الأربعاء، 28 مارس 2012

دستور .. يا أسيادنا! ——– وائل غنيم


دستور مصر ما بعد الثورة هو من أهم المراحل التي سينبني عليها التحول الديموقراطي للوطن، فالدستور هو الأساس الذي تُبنى به القوانين وينظم العلاقة بين الدولة ومواطنيها، ويحدد صلاحيات واختصاصات السلطات. وكأحد أعضاء مجلس أمناء حركة مصرنا كنت أحد المشاركين والموافقين على بيانها والذي يدعو مجلسي الشعب والشورى إلى إعادة النظر في التشكيل المعلن للجمعية، خاصة وأننا الآن في مرحلة حرجة أحوج فيها إلى التوافق لمصلحة وطننا الغالي. 


وبشكل موضوعي، بعيدا عن الاستقطاب الأيدولوجي السائد الآن بين كثير من السياسيين، فمن وجهة نظري الشخصية هذه أهم الملاحظات على آلية ونتيجة تشكيل الجمعية التأسيسية:  


١- الإجراءات تمت في استعجال غير مبرر لانتخاب الأعضاء برغم وجود فرصة ستة أشهر لاختيار الشخصيات المشاركة. وبعيدا عن إساءة الفهم من بعض القوى السياسية لمبررات ذلك، وحتى لو أحسنا الظن، فما هو الداعي لهذه العجلة؟ 


٢- قام العديد من الخبراء والمستشارين بتقديم تصورات لأسس يتم بناء عليها اختيار الأعضاء المائة، ومنها الاقتراح الذي قدمه الدكتور معتز عبدالفتاح ممثلا عن بيت الحكمة، ولكن الأمر انتهى بنا إلى عدم وجود أي معايير (على الأقل مُعلنة) يتم بناء عليها الاختيار.  


٣- ظهر جليا يوم الانتخاب آثار الاستعجال ومنها وجود الكثير من المرشحين التي لم يعرف النواب عنهم سوى اسم الشخص الثلاثي، وكذلك ظهر جليا الاتفاق المسبق بين نواب حزبي الأغلبية على اختيار شخصيات بعينها دون أخرى بمعايير غامضة ولكن الكفاءة في اعتقادي لم تكن أهمها. 


٤- بالرغم من علمي المسبق بقرار المجلسين بأن يكون 50% من اللجنة من النواب، ففي رأيي المتواضع هذا نوع من تضارب المصالح، لأن النواب طرف في المصلحة الوقتية بصفتهم، ونحن بشر وقراراتنا في كثير من الأحيان تتأثر بمصالحنا الشخصية وبعض دول العالم تضع شروطا من نوعية أن يُحرم المشارك في صياغة الدستور من العمل العام لمدة خمسة سنوات لضمان عدم تضارب المصالح. فمصلحة أعضاء مجلسي الشعب والشورى ستقتضي زيادة صلاحيات المجلسين مقابل السلطات الأخرى وعدم اتخاذ أي قرارات من قبيل إعادة الانتخابات إذا حدث تعديل جذري في شروط وآليات الترشح لانتخابات مجلسي الشعب والشورى، أو حتى قرار إلغاء مجلس الشورى (وهو محل نقاش مصري وطني من فترة طويلة). ولذا كان من الأولى أن تكون نسبة النواب أقل المستطاع لتلافي هذا التضارب المحتمل في المصالح.  


٥- إضافة على ذلك هذه الجمعية من المناط بها أن تنعقد بشكل مستمر لعدة شهور لتخرج لنا بدستور يحدد لنا مسار حياتنا، والكثير من النواب المشاركين في الجمعية هم من أصحاب المهام الإدارية الحيوية في مجلسي الشعب والشورى (رئيس المجلس - وكلاؤه - وكلاء بعض اللجان ورؤسائها ….) فكيف سيستطيع النواب التوفيق بين كل هذه المهام شديدة الأهمية؟ 


٦- بدا واضحا في الجمعية ظهور الكثير من المواءمات والموازانات والتي تم على أساسها اختيار بعض الشخصيات البرلمانية والعامة التي لا تُمثل أفضل ما في مصر في مجالاتهم. 


٧- غابت المرأة المصرية بشكل واضح عن الجمعية، فتمثيل السيدات يمثل 6% في مجتمع نصفه من النساء، وكان هذا الغياب غير مفهوم خاصة ومصر بها الكثير من القيادات النسائية.  


٨- مُثل الشباب في الجمعية تمثيلا ضعيفا، وبدا واضحا أن الشباب الممثل (في ما عدا أحمد حرارة) هم ممثلين لتيارات سياسية أو فكرية. ونظرة إحصائية بسيطة على الشباب تحت سن الثلاثين في مصر، تجعل من المهم أن نوليهم دورا يستحقونه في صياغة مستقبلهم الذي بدأوه هم بالمخاطرة بحياتهم والوقوف في الصفوف الأمامية للثورة على مدار الـ 18 يوما. 


٩- الجمعية خلت من أسماء أي من العلماء المصريين المرموقين في الخارج (والمصريون في الخارج يمثلون 10% من الشعب المصري)، واقتصر اختيار الجمعية على أحد الكوادر الممثلة لتيار الأغلبية في الخارج. 



في النهاية، كل ما ذكرت لا يعبر سوى عن رأيي (ورأي القارئ إن اقتنع)، ودورنا ألا نقف موقف المتفرج في مرحلة هي من أصعب المراحل في تحولنا الديموقراطي، بل دورنا هو المشاركة والمساعدة والنقد البناء.


وأتمنى أن يراجع مجلسي الشعب والشورى موقفهما من الجمعية وآليات تشكيلها، وأن تحوي القائمة النهائية على من تعتقد اللجنة أنهم أفضل من في مصر تمثيلا لمجالاتهم العلمية وتياراتهم السياسية و الدينية وخبراتهم القانونية والميدانية بعيدا عن الاستقطاب والمواءمات والتكتلات الحزبية الضيقة، فهذا الدستور هو دستور كل المصريين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق