الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

الإسلام والفنون الجميلة…… د/ محمد عمارة

الفنون هي المهارات التي يبدعها الإنسان‏,‏ ويتوسل بها الي التجديد والترقيق والتنمية للملكات والطاقات الإنسانية‏,‏ لتصبح الحياة أكثر جمالا, عندما تنفتح قنوات الاتصال بين النفس الانسانية وبين أيات الجمال التي خلقها الله وبثها في هذا الوجود.
 
 وهذه الوظيفة الراقية للفنون لا يمكن أن تتحقق إلا إذا كانت هذه الفنون ذات رسالة أخلاقية, فهنا تكون الفنون جميلة حقا, لأن الجمال ــ الذي هو صفة من صفات الله ــ سبحانه وتعالي ــ لا يمكن ان يقترن بالفن إلا إذا كانت لهذا الفن رسالة إيجابية في عالم القيم والاخلاق.
فالله جميل يحب الجمال ــ كما جاء في الحديث الشريف ــ وهو الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم, وسخر له الزينة والجمال في هذا الوجود.. ولن يستطيع الانسان ان يشكر الله علي نعمة الزينة والجمال التي سخرها له إلا إذا استمتع بهذه النعمة ووظفها لتحقيق المقاصد التي خلقه الله لتحقيقها: عمران هذه الارض, لتزداد جمالا بالعمران الجميل, ولهذه الحقيقة ــ حقيقة ارتباط جمال الفنون برسالتها الأخلاقية ــ قال الفيلسوف ابن سينا:! جمال كل شيء وبهاؤه هو أن يكون علي ما يجب له.


ووجدنا ذات المعني عند الأديب والناقد الروسي بلنسكي, 1811ــ1848 م] الذي قال: إن الجمال شقيق الأخلاق إذن, فمعيار الموقف الشرعي من الفنون التي هي مهارات ــ هو علاقتها بالجمال.. أي بمنظومة القيم والأخلاق.. وبهذا تتميز عن مهارات الشرور والأشرار.. ذلك لأن هذه الفنون ــ المهارات ــ لا تخرج عن كونها إبداعا إنسانيا يحاكي ــ علي نحو نسبي ــ الإبداعات الجمالية والجميلة التي بثها الله ــ سبحانه وتعالي ــ في هذا الوجود, والتي زين بها الأرض والسماء وما فيهما وما بينهما.. فإذا سخرت الزينة الإلهية والزينة الفنية في ترقية زينة النفس الإنسانية, وغدت وسيلة لتجديد الملكات وتنمية الطاقات لتزداد كفاءتها في التسابق علي طريق الخبرات, كانت حلالا.. بل ولربما كانت مستحبة احيانا, وواجبة في بعض الأحايين.

ولقد تفرد القرآن الكريم من بين الكتب المقدسة لدي أصحاب الديانات السماوية بأنه الكتاب الذي يعلم ويدرب القاريء له والمتدبر في آياته فنون البلاغة وجماليات التعبير بالصور الفنية.. كما تفردت العربية ــ لغة القرآن ــ بالحرف الذي استوي فنا جميلا في منظومة الفنون.. وكذلك تفردت عبادات المسلمين ــ التي يتقربون بها إلي الله ــ باقترانها بالزينة والجمال:, خذوا زينتكم عند كل مسجد] ــ الأعراف: 31 ومن هنا رفض الاسلام التقرب الي الله بالقذارة والتجهم ومخاصمة الزينة والجمال. ولقد كان رسول الاسلام ــ صلي الله عليه وسلم ــ وهو القدوة والأسوة ــ يقوم الليل إلا قليلا, ويعشق حياة المساكين, وفي ذات الوقت كان ريحه أطيب من المسك. وعرقه يضاهي اللؤلؤ, وكان يستعيذ بالله في دعاء السفر ــ من كآبة المنظر.. ويدعو ربه ــ في صلاة الاستسقاء: اللهم أنزل علينا في أرضنا زينتها.

ولأن هذا هو موقف الإسلام من الفنون الجميلة, التي تشيع البهجة في النفوس, وتعينها علي شكر الله ــ بعمارة هذه الارض كي تزداد زينة وجمالا ــ ولأن هذه الجماليات الفنية التي يبدعها الإنسان لا تخرج عن السعي لمحاكاة الجمال الذي خلقه الله في هذا الوجود, كان الموقف الإيجابي لعلماء الإسلام من هذه الفنون وهذه الجماليات.
فحجة الإسلام أبو حامد الغزالي, قد ملك طريق العقل مع الشرع لنفي الحرج عن فنون السماع, وتساءل: لا أحد يحرم الأصوات المنكرة, فهل تحرم الأصوات الجميلة لأنها جميلة؟! ولا أحد يحرم الأصوات الجميلة إذا جاءت من الطيور والأشجار, فهل تحرم إذا جاءت من الإنسان؟! ولا أحد يحرم النغمات المختلفة.. فهل إذا ائتلفت ــ في الموسيقي ــ تصبح حراما؟!.. ثم خلص الغزالي إلي أن قال: من لم يهزه العود وأوتاره, والروض وازهاره فهو فاسد المزاج, ليس له علاج!

أما رائد الإحياء والتجديد للإسلام, كي تتجدد به حياة الأمة الاسلامية ــ في عصرنا الحديث ــ شيخ الإسلام الشيخ حسن العطار ــ الذي كان له ولع شديد بفنون السماع, وعلم بأصول الألحان ــ فإنه هو القائل: من لم يتأثر برقيق الأشعار, تتلي بلسان الاوتار, علي شطوط الأنهار, في ظلال الأشجار, فذلك جلف الطبع حمار!
أما إمام الظاهرية وفيلسوفها ابن حزم الأندلسي ــ وهو صاحب اليد الطولي في نقد النصوص والمأثورات ــ فلقد قطع بأن كل المأثورات التي تحرم فنون السماع موضوعة, وقال: ولم يصح في هذا الباب شيء أبدا, وكل ما فيه موضوع.

ولقد جاء الامام محمد عبده, لينطلق من تراث الاسلام الذي رفع الحرج عن الفنون الجميلة.. وليطرق باب الموقف الشرعي من الفنون التشكيلية.. وليقول: إن الرسم: شعر ساكت, يري ولا يسمع, كما ان الشعر: رسم, يسمع ويري.. وحفظ الآثار ـ بالرسوم والتماثيل ــ هو حفظ للعلم بالحقيقة, وشكر لصاحب الصنعة علي الإبداع فيها.. والشريعة الاسلامية.. أبعد من ان تحرم وسيلة من وسائل العلم, بعد تحقيق أنه لا خطر فيه علي الدين, لا من جهة العقيدة ولا من جهة العمل. وليس هناك ما يمنع المسلمين من الجمع بين عقيدة التوحيد ورسم صورة الإنسان والحيوان لتحقيق المعاني العلمية وتمثيل الصور الذهنية..

وإذا كان شيخ الاسلام حسن العطارقد كان خبيرا بأصول الألحان, وله ولع بفنون السماع فإن الفقيه الاصولي القرافي ــ أحمد بن إدريس ــ,684هـ 1285 م] قد مارس فنون النحت والتصوير, هكذا فتح الإسلام ابواب المشروعية أمام الفنون الجميلة, التي تتغيا بين الحياة الإنسانية بالجماليات, التي هي بعض من الطيبات التي أمر الله سبحانه وتعالي ــ الإنسان ألا ينسي نصيبه منها..
وهكذا ميز الاسلام بين النفوس التي تحقق ــ مع الجمال ــ الأخلاق الفاضلة.. وبين تلك التي تشيع الخنا والفسق والفجور في المجتمعات والتي لا تستحق أن تسمي فنونا بأي حال من الاحوال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق