الخميس، 1 مارس 2012

التيه أم التمكين؟ ( 1 من 2)…….مصطفى كمشيش


 إن مقولة (التاريخ يُعيد نفسه) قد تصح وقد لا تصح, لكن يبقى للتاريخ (في كل الأحوال) دروسه وفوائده, فعلى مدار التاريخ تعرض للظلم رجال وأمم, فأنعم الله عليهم بزوال الظلم واندحاره, وقد شاءت إرادة الله سبحانه أن يزيل الظلم دونما ارتباط باستحقاق المظلوم أو عدم استحقاقه,لأنه سبحانه وصف ذاته العليا أنه لا يحب الظالمين :[وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ] (140)آل عمران..وكما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته], ..فإذا كان هذا عن الظالم فما هو شأن المظلوم؟
لقد علمتنا الحوادث أن الله قد يزيل الله الظلم ويُمكَّن للمظلوم,أو لا يُمكَّن له, ولدينا حادثين كبيرين في التاريخ, أزال الله الظلم في الحالتين, لكن الله مَكَّن لأحدهما ولم يُمكَّن للأخر..
الأمة الأولى : موسى وقومه
تعرض بنو اسرائيل لظلم بشع على يد فرعون وجنده, وتقررت ارادة الله بزوال ذلك الظلم, فأرسل الله نبيه موسى عليه السلام لينقذهم مما حاق بهم, لكنهم لم يشكروا لله صنيعه فكان ردهم :[قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ] (129)الأعراف.
هذه العبارة (فينظر كيف تعملون) لها دلالات كبرى,منها,أن الله حينما يزيل الظلم, فإنه سبحانه ينظر للمظلوم ليرى مدى جدارته واستحقاقه برفع الظلم عنه وماذا سيفعل بعد ذلك,وقد رأينا أن بني اسرائيل بعد أن أزال الله عنهم الظلم ورأوا الآيات بأم أعينهم,فإنهم ظلوا على لجاجتهم وتطاولهم على الله ونبيه, ينظرون لأصنام  فيطلبون من موسى مثلها ليعبدونها ! ..يقولون (أرنا الله جهرة !),يعبدون العجل, وفي النهاية يرفضون دخول الأرض المقدسة لتأسيس دولتهم ,وقد أخبرنا القرآن الكريم أنهم قد سقطوا في كل الاختبارت ولم يتخلصوا من التمرد واللجاجة, فكتب الله عليهم (التيه).
وبدا أن الجيل الذي عاش طويلا يرزح تحت الذل والاستعباد ليس بجدير لنيل تمكين الله له في الأرض, ومات موسى عليه السلام وهم في التيه, ومات جيل بأكمله, وجاء جيل جديد لم يخضع للذل والاستعباد, فقادهم يوشع بن نون عليه السلام, وأوقف الله لهم الشمس عن المغيب حتى يتحقق لهم النصر, لكنهم عادوا لطبيعتهم المتمردة, فتكرر وقوع الظلم عليهم, وأراد الله أن يُخلصهم منه مرة أخرى, فأرسل الله لهم طالوتا ليقودهم الى النصر: [ قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ] في استمرار للشغب واللجاجة,فشاءت ارادة الله أن ينتقي منهم فقط من هو أهل للتمكين والنصر..
إننا يمكن لنا وبوضوح بالغ في واقعنا المعاصر (ومصر على مفترق طرق) أن نرى احداثا مشابهة لذلك التمرد واللجاجة حتى على ميول أغلب الشعب وخياراته, وما نخشاه أن نتعرض (للتيه) فلا نصل الى تحقيق الأهداف.
الأمة الثانية : محمد صلى الله عليه وسلم والصحب الكرام
تعرض المؤمنون لظلم بشع على يد زبانية قريش, فشاءت ارادة الله سبحانه لهم بالهجرة, والتي كانت حدا فاصلا بين عهدين, نهاية عهد الظلم والقهر والاستعباد, وبداية عهد جديد للحرية والكرامة والتمكين وبناء دولة العدل والحق والمساواة, فما هو الفارق بين الأُمتين؟ وأي مصير نختار (التيه أم التمكين ؟) ولعلنا نتعرض له في المقال القادم إن شاء الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق