السبت، 31 مارس 2012

جمعية غير جامعة… معتز بالله عبد الفتاح


 كتابة دستور جديد لمصر يقتضى ما هو أكبر من مجرد اجتماع مجموعة من الأفراد لصياغة الدستور. هو يقتضى قبل كل شىء أن تكون الهيئة التى تصوغ الدستور «جامعة» لأهم مقومات المجتمع المصرى. وهو ما يجعلنى مترددا بشدة فى مسألة الاستمرار أو الاعتذار عن عدم المشاركة فى أعمال الجمعية بصيغتها الحالية. هذا قرار صعب فى أمر جلل.

هناك الكثير مما لا أرضى عنه فى طريقة إدارة الاجتماع المشترك للأعضاء غير المعينين من مجلسى الشعب والشورى والذى أفضى إلى أن يكون نسبة أعضاء المجلسين خمسين بالمائة من أعضاء الجمعية التأسيسية. وهذا لا ينفى رغبتى فى أن تستفيد الجمعية التأسيسية بعدد لا يزيد على ثلث أعضائها من الخبرات والكفاءات القانونية والسياسية الموجودة فى البرلمان لأنه سيكون عقابا للمجتمع كله بأن لا يمثل هؤلاء فى الجمعية التأسيسية لمجرد أنهم منتخبون فى البرلمان.

ولكن أن تزيد هذه النسبة لدرجة المناصفة، فقد وجدت فى نفسى حرجا بالغا، وإحساسا بأن السياسة الحزبية طغت على المصلحة الوطنية كما أفهمها على الأقل. ولكن ما زاد الأمر سوءا هو أن المعايير غابت، وكأن احتمال أن يلتحق بالجمعية أى شخص هو مسألة محكومة باعتبارات غير مفهومة عند المواطن غير المتداخل تنظيميا مع القوى المسيطرة على البرلمان مثلى. ونجد أن جهات معينة تبدى انزعاجها من أن الأسماء التى رشحتها لم يتم اختيار أحدها فى حين تم تضمين آخرين محسوبين على نفس الجهة. وهنا يبدو أن تسييس عملية الاختيار جعل ما هو «حزبى» له أولوية على ما هو «وطنى».

وما زاد الغصة فى الحلق هو انسحاب الكثير من الأصدقاء الليبراليين وغياب أغلب الأعضاء المسيحيين عن الاجتماعات وقد كانوا ممثلين بنسبة أقل مما كنت أتمناه أو أتوقعه يقينا، فضلا عن تواضع تمثيل السيدات، لذا أعلنت بوضوح فى أول اجتماع للجمعية أننى مستعد لأن أتنازل عن مقعدى لصالح أى صديق قبطى أو سيدة عسانا بزيادة تمثيلهم قد ننزع فتيل المشكلة، مع ملاحظة أننى لن أبخل بأى مشورة أو جهد فى اللجان الفنية حتى لو تنازلت عن مقعدى.

لا أدرى ما الذى ستحمله الأيام القادمة. لكن ضميرى غير مرتاح لأن أترك المهمة وهى أمر جلل، وكذلك غير مطمئن للاستمرار فى جمعية غير جامعة لمن أعلم يقينا أنهم لو وجدوا فيها فسيثرون النقاش ويساعدوننا على الخروج من هذه المرحلة الانتقالية التى طالت كثيرا.

لم أملك التحكم فى دموعى أثناء مكالمة لى مع الشاعر الكبير فاروق جويدة مساء يوم الأربعاء وهو يصف لى بصدق وبلاغة ما وجده مقارنة بما كان يتوقعه، وكيف اختفت مصر التى كانت فى ذهنه وأمله لصالح مصر التى صارت. لا أعرف هل كانت دموعى تعبر عن حزن، أم خوف، أم إحباط أم إحساس بالعجز أم خليط من كل هذا. لا أعرف. ولكن نحن دخلنا فى مرحلة خطرة من الاستقطاب المتبادل وكأن الجزارين ينتظرون سقوط مصر حتى يقضون عليها بسكين العصبية والإقصاء، والكل يحسب أنه يحسن صنعا، ولا يتوقف كثيرا ليسأل: «هل ما أفعله فى صالح مصر؟ أم هو فقط فى مصلحتى أو حزبى أو فريقى؟»

لا أدعى الوطنية، ولكن أسجل إحساسى بالقلق على مستقبل وطن بإمكاننا أن نحلق به فى سماء التقدم، ولكننا بغفلتنا نهوى به فى أودية التخلف.

يا رب، لا تكلنا لأنفسنا الضعيفة فنهوى وتهوى معنا مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق