الأربعاء، 7 مارس 2012

الخروج على رأي الجماعة…. فتوى للشيخ/ رضوان صمدي


سألني بعض شباب الإخوان عن مدى مشروعية مخالفة رأي القيادة في جماعة الإخوان حول دعم ترشيح أحد المتقدمين للانتخابات الرئاسية، فإذا كان لعضو الإخوان رأي في دعم مرشح، وللإخوان رأي في عدم دعم هذا المرشح، أو لهم رأي في دعم مرشح آخر فهل يجوز لهذا العضو مخالفة رأي القيادة الإخوانية ؟ فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: نص الإعلان الدستوري على أنه: [ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر]، ويقصد بلفظ (المباشر) أن كلَّ مواطن مصري تحققت فيه شروط الانتخاب مخاطب بشخصه دون غيره بهذا الانتخاب،فالمشرِّع حينئذٍ أراد أن يستظهر رأي المواطن حول من هو الأحق برئاسة الجمهورية، ولم يخاطب بهذا النص الهيئات أو المؤسسات أو الأحزاب أو النقابات أو الجماعات أو أيًّا من الشخصيات الاعتبارية متمثلة في مجلس إدارتها أو هيئتها أو نحوها، ولو أرادت استظهار رأي تلك المؤسسات لخاطبتهم بنصٍّ يطلب منهم رأيهم، فالحاصل: أن الناخب حينما يذهب إلى صندوق الانتخاب إنما يمارس واجبًا وحقًا في نفس الوقت ببيان رأيه هو حتى وإن كان عضوًا في مؤسسة أو حزب أو نقابة أو جماعة تخالف رأيه:
·        فهو واجب من جهة أن النص القانوني ألزمه بالذهاب لصندوق الانتخاب ورتب عليه العقوبة القانونية.
·        وهو حق من جهة أنه يبدي ما يراه وما هو مقتنع به دون إكراه أو ضغوط من أحد أو جهة لفرض رأيها عليه.
ثانيًا: أن حرية التعبير حق مكفول في الإعلان الدستوري باعتباره حقًا من حقوق الإنسان الثابتة في الشريعة وفي كافة الدساتير الوضعية، ولا يجوز لأي أحد أن يمارس على أي مواطن إكراهًا أو ضغطًا أو يفرض رأيًا عليه وهو لا يقتنع به.
ثالثًا: أن الإخوان يرون (أن الانتخاب من الناحية الفقهية هو شهادة) استنادًا إلى قول الله تعالى: [وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ][البقرة: 283]، والشهادة: (إخبار عن شيء بلفظ خاص)، ولا يكون الناخب شاهدًا حق الشهادة إلا إذا أدلى بما هو مُسْتَكِنٌّ في ضميره ومقتنع بصحته؛ فإذا ما أدلى برأيٍ غيرِ ما هو مستقر في ضميره وغيرِ مقتنع بصحته فإنه لا يكون شاهدًا حق الشهادة، ويكون كاتمًا لهذه الشهادة، ويترتب عليه تبعة الكتمان، فإذا أدلى عضو الإخوان بشهادته بما يوافق رأيَ قيادتِهِ دون قناعة منه بهذا الرأي. ويكون مستكنًا في ضميره أمر آخر: فإنه يكون كاتمًا لشهادته ويترتب عليه تبعة هذا الكتمان؛ لأن الإعلان الدستوري إنما طالبه برأيه هو لا برأي الإخوان كما بينا في (أولاً).
رابعًاهناك رأي آخر يرى (أن الانتخاب من الناحية الفقهية هو استشارة)، والاستشارة: (هي طلب إدلاء الرأي في شيء ما)، ومن واجبات المستشار: تحري الأمانة في إبداء رأيه، فالمستشار مؤتمن، قال الله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا][النساء: 58] ومن معاني الأمانة: وضع الشيء في محله الذي يستحقه، ومقتضى الاستشارة في الانتخاب أن يبدي الناخب من يراه الأحق بتولي مسئولية رئاسة الجمهورية، فإذا كان لعضو الإخوان رأيٌ ولقيادته رأيٌ آخر، فإنه من الأمانة أن يظهر ويدلي برأيه الذي هو مقتنع به، فإن لم يفعل فإنه يكون بهذا خائنًا للأمانة.
خامسًاأمر الله المؤمنين بالصدق فقال: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ][ التوبة: 119]، وَقالَ تَعَالَى: [فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ][محمد: 21]، كما حذر المؤمنين من الكذب فعن أبي محمد الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب -رضي الله عنهما- قَالَ: [حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله : (دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ)][رواه الترمذي، وَقالَ: حديث صحيح]، والكذب: الإخبار بما يخالف الواقع، فلو أخبر الناخب بما يخالف قناعته ورأيه فإنه يعد مخالفًا للواقع وهو الكذب، وعليه فإنه يقع في طائلة المخالفة الشرعية.
سادسًا: يعترض البعض على التقرير السابق أن هناك بيعة بين عضو الإخوان وجماعته، ومقتضى البيعة أن يلتزم عضو الإخوان بالشورى الذي ذهبت إليه جماعته في دعم مرشح دون آخر، ويجاب عن هذا الاعتراض:
·        أن قيادة الإخوان لا يجوز لها أن تفرض على أحدٍ من أعضائها رأيًا في هذه المسألة تحديدًا؛ لأن انتخاب الرئيس هنا إنما هو حق شخصي لكل مواطن مصري باعتباره مواطنًا مصريًا لا باعتباره عضوًا في جماعة الإخوان المسلمين، ففرض الرأي هنا من قبل القيادة فيه تعدٍّ على حرية التعبير المكفولة لكل مواطن شرعًا وقانونًا.
·        أن الشورى تكون ملزمة إذا كانت من أهل الحل والعقد للأمة وهو مجلس الشعب أو نحوه في نظمنا المعاصرة في اختيار الرئيس، ولم يطلب القانون رأي مجلس الشعب في مسألة اختيار الرئيس وإنما طلبها من آحاد المواطنين باعتبارهم مواطنين للدولة المصرية لا باعتبارهم منتمين لحزب أو جماعة أو مؤسسة أو غيرها، أما مجلس الشورى في داخل الإخوان فلا يمثل أهل الحل والعقد لأفراد الإخوان باعتبارهم مواطنين فهي ليست ملزمة لهم بل هي معلمة إن رأوا أن فيها المصلحة التي يراها كل فرد على حدته كان بها وإلا فلا غضاضة في أن يخالفها ولا يترتب على ذلك أي مخالفة شرعية أو قانونية أو أخلاقية، بل يلزمه الشهادة وإبداء الرأي والإخبار بما يعتقده كما تقرر سابقًا في (ثالثًا، ورابعًا، وخامسًا). ولا يعدُّ هنا مفتقدًا للثقة في جماعته، فإن هذا باب مما تختلف فيه الأنظار ويجوز فيه الاختلاف ولا يترتب عليه أي فتنة للصف الداخلي الإخواني أو غيره مما يشيعه من لا فهم له، ولم يأخذ مجلس شورى الإخوان صكًا عقليًا أو شرعيًا في أن كل ما يبدونه من رأي هو الصواب الذي لا صواب غيره.
سابعًاأن عضو الإخوان إذا كان أُمّيًا لا يقرأ ولا يكتب ولا يملك القدرة على تقليب وجهات النظر والرأي في اختيار الرئيس، واعتبر قيادة الإخوان بالنسبة له جهة لها قدر من الخبرة في هذا الموضوع ووثق في اختيارها فله أن يقلدها في اختيارها ويكون هذا هو قناعته الباطنة والظاهرة، أما إذا لم يطمئن هذا الفرد إلى اختيار قيادة الإخوان في اختيارهم، فله أن يسأل أهل الاختصاص والخبرة ممن يثق في قوتهم وأمانتهم ويجعل اختيارهم هو اختياره، والقاعدة في هذا قول الله تعالى: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ][الأنبياء:7 [
—————————————
الشيخ بريدا صمدي (المعروف بالشيخ رضوان صمدي) : باحث في الفقه وأصوله
المصدر : صفحة الشيخ الشخصية بموقع الفيس بوك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق