أو بسبب اضطرابات داخلية أو كوارث أو أوبئة,
  • وذكرت المادة الثانية أن إعلان حالة الطوارئ يكون بقرار من رئيس الجمهورية, ويتعين أن يشمل القرار الإعلان عن بدايتها, وتحديد المدة التي تنتهي بها, مع بيان سبب إعلانها والمنطقة التي تشملها,
  • وبينت المادة الثالثة السلطات الاستثنائية التي يملكها رئيس الجمهورية في هذه الحالة إزاء المواطنين وحرياتهم وممتلكاتهم, وما يملكه من إصدار قرارات ملزمة في هذا الشأن يعاقب من يخالفها,
  • والمادة الرابعة ناطت بالشرطة والقوات المسلحة تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية,
  • وحددت المادة الخامسة العقوبات التي توقع علي من يخالف أوامر سلطة الطوارئ,
  • وبينت المادتان السادسة والسابعة سلطات القبض والضبط وتنظيم دوائر لأمن الدولة تتولي القضاء, وتختص بالحكم في جرائم الطوارئ, وان كل هذه الأحكام التي نظمها القانون تبدأ بإعلان حالة الطوارئ وتستمر مدة بقائها, ثم ينتهي إعمال هذه الأحكام بالقضاء مدة حالة الطوارئ.
والحاصل أن حالة الطوارئ القائمة الآن, كانت فرضت في مصر بعد اغتيال رئيس الجمهورية أنور السادات في 6 اكتوبر سنة 1981, ثم تولي حسني مبارك الحكم واستمرت قرارات مد مدتها سنة بعد سنة ثم ثلاث سنوات بعد ثلاث سنوات طوال فترة حكم مبارك, وكان آخر هذه القرارات بمد مدتها هو قرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010, الذي حاول أن يتفادي السخط الشعبي الشديد من حالة الطوارئ المؤبدة لثلاثين سنة, فجعل مدتها سنتين فقط تنتهي في سنة 2011, وقصرها علي ما سماه الإرهاب والمخدرات.وأشار في ديباجة إلي القانون 162 لسنة 1958 المنظم لحالة الطوارئ, وإلي قرار فرض هذه الحالة برقم560 لسنة 1981 وإلي آخر قرار صدر بمدها قبله رقم 160 لسنة 2008.
وهذا القرار الأخير رقم 126 لسنة 2010 هو ما يصدر بتعديله قرار المجلس الأعلي للقوات المسلحة بوصفه الممارس لسلطات رئيس الجمهورية بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011, ومفاد هذا التعديل الأخير, ألا تقتصر حالة الطوارئ علي مسائل الإرهاب والمخدرات ومسائل الإخلال بالأمن القومي والنظام العام, ولكن تمتد إلي مسائل أخري مثل حيازة السلاح والذخائر والاتجار فيها وأعمال البلطجة والاعتداء علي حرية العمل, وتخريب المنشآت, وتعطيل المواصلات, وقطع الطرق, وبث إذاعة أخبار أو كتابات أو شائعات كاذبة.وينبغي ملاحظة أن نص هذا القرار جاء بكل هذه الاضافات, وصدرها بعبارة تفيد أن الاحكام المترتبة علي إعلان الطوارئ تطبق خلال مدة سريانها بما يعني انها تطبق في إطار النطاق الزمني لاستمرار حالة الطوارئ المفروضة والممتدة بموجب القرار رقم 126 لسنة 2010

(4)

كل هذا واضح ومفهوم, وهو يشكل السياق التشريعي العام للحالة القائمة, وان ما أريد أن اشير إليه مما أحسبه خافيا عن الجدل الدائر الآن حول هذا الموضوع, وهو ما أكتب الآن لإيضاحه, هو أن حالة الطوارئ القائمة الآن والتي بقيت مصر خاضعة لها ثلاثين سنة مستمرة وممتدة, والتي صدر بشأنها القرار 193 لسنة 2011 سالف الذكر بكل ما أثاره من جدل واحتجاج فكري وسياسي, حالة الطوارئ هذه تنتهي وجوبا وصراحة وحسما وجزما, في 20 سبتمبر سنة 2011, وذلك طبقا لما نص عليه الاستفتاء الشعبي الذي جري في 19 مارس سنة 2011 وأعلنت نتيجته في 20 مارس سنة 2011, وصارت أحكامه نافذة المفعول تشريعيا من هذا التاريخ, وهو ذاته الحكم الذي تضمنته المادة 59 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011 والمعمول به خلال هذه المرحلة الانتقالية, وهو الاعلان الذي خول المجلس الأعلي للقوات المسلحة سلطات رئيس الجمهورية المبينة بالقوانين خلال الفترة الانتقالية وحتي ينتخب رئيس جمهورية لمصر بعد انتخابات مجلسي الشعب والشوري.
إننا ممن يقولون ويعيدون ويزيدون ان احكام الاستفتاء الحاصل في 19 مارس 2011 هي احكام تشريعية دستورية ملزمة لكافة سلطات الدولة والقائمين علي الحكم الآن. وهو أكثر وثيقة تشريعية ملزمة خلال هذه المرحلة الانتقالية التي ينظمها الاعلان الدستوري, لأنها تتميز عن كل احكام الإعلان الدستوري الصادر من المجلس الأعلي للقوات المسلحة, بأنها احكام استفتي عليها الشعب المصري في استفتاء منظم وحر ونزيه, وهو الاستفتاء الذي كان مفاده اسباغ الشرعية الدستورية علي السلطات الحاكمة للدولة الآن, لأن هذه السلطات هي من كانت قد طرحت هذه الأحكام للاستفتاء ودعت لهذا الاستفتاء الشعبي.
لقد اشتملت الاحكام المستفتي عليها علي حكم ينظم حالة الطوارئ بما يفيد تعديلا لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 فيما تضمنه الاستفتاء من احكام جديدة في هذا الشأن, لأن الاستفتاء الدستوري والاعلان الدستوري أقوي من القانونوقد نص هذا الحكم المنظم لحالة الطوارئ في آخره علي انه وفي جميع الأحوال يكون اعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر, ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته علي ذلك, وهذه المادة بنصها المستفتي عليه ومنها هذه العبارة الأخيرة الواردة فيما سبق قد تضمنها نص المادة 59 من الإعلان الدستوري بذات ألفاظها.

(5)

وأن مؤدي هذا الحكم بموجب الأثر الفوري المباشر لسريان التشريع من حيث الزمان, ان تحسب الأشهر الستة بحسبانها الحد الأقصي لحالة الطوارئ من تاريخ صدور النص التشريعي الذي شمل هذا الحكم, فيكون سريانه علي حالة الطوارئ القائمة لأقرب الأجلين: الأجل المحدد في قرار إعلان حالة الطوارئ عن انتهائها, أو الأجل المحدد بالنص التشريعي ايهما أسبق, ومن ثم تنتهي حالة الطوارئ في حالتنا هذه في 20 سبتمبر 2011, ولا يجوز مدها إلا باستفتاء شعبي ينتهي بالموافقة علي هذا المد. ولا يجوز التحايل علي ذلك بإجراء إعلان لحالة طوارئ جديدة, لأن ذلك سيعتبر تحايلا علي حكم تشريعي ملزم وواجب النفاذ.

هذا هو حكم القانون وحكم الدستور وحكم الحالة الشرعية التي نحياها الآن. ولذلك لم أفهم كيف يتنادي الناس علي طلب إلغاء قانون لاداعي لإلغائه لان حالة الطوارئ تبدأ بالإعلان عنها من السلطة المختصة, وتنتهي بنهاية مدتها القانونية, ثم يتنادون بإنهاء حالة طوارئ هي منتهية فعلا ومنتهية بحلول 20 سبتمبر 2011, ولا تستطيع سلطة من السلطات أن تستبقيها بغير استفتاء شعبي جديد يوافق علي مدها, ولم أفهم كيف يتجادلون ويتظاهرون ويتنادون علي مليونيات وايام جمع في أمر هو محسوم فعلا. ومرة أخري أردد قول أبي العلاء المعري: فيا عجبا من مقالاتهم.. أيعمي عن الحق هذا البشر.

والنقطة الأخيرة أليس هذا الحكم السابق عن مد حالة الطوارئ, وتحديد حد أقصي لها, وعدم جواز مدها إلا باستفتاء شعبي, أليس ذلك من ايجابيات الأحكام التي استفتي عليها الشعب المصري في 19 مارس 2011, وغابت فضائله الديمقراطية عن نخب سياسية وفكرية كثيرة, لأن ثمة من يكتبون ولا يقرأون, ويتكلمون ولا يسمعون, ويخافون من الشعب المصري ولا يطمئنون الي استفتائه..؟.. والحمد لله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق