السبت، 3 مارس 2012

مصر.. فتح الثورة وأبو الفتوح………. مهنا الحبيل


الاعتداء الذي تعرض له مرشح الرئاسة المصري عبد المنعم أبو الفتوح جاء في توقيت دقيق يشكل عنق الزجاجة الأخير للمشهد النهائي لتطورات مسار الثورة المصرية السياسي في أجواء احتدام جدل صارخ بين تيارات ثورية على صعيد مواجهة سياسية عنيفة مع المجلس العسكري ومواجهة مدنية عنيفة مع نتاج المشهد السياسي الأخير للانتخابات المصرية الأولى ديمقراطيا منذ الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك خاصة القوى الفائزة به وأبرزهم الإخوان المسلمون, حيث تطور موقف الخلاف لتيارات الثورة الراديكالية مع الجماعة إلى اتهامات خطيرة غير مسبوقة بتبادل الاتهامات بين الجماعة وهذه التيارات بالمشاركة باختطاف الثورة أو اختراقها لمصلحة قوى مستترة مناهضة لأهداف الثورة المصرية.
وكان توجه المسرح الثوري والسياسي مركزيا في حسم جوانب عديدة مع تنفيذ الانتخابات الرئاسية القادمة التي ستضع النقاط على الحروف في تحديد تواريخ التخلي عن السلطة للمجلس العسكري, وأيضاً تحديد هوية الرئاسة وموقعها الوسطي المركزي في السلطة وإدارة الدولة المصرية الثالثة بعد الناصرية والساداتية التي أعلنتها ثورة 25 يناير الشعبية في مصر, وبالتالي تأتي محاولة الاعتداء على أبو الفتوح وإصابته ضمن هذا السياق الدقيق للمخرج الأخير للثورة, وللعودة إلى موقع أبو الفتوح وحظوظ فوزه المبكرة وعلاقتها بإمكانية اختتام المرحلة الانتقالية لا بد من استعراض أبرز معالم المشهد المصري الأخير.

دماء بورسعيد اليقظة المفزعة
كان حجم الفزع الوطني مروعا من كارثة مذبحة بورسعيد التي حصلت في رواق الرياضة الأقّل توترا كما يفترض حتى مع دور ألتراس الأهلاوي المشارك في حلقات مهمة في دعم الثورة المصرية, لكن ذلك لا يغير من أن للرياضة مسارها المدني الإنساني الذي من رسائله تكريس لغة ما أطلق عليه "الأخلاق الرياضية"، وكان أسمى مبادئها تكريس التعارف في تنافس شريف بين الجهات والنواحي المحلية والخارجية وتدريب النفس على قبول الهزيمة والاحتفاء الأخلاقي بالنصر واحترام الخصم وتقدير مشاعره.

وما يعنينا هنا أن هذه الصدمة العنيفة للوجدان المصري والعربي تحولت إلى فورة مشاعر وعصف سياسي وتبادل اتهامات وصل أحيانا لحكايات أسطورية في تبادل الاتهامات، ومن الغريب أن يكون المستفيد من حجم العصف والخلاف العنيف غير المنضبط بين أطراف الساحة السياسية هي ذات القوى أو إمكانيات صناعة النظام السابق وحلفائه, بحيث يدعم هذا الصراع فرص قوة ما يطلق عليه بقوى -الفلول- أكثر من محاصرته لها, وسواء كان الفاعل الرئيس اختراقا فعليا لمخطط مشترك بين أطراف مناهضة للثورة من عناصر المجلس العسكري والفلول والغطاء الغربي المخابراتي، كما تطرح بعض القوى, أو كان نتيجة لتراكمات حالة الفوضى الأمنية الشديدة وتخلي بعض المؤسسات عن مسؤوليتها خشية من رد الفعل المضطرب وتطرف نزعة النقد والصراع لكي تجتاح الملاعب ومن ثم تطور انحراف الشغب فالنتيجة النهائية واحدة.. فما هي؟
ومع أن هذه القيمة هزمت كثيرا في ملاعب الرياضة العربية وتم تحشيد الجمهور فيها سلبا من جهات متنفذة، كان من أبرزها قضية مباراة الجزائر ومصر التي تحولت لأزمة سياسية مفتعلة فإن حجم الخسائر والضحايا لمباراة بورسعيد خرقت كل عناصر القياس للتعصب وطرحت مسار التدخل السياسي في أحداث المباراة.
المقصود هنا أن المشهد الأمني الاجتماعي تداخل مع السياسي وتعرض لعصف واجتياح كبير أدى إلى هذه النتائج المروعة سواء في ملعب بورسعيد أو خارجه في ظل حروب لا تهدأ من الاتهامات وخلق أرضية شرسة لا يمكن أن تعطي أي متنفّس لضبط الحياة المدنية والإنسانية وفسح المجال للحياة السياسية، وبالتالي مساعدة العهد الجديد على تعقب المتربصين الإستراتيجيين بالثورة وغلق مداخل نفوذهم, خاصة أن عصف الاتهامات يتبادل بين حلفاء الثورة.

المجلس العسكري بطل أم متآمر
تحديد هذه القضية من أهم عوامل الصراع وفقدان الثقة بين أطراف الحياة السياسية الثورية والحزبية في مصر, وسيحسمها التاريخ حين ينتخب الرئيس بإرادة شعبية مطلقة في الموعد المحدد ويعود الجيش بأمر المجلس العسكري إلى ثكناته, وهنا سيتحقق معنى فتح الثورة للسجل الوطني الجديد الشامل لخوض التجربة الديمقراطية.

أما قبل ذلك فتظل الأمور النسبية تحدد معالم دور هذا المجلس، فلو كانت قوات الأمن المركزي والمخابرات قد استطاعت سحق الثورة بعد أوامر الرئيس المخلوع لما تمرد هذا المجلس عليه بل أكمل مهمة الولاء الجديد, لكن أيضا حين هزمت القوات الأمنية أمام الثورة كان لقرار الامتناع العسكري عن سحق الثورة بسلاح الجيش الذي كان يقصده مبارك في التفويض الأول للجيش بضبط الشارع دورا مركزيا في انتصار الثورة ونقل السلطة.
لكن ذلك استمر في مدار التجاوب العام وليس النكوص عن تسليم السلطة خاصة بعد إنجاز انتخابات المؤسسة التشريعية المهم جدا, والذي لاقاه الشعب المصري بتقدير كبير وطمأنة تقديرية، في حين لم تتعامل بعض الأطراف الثورية مع هذه المشاعر والدلالات السياسية واستمر التصعيد الذي كان في جوانب منه ينحى إلى حالة فوضوية متصاعدة قابلها بطش عنيف وحملة اتهامات من المجلس لهذه الأطراف.
فيما من الطبيعي أن تتأرجح مواقف هذا المجلس وتوجهات أضلاعه وتقاطعاتهم داخليا أو خارجيا وإعادة قراءة البوصلة التي شهدت بالفعل اضطرابا وتغييرا في المواعيد والخضوع للإرادة الشعبية التي نظمها الثوار لتحقيق دفع أكبر للتسليم المدني للسلطة, فيما يعكس الموقف عدم وجود تصور مركزي شامل للمجلس وتعامله مع ارتدادات الساحة السياسية والذي استعجل منه بالفعل قرارات التفعيل المدني لنقل السلطة.

الهدنة المصرية ومسؤولية الجميع
هذا الجدل الواسع لا يمكن حسمه في تحديد المسؤولية، لكن قضية تهدئة الشارع المدني وصولا إلى توسيع الحراك السياسي المنهجي لتحقيق أهداف الثورة من خلال الخيار الشعبي الديمقراطي خاصة مع قرب الانتخابات الرئاسية أضحى محور إنقاذ مهم, يستدعي من كل الأطراف التعاون على تنفيذه، وهذه الهدنة الاجتماعية كما سماها الرئيس التونسي المنتخب المنصف المرزوقي لتونس حاجتها في مصر أكبر, فلا يمكن أن يضبط مدار سياسي مركزي في ظل اشتعال مستمر للشارع لا يتوقف، وهو ما يفسح الطريق للتدخل الخارجي أو اختراق قوى داخلية معادية للثورة.

لكن هذه الهدنة أيضا تحتاج إلى مساهمة كل أضلاع المشهد الثوري والسياسي المصري، ومن أهمها رفض أي استفراد من المجلس العسكري لأيٍ من القوى الثورية، وهنا تجدر الإشارة إلى تورط الإخوان في قضية التحريض على حركة 6 أبريل واستغلال المجلس العسكري لها, في المقابل يتعرض الإخوان لحملة شرسة عنيفة لا تهدأ تشكك بكل مواقفهم وأحيانا يطعن في موقف لهم ثم يتبين نقيضه ويطعن فيه أيضا من ذات القوى وغياب هذا التوازن وطغيان كراهية وصول الإسلاميين للسلطة ديمقراطيا المختبئ خلف ادعاء تواطئهم الشامل مع العسكر الذي لم يقم عليه دليل فعلي هي أجواء غير صحية لمستقبل مصر.

الإخوان المدرسة أم التنظيم
وهذا لا يلغي أخطاء يرتكبها بعض الإخوان وحتى قياداتهم وتصريحات مضطربة لهم, لكن هذا لا يلغي كل الشهادات المنصفة التي أجمعت على أن صمود شباب الإخوان ومشاركة شهدائهم كانت السبب الرئيس في منع سحق الثورة في موقعة الجمل و28 يناير وما تلاه من مواجهات, 
وأمامهم أيضا مسؤولية تاريخية كبيرة وفاء لشعب مصر وشهدائها بأن يتحلوا بالمسؤولية الفكرية للمشروع الإسلامي الحضاري, الذي لن يستمد روحه وتطبيقاته الدستورية من فكرة الحزب والتنظيم الذي سيظل معتقلا في أزمة تفكير التنظيم التربوي فيما مدرسة الإمام البنا الفكرية تتجاوز هذه الأطر إلى المصلحة الوطنية العليا بمبادئها الإسلامية وهي تقرأ بتواتر من نص خطاباته في المؤتمر الخامس والسادس لطلاب الإخوان, فيما يتفاجأ المراقب من هيمنة عقل التنظيم حتى بعد الفوز الكبير في البرلمان، وهي عقلية قد تفقد الإخوان ثقة الشعب المصري وإنجازاتهم.

ومن أهم هذه الدلائل التي يحتاج الإخوان إلى تغييرها موقفهم المناهض من ترشح مرشح مدرسة الإخوان والائتلاف الوطني والمزاج المصري العام أبو الفتوح الذي أعلنت تيارات عديدة وشخصية الإمام القرضاوي الممثل الأبرز لمدرسة الإخوان الفكرية تأييدهم له كمخرج مناسب لمصر يعبر عن طمأنة لكل التوجهات في مصر مع قدرة شخصية متعددة الجوانب.

ولا شك أن إعلان الجماعة في بداية موقفها حرصها على عدم تسمية الرئيس المصري القادم من صفوفها لمراعاة المشهد الوطني والخارجي هو موقف إيجابي في أصله, لكن حين يتحول أبو الفتوح إلى مرشح وطني توافقي أقوى لمواجهة الفلول والاختراق الأجنبي مع قدرة على تهدئة الملفات الحساسة وقلق بعض الجماعات الوطنية من تطرف الأوضاع فإن أقل ما يمكن أن يتخذه إخوان التنظيم هو فسح الخيار لأبناء الشعب المصري دون التحريض على هذه الشخصية التي يعتقد الكثير أن فرص فتح الثورة لمستقبل مصر ستتعزز مع عبد المنعم أبو الفتوح وربما كان استهدافه لاغتيال جسدي أو سياسي لنقض هذا الفتح.. فهل سيقرأ الإخوان وبقية القوى الدرس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق