الثلاثاء، 6 مارس 2012

حملة أبوالفتوح: انصهار الأيديولوجيات أم إرضاء الجميع؟…….. أميرة هويدي


تبرز أهمية حملة عبدالمنعم أبوالفتوح ليس فيما تقوم به على الأرض، وإنما بسبب التنوع غير العادى واللافت للنظر فى الخلفيات السياسية للقائمين عليها بشكل رئيسى. «الشروق» تلقى الضوء على بعض رموز الفريق الذى يجمع أضداد القوى السياسية خلف رجل قضى 24 عاما من عمره داخل الإخوان المسلمين ثم قرر ان يترشح كمستقل بعد فصله من الجماعة. 

اليسار: رباب المهدى 37 عامًا

أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة التى بدأت نشاطها السياسى منذ أن كان عمرها 19 عاما، هى المستشار السياسى لأبوالفتوح والسيدة الوحيدة التى تشغل هذا المنصب فى كل الحملات الانتخابية.

فى الصيف الماضى رتب صديق مشترك لقاء جمعها بأبوالفتوح والقت عليه سؤالين حول المرأة والاقباط، وكانت إجابته «مثالية». وجدت المهدى نفسها بعد اللقاء الثالث تتعامل مع أبوالفتوح كمستشارته السياسية، دون أن يعرض ودون أن تسعى لذلك وكأن واقعا ملائما للطرفين فرض نفسه بشكل طبيعى. الذى حدث حقيقة أن المهدى اجتمعت بأعضاء حملته، شباب «الإخوان سابقا» وأدركت، كما تقول، إنهم على «نفس الموجة».

ولأن أحد أهم طموحاتها السياسية هو تجاوز الاستقطاب العلمانى ـ الإسلامى، حتى لا يتحول إلى مشروع ثورى مضاد للإصلاح والإبقاء على الوضع الراهن، ولكى تتم هيكلة التغيير الاقتصادى على أساس المساواة وتحقيق الكرامة الإنسانية، وجدت المهدى ضالتها فى الحملة. فهى ترى أنها الوسيلة البديلة لنقل الخطاب العام من قضايا ثانوية لا تشغل سوى النخبة، إلى قضايا حقيقية تؤثر على غالبية المصريين. وهذا لأنها ترى فى أبوالفتوح «شيئا» من «الإسلام اليسارى» قد يحقق مكتسبات ثورية على الأرض.

يظهر فى تحليل المهدى ـ وهى أكاديمية مخضرمة دَرَسَت فى «ييل» أحد أهم الجامعات فى العالم العام الماضى ـ إعجابها بمجموعة «الإخوان سابقا» بالحملة الذين «يمثلون معنى اليسار كما ينبغى أن يكون: انحيازا واضحا وصريحا للشخص الأضعف الذى يتم استغلاله، وبأن الجماهير هى المحرك الرئيسى للتغيير وحركة التاريخ». وتضيف «هؤلاء ليسوا شيئا مستوردا، هم أبناء هذا البلد، حيث يعيشون وبخلفيتهم التعليمية. هم بالضبط نموذج الطبقة المتوسطة والمتوسطة الدنيا». وبعد مرور أكثر من سبعة أشهر من العمل معهم، لا تزال المهدى معجبة «بتلك الطاقة التى لا أستطيع وصفها. أحيانا أبدأ جملة، وأجدهم يقومون بإنهائها». فشباب الإخوان سابقا لم يتركوا الجماعة لأن لديهم مشكلة مع الإسلام أو التيار الإسلامى، «بل لأنهم أكثر ثورية من التنظيم».

من أهم تأثيرات المهدى على الحملة مجهودها الخاص بكتابة البرنامج الذى كانت تعكف عليه عند إجراء هذا اللقاء، الذى يقوم على ثلاثة أسس: إصلاح النظام السياسى عن طريق الديمقراطية التشاركية (التى تسمح للناخب عبر أطر مختلفة أن يشارك فى القرار حتى بعد انتخاب من يمثله)، العدالة الاجتماعية والتحرر الوطنى. وهى ذات القضايا التى تمثل نواة مشروعها السياسى.

على المستوى النظرى، قد يكون مشروعها مثاليا سياسيا، ولكن عندما يحين وقت التصويت، هل هذا هو ما تريده مصر؟ تقول المهدى: «لا أعلم إن كان أبوالفتوح سيفوز أم لا، لكننى أعتقد أن هذا المشروع هو ما تحتاجه مصر. وإن لم يكن كذلك، تقديرى هو أن مصر فى حاجة إلى فكرة التعددية والتركيبات السياسية الجديدة المتخطية لتقسيمات ما قبل 25 يناير». وتعترف المهدى بالنسبة لهم، هناك مشروع سياسسى «جزء منه، وليس كله، حملة الرئاسة. وحتى إذا لم يفز فإننا سنبنى على الأصوات التى سيحصل عليها أبوالفتوح فى تأصيل هذا المشروع. وإذا فاز سوف يكون له تبعات تطبيقه».

الإخوان سابقًا: محمد عثمان 31 عامًا

يجلس عثمان على طاولة فى مقهى بالمهندسين ويحتسى فنجان الكَبتشينو الذى تركه يبرد لأنه اندمج فى شرح أسباب تركه للإخوان، انضمامه لحملة أبوالفتوح، وإيمانه بالمشروع السياسى الجديد الذى يعتقد أنه يتشكل من خلال الحملة. يتحدث بصوت منخفض وكلمات سريعة بين ابتسامات متقطعة. هو مدير اللجنة السياسية فى حملة أبوالفتوح وعمله يقتضى أن ينسق مواقف مرشحه بحيث تكون تصريحاته ومواقفه السياسية وأداؤه الإعلامى وبرنامجه معبرة عن خطه السياسى بـ«شكل متكامل». هو يملك صيديلة بالهرم ويقتسم وقته بينها وبين الحملة التى تفرغ لها منذ الصيف الماضى كمتطوع.

قد تبدو المسافة بين ما يفعله الآن الذى كان يقوم به فى جماعة الإخوان التى انضم اليها فى سن الخامسة عشرة وتدرج فيها حتى أصبح عضو قسم الطلبة باللجنة السياسية وأمين عام نقابة الصيادلة بـ6 أكتوبر، ليست كبيرة، خاصة أن المدى الزمنى بينهما أقل من عام. لكن الحقيقة أن ما حدث لعثمان وكثيرين من زملائه الذين باتوا يعرفون اليوم بـ«الإخوان سابقا» تحول سياسى نوعى جدير بالاهتمام، لأنه أحد تجليات إعادة رسم الخريطة السياسية المصرية منذ الثورة، التى تتحدى الكثير من المسلمات الخاصة بالقوالب الأيديولوجية.

يقول عثمان إنه منذ قيام الثورة وعلاقته بالإخوان بحاجة «إلى حسم» بعد أن ضعفت قناعته بالجماعة قبلها بعامين، وذلك بسبب اختلافه معهم حول «آليات اتخاذ القرار غير الديمقراطية»، رؤيتهم للتغيير وللحركة فى الشارع. فبينما حرص قادة الجماعة على تجنب التصعيد مع النظام، مع الإبقاء على الوضع الراهن، كان شباب الإخوان على شاكلة عثمان، يؤمنون بقدرة الجماعة على تغيير الوضع من خلال الشارع.

ومع تفاعله هو ورفاقه مع الثورة منذ يومها الأول، تحول نظر عثمان بعيدا عن التنظيم وانضم لمجموعات إخوانية شبابية كانت تعقد جلسات لمناقشة قنوات عملهم السياسى فى المرحلة القادمة، وكان الكلام فى اتجاه تكوين حزب، تطور بعد ذلك لفكرة مشروع سياسى «تيار وطنى جديد، وسطى، متصالح» حتى اقترح أحدهم فكرة مرشح رئاسة «يجمع كاريزما عمرو موسى ونزاهة محمد البرادعى» ومن هنا جاءت فكرة ترشح أبوالفتوح للرئاسة.

فى شهر يونيو الماضى تم التحقيق ثلاث مرات مع عثمان داخل الإخوان بتهمة: السعى لتأسيس حزب سياسى ودعم أبوالفتوح. وتم فصله فى 29 يوليو، لكنه كان مشغولا بالحملة التى انتظم فيها منذ مايو التى كانت فى تخبط بسبب عدم وضوح الرؤية تماما، خاصة فى الجانب الاقتصادى. لكن بحلول يونيو بدأت تتضح معالم المشروع السياسى الذى يعمل عثمان الآن عليه من خلال الحملة التى دخلت مؤخرا مرحلة من الجدية باتت تسيطر على كل من فيها. فهل طغت الحسابات الانتخابية للحملة على المشروع السياسى؟ يقول عثمان إن هناك ضغطا للوقت، لكنهم يحاولون أن تحمل منتجات الحملة ملامح المشروع المتمثل فى أربع نقاط: علاقة متصالحة مع الدين، ديمقراطية لأقصى درجة والقبول بحقوق كل شرائح المجتمع، العدالة الاجتماعية واستقلال القرار فى السياسة الخارجية.

يقول عثمان إن المدة التى أمضاها فى الحملة أثرت خبرته السياسية كما ساعدت فى تفكيره وكيفية اتخاذ موقف سياسى، بعد أن كان أقصى شىء يقوم به هو إصدار «محافظ» بيان فى الجامعة. وكيف يصنف نفسه الآن؟ يضحك ويقول: «كنت أحسب نفسى على يسار الإخوان عندما كنت فى الجماعة. الآن لا أريد تصنيف نفسى. والمشروع الذى أعبر عنه هو ما يمثلنى، ولا أعرف له اسما». 

المدير: محمد الشهاوى 40 عامًا

عندما تلقى الشهاوى تكليفا من الإخوان فى 24 يناير الماضى يفيد بأن المشاركة فى مظاهرات 25 يناير اختيارية، اختار هو من معه النزول، وظلوا فى الميدان حتى 11 فبراير. ولكن أثناء الـ18 يوما، ألح على الشهاوى هاجس (اكتشف بعد ذلك أنه خاطئ) إن الثورة بلا قيادة، وكان يتصل بأبوالفتوح، رغم أنه لم يكن قريبا منه، ويقول له أشياء مثل «الميدان فى حاجة إليك». وتطور الأمر لديه بعد تنحى مبارك حيث سيطرت عليه فكرة البناء على النجاح الذى حققته الثورة.

واستهوته الفكرة التى كانت تتداول آنذاك فى جلسات شباب الإخوان، لإنشاء حزب سياسى «من تحت إلى فوق» لأنهم خلال الـ18 يوما «اكتشفنا أنفسنا وأعدنا اكتشاف الشباب المصرى ورأينا وطنيين مخلصين نستطيع التواصل معهم» بعد أنا كانوا فى الإخوان «منغلقين على أنفسنا بعض الشىء». ومع طرح فكرة ترشح أبوالفتوح، نحيى الشهاوى جانبا فكرة الحزب وانشغل بجمع أنصاره تحت ما كان يسمى بحملة دعم ترشح أبوالفتوح، وذلك قبل أن يقرر الرجل الترشح فعلا. فكان مديرا للحملة قبل ان تبدأ.

مضى أكثر من عشرة أشهر على ذلك اليوم، ويقول الشهاوى إن للحملة الآن أكثر من خمسة آلاف متطوع فى قاعدة البيانات «نستطيع أن نأتى بهم فى أى لحظة»، وفرق عمل فى 20 محافظة بما فى ذلك 16 مقرا للحملة. وبشىء من الفخر، فتح حاسوبه المحمول ليقدم عرضا قصيرا عن الحملة وهيكلها وتطورها. يقول «نحن الآن فى مرحلة العمل الجماهيرى» التى تتيح للمؤيدين مساعدة أبوالفتوح من مواقعهم دون التحرك من خلال الحملة، فيمكنهم تنظيم مؤتمر جماهيرى له مثلا أو طبع منشورات تروج له لتوزعيها.

مدير حملة أبوالفتوح أصلا طبيب بشرى ـ كمرشحه ـ لكنه اتخذ مسارا مهنيا مختلفا فى التسويق والمبيعات، ويعمل مديرا قطريا لشركة عالمية متخصصة فى التكنولوجيات. يحضر لرسالة الدكتوراه تحت عنوان: الإدارة السياسية فى مصر بعد 25 يناير، التى أوقفها مؤقتا بسبب الحملة. إخوانى «سابق» من القيادات الوسيطة، فصل أيضا بسبب دعمه لأبوالفتوح بعد أن قضى نصف عمره فى الجماعة، يبدو الشهاوى مؤهلا لإدارة حملة انتخابية رئاسية لأول مرة فى حياته. فاهتمامه بالإدارة وبالتالى «القيادة» الذى سيطر عليه فى ميدان التحرير، انعكس على الهيكل الإدارى الذى على أساسه تسير الحملة ـ رغم بعض المطبات ـ وتتطور منذ أشهر. يقول إنه «بالطبع» قرأ أهم ما نشر فى الكتب عن التسويق السياسى، وأن الحملة تتلقى نصائح وخبرات من حول العالم، لكن «الثورة» هى أكثر شىء ألهمهم. «فكرة التواصل الحر مع الناس، دون هياكل هرمية، والجميع سواء».

الآن استقرت الأمور فى الحملة لكن ما بدأ كفكرة بعيدة المنال منذ عام، تحولت الآن لشىء شديد الجدية، لم يكن يتصوره. ما بين عمله الأصلى وإدارته للحملة، وسفره الكثير، ينام الشهاوى ما بين 4 أو 5 ساعات فقط، ولا يقضى عطلة نهاية الأسبوع منذ 9 أشهر. «أحيانا أسال نفسى فى الليل وأنا أضع رأسى على المنضدة: ما الذى فعلته بنفسى؟» يقولها وينفجر ضاحكا «فهو لا يعنيها، حقا».

الليبرالى: على البهنساوى 30 عامًا

أثار انضمام البهنساوى، الصحفى المتخصص فى الشئون الاقتصادية فى الصحافة الانجليزية لحملة أبوالفتوح الصيف الماضى كمستشاره الإعلامى استغراب بعض زملائه الصحفيين. فالشاب الذى يتحدث الانجيلزية بلكنة أمريكية واضحة لم يبد كثير الاهتمام بالسياسية المصرية. لكنه كان قد ترك عمله بشركة IBA التى تصدر مجلات ايجبت توداى وبيزنيس توداى الشهرية، ليدير الإعلام فى المركز الصحفى الدولى فى 2010 ليشهد الانتخابات البرلمانية، ثم الاستفتاء على التعديلات الدستورية فى مارس 2011، وقرر آنذاك انه يريد العمل فى مجال الانتخابات. لذلك عندما ذكر له جاره أن حملة أبوالفتوح تبحث عن مستشار إعلامى، أبدى اهتمامه، لكنه لم لكن يعرف عن الرجل سوى أنه قيادى إخوانى. ثم شاهده بعد ذلك فى لقاء تليفزيونى وقرر أن يجرى بحثا عليه على محرك «جوجل» وفوجئ بمشادته مع السادات أيام كان طالبا جامعيا. وعندما التقاه بعد ذلك فى منزله، وجد «رجلا متواضعا يسأل أسئلة ويستمع جيدا». فى يونيو ذلك عرض عليه أن يكون مستشاره الإعلامى، فوافق على الفور، ليصبح الرجل الجاد الذى يرتدى «بدل غامقة» ويشير لمرشح «محتمل» للرئاسة بما هو «جيد» إعلاميا للحملة.

يصف البهنساوى نفسه بأنه «إنسانى أكثر من ليبرالى، لكننى ليبرالى فى النهاية».

ورغم أنه مقنتع بأبوالفتوح كمرشح للرئاسة، وجود البهنساوى فى الحملة معنى بالحصول على خبرة عملية فى هذا المجال. فهو متابع جيد للانتخابات الأمريكية ويصف وسائل التسويق الأمريكية بأنها «الأفضل». وفى نوفمبر الماضى نشر كتابه: كيف تدير حملة انتخابية ناحجة؟ الذى وصفه بعض النقاد بأول إصدار عن الحملات الانتخابية فى مصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق