الاثنين، 5 سبتمبر 2011

مناخ التشكك الضار بالوطن…… معتز بالله عبدالفتاح


حين يسود الشك العلاقة بين فاعلين سياسيين، وكذا بين الزوجين أو حتى الشريكين فى عمل، ستجد أن التخوفات من المؤامرة تسود على أساس ثلاثة افتراضات أساسية:
  • الأول، أن أى قرار يتخذه الطرف الآخر هو بالضرورة موجه ضد الطرف الثانى، وليس بغرض تحقيق صالح عام مشترك.
  • الثانى، أن الطرف الآخر يعلن غير ما يبطن وأن المسكوت عنه أعمق كثيرا من المعلن، وعليه فإن المهارة هى اكتشاف ما لم يقله الطرف الآخر والتصرف على أساسه. وبالتالى الطرف الآخر لن يفى بوعوده، وأنها، أى الوعود، هى مجرد هدنة لكسب الوقت وتحين الفرصة للانقضاض على الطرف الآخر.
  • الثالث، أن الطرف الآخر موحد ومتحالف مع كل الآخرين ضدنا. وعليه فهناك اتفاقات سرية غير معلنة بين الطرف الآخر وكل من هم ليسوا معنا، بل وبعض حلفائنا من أجل الإضرار بنا.
وقد برع دارسو العلاقات الدولية ومحللو السياسة الخارجية أثناء الحرب الباردة فى رصد عشرات مواقف السياسة الخارجية التى كشفت الوثائق السرية للدول عن صحة التحليل السابق. مثلا، حين غزا الاتحاد السوفييتى السابق أفغانستان فى عام 1979، كان الأمر فى حقيقته مجرد محاولة لمساعدة النظام الشيوعى هناك، ولم يكن هناك أى نية لتهديد حلفاء الولايات المتحدة فى وسط آسيا أو إيران أو باكستان كما كانت تقول التقارير الأمريكية. بل إن من يقرأ مبررات قيادات الاتحاد السوفييتى لعملية الغزو وما تصوره القيادات الأمريكية يعتقد أن الطرفين يناقشان أمرين مختلفين لأن كل طرف قرأ حسابات الطرف الآخر على نحو مخالف تماما للواقع.
ما يحدث فى مصر الآن مشابه لحد بعيد لمناخ التشكك المشار إليه. سألت ذات مرة عن سبب اختيار أحد المنتسبين للإخوان فى لجنة تعديل الدستور مع عدم اختيار آخرين من قوى سياسية أخرى فى لجنة إعداد الدستور، فسمعت ردا يتنافى تماما مع كل التنظيرات التى تدفع فى اتجاه أن الجيش «إخوانى الهوى» كما قال أحد المحللين. سألت كذلك عن سبب سعى المجلس الأعلى لوضع مبادئ حاكمة أو ضامنة للدستور الآن، فسمعت كلاما يتنافى تماما مع فكرة أن الجيش «متحالف مع العلمانيين» كما يقول أحد المحللين الإسلاميين. سألت أحد الناشطين الإسلاميين عن تحالف كان مزمعا مع بعض الليبراليين، فنفى إمكانيته لأنهم «يكرهون الإسلام، وليس فقط الإسلاميين» لهذا هم تراجعوا عنه. ولكن المفاجأة أن مجموعة الليبراليين المشار إليهم كانت لهم أسباب أخرى تماما منعتهم من التنسيق فى هذه المناسبة، ثم حدث التنسيق لاحقا، والموضوع لم يكن له علاقة بكرههم لأحد.
إذن نحن نعيش فى مناخ من الريبة والشك ونقص المعلومات والتنظير للمؤامرة، وعلى الجميع أن يلجأوا إلى إجراءات بناء ثقة وإلا سنخسر جميعا كل شىء. ولتوضيح مساحة الحاجة لبناء الثقة فإن علينا أن نتحرك لعلاج فجوات ثقة فى ثلاثة اتجاهات:
أولا: فجوة ثقة بين المجلس العسكرى وقطاع من المواطنين بسبب:
١ــ فجوة بين المجلس العسكرى وقطاع من أجهزة الإعلام. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق «تسييس المؤسسة العسكرية» بأكملها وليس فقط المجلس الأعلى وما لهذا من نتائج سلبية على رؤية القيادات الأدنى للقيادات الأعلى ومن ثم تماسك هذه المؤسسة. الحل: لا بد من التزام أجهزة الإعلام أقصى درجات النزاهة، والكف عن تصوير الأحوال فى مصر وكأنها حرب جعلت الكثيرين يخافون حتى من زيارة مصر بحكم ما يشاهدونه وما يقرأونه. 
٢ــ فجوة بين المجلس وقطاع من ناشطى الثورة. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق اعتبار أن المجلس الأعلى استمرار لنظام مبارك، وأن على الثائرين إسقاطه. الحل: آلية منتظمة للحوار بين القوى الوطنية المختلفة، بما فيها ناشطو الثورة، والمجلس العسكرى. والأهم من كل ذلك أن يعلن المجلس العسكرى عن خريطة طريق متكاملة ومحددة زمنيا للمرحلة الانتقالية وصولا إلى رئيس ومجلس شعب منتخب، فضلا عن التوقف عن محاكمة الناشطين السياسيين والمدونين أمام المحاكم العسكرية، ولو كان لا بد من تقديمهم للمحاكمة فلتكن محاكمات مدنية.
ثانيا: فجوة ثقة بين الحكومة وقطاع من المواطنين بسبب: 
١ــ فجوة بين الأداء الحكومى فى بعض القطاعات على المستوى الوزارى ومستوى المحافظين وما كان مأمولا. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع ستؤدى إلى مأزق «الحكومة الفاشلة» والذى يعنى ضمنا عدم نجاح الثورة فى أن تأتى بحكومة تعكس طموحات الثائرين. الحل: لا بد من تطوير العمل الحكومى بسرعة نسبية. وتكون نقطة البداية فى مجالى الأمن والاقتصاد. وقد جاء فى هذا المكان من قبل اقتراحان بشأن مجلس أعلى للأمن الداخلى، ومجلس أعلى للاقتصاد يمثل فيهما وزراء الحكومة وممثلون عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمعنيون من الخبراء ورجال الأعمال والأكاديميون حتى يتم تسليم السلطة لرئيس منتخب. 
٢ــ فجوة بين ما كان متوقعا من الحوار والوفاق الوطنيين كنقطة التقاء حقيقية بين القوى السياسية المختلفة وبين ما شهدناه من انسحابات وانشقاقات وصولا للجدل حول المبادىء الأساسية للدستور والقواعد الحاكمة لتشكيل لجنة المائة. هذه الفجوة لو استمرت فى الاتساع سيؤدى إلى مأزق «الاستقطاب الحاد» بدون آلية حوار فعالة تدير الخلافات والاختلافات فى الرؤى. الحل: لا بد من الدعم الإعلامى والسياسى للحوارات التى يجريها نائب رئيس الوزراء لشئون التحول الديمقراطى من أجل بناء التوافق بين القوى السياسية المختلفة. 
ثالثا: فجوة ثقة بين القوى السياسية المختلفة بسبب: 
١ــ فجوة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين. ولو استمرت هذه الفجوة فإن «الاستقطاب الحاد» قد يصل إلى «حرب أهلية سياسية» لن تكون عنيفة، ولكنها ستكون معطلة. لا نريد مجموعة 19 مارس ومجموعة 27 مايو على نمط 8 آذار و14 آذار. الحل: القائمون على التيار الرئيسى المصرى ومعهم قوى الوسط مدعوون لأن يلعبوا دورا أكبر فى تجسير الفجوة بين التيارين المحافظ والليبرالى من أجل وقف هذا الاستقطاب.
٢ــ فجوة ثقة بين الثائرين ومعارضى الثورة. ولو استمرت هذه الفجوة فإن الثورة نفسها لن تكون نقطة التقاء بيننا وإنما ستكون بذاتها واحدة من أسباب فرقتنا والتنازع بين قوانا السياسية. الحل: لا بد من التلاقى الفكرى والسياسى على أن الثورة كفعل سياسى وكقرار جمعى للمصريين قد حدثت بالفعل وأنه لا مجال للعودة للوراء وإنما الأمل أن تكون المرحلة الانتقالية أسرع وأقل تكلفة. إن تحديات ما بعد الثورة تحتاج منا سرعة أكبر وحوارات أكثر وآليات مؤسسية أكثر انضباطا.
أرجو من كل فاعل سياسى فى مصر، بل وكل مواطن أن يعود إلى الافتراضات الثلاثة السابقة ويضعها أمامه ويفكر فيها ليتبين إن كان كل ما يفعله الآخرون جزءا من مؤامرة أم أن هناك «سوء تواصل» حادا يجعلنا نتشكك فى أنفسنا أكثر من اللازم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق