الخميس، 22 مارس 2012

نحــــــن وطنيـــــــون………بقلم : حسن البنا

 مقال للإمام الشهيد المؤسس حسن البنا الذي كتب كافتتاحية العدد (139) من جريدة الإخوان المسلمين اليومية الصادر في 20 ذو القعدة سنة 1365هـ الموافق 15 أكتوبر سنة 1946م

—————————————–

أول ما بدأت فكرة الإخوان ودعوتهم في الظهور والتركز ، وكان ذلك في سنة 1927م و 1928م الميلادية ، كان هدفها الأول مقاومة تيار الإلحاد والإباحية التي قذفتنا به أوروبا والتي أخذ كثير من الكتاب والهيئات والحكومات يروج له ويعجب به ويدعو إليه دعوة قوية عنيفة اضطربت لها نفوس الغيورين على ما بقي من تعاليم الإسلام وزلزلت زلزالاً شديدًا.

وكانت وسيلة الإخوان إلى هذا المعنى تكوين جبهة من النفوس المؤمنة الفاهمة لتعاليم الإسلام فهمًا صحيحًا تعمل على تطبيقه في نفسها وفي كل ما يحيط بها وتدعو إليه غيرها.


وتقدم الزمن بالدعوة وأهلها فاصطدمت بهذه الأوضاع الفاسدة في طرائق الحكم ووسائله وأساليبه في مصر، ورأت أن الإسلام الحنيف يعتبر الحكم الصالح جزء من تعاليمه ويضع له قواعده ونظمه وأساليبه ووسائله وحدوده وأنه يجعل من واجبات المسلمين أفرادًا وجماعات أن يعملوا على إيجاد الحكومة الصالحة ، ولهذين السببين: تعذر قيام إصلاح اجتماعي مع وجود حكومات غير صالحة، واعتبار الإسلام العمل لإصلاح الحكم فريضة من فرائضه، لهذين السببين أدخل الإخوان المسلمون في برنامجهم العمل لإصلاح الحكم بإقامته على دعائم من توجيه الإسلام، لا العمل للحكم نفسه، وشتان ما بين الوضعين.

وكانت الوسيلة إلى ذلك الكتابة والنصح والمذكرات بعد المذكرات للحكومات المتعاقبة في كل الشئون الحيوية الهامة.
وتقدم الزمن بالدعوة وأهلها مرة أخرى فوجدوا أنه من المستحيل أن تقوم في مصر أو غيرها من الأقطار الإسلامية حكومة صالحة مادام هذا الاستعمار الأجنبي جاثمًا على صدر هذه الشعوب، والحكومات يأخذ بمخانقها ويحول بينها وبين الحرية والعزة والكرامة والرقي، كما وجدوا أن الإسلام قد فرض على أبنائه أن يعيشوا أحرارًا كرامًا، وألا يسمحوا لأحد كائناً من كان أن يدوس أرضهم أو يطأ بلادهم أو يتحكم في شئونهم، وأوجب عليهم حينذاك أن يجاهدوا من حاول هذا معهم بالأنفس والأموال، وجعل الجهاد عليهم في هذه الحالة فريضة عين لا يغني فيها أحد عن أحد.

ولهذين السببين كذلك : تعذر قيام حكومة صالحة في ظل الاستعمار، وافتراض الإسلام الجهاد في سبيل الحرية على أبنائه، أدخل الإخوان المسلمون في برنامجهم العمل على مقاومة الاستعمار وتحرير أرض الوطن من موبقاته وخبائثه لا ليكون جزاؤهم على هذا وهدفهم من ورائه أن يحتلوا هم مكانه من التحكم والسلطان واقتعاد كراسي الحكم ولكن لتظفر الأمة والحكومة بحريتها وعزتها وكفى ، فيقوم فيها حكم صالح يفسح المجال لإصلاح اجتماعي صالح ، وكانت وسيلة الإخوان ومازالت في مقاومة الاستعمار تذكير الأمة بمجدها وإذكاء روح الحماسة والقوة في أبنائها ومطالعتها بسوء آثار هذا الاستعباد في مرافق حياتها وإرشادها والعمل معها بكل وسيلة مشروعة في هذا السبيل.

وحين اشتمل برنامج الإخوان على هذه المعاني كان الإخوان يتمنون أن يعملوا لها وأن يوفقوا إلى تحقيقها ، لا لوادي النيل وحده ، ولكن في كل قطر من أقطار العروبة والإسلام التي نكبت بمثل ما نكب به هنا الوادي تمامًا من الفساد الاجتماعي والفساد الرسمي بفعل هذا الاستبعاد الأجنبي ، وذلك بحكم أن عقيدة الإخوان الإسلامية تجعلهم يقرون بالأخوة الكاملة لكل مسلم مهما كان وطنه وأرضه ، ويحبون الخير لكل إنسان في الأرض ، والله يقول لنبيه "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" .

وحين أخذ الإخوان يعملون لتحقيق هذا البرنامج الواسع لم يخطر ببالهم أنهم حزب سياسي، أو أنهم يسلكون سبل الأحزاب السياسية إلى تحقيق هذه الأهداف، كما لم يخطر ببالهم أن يناوئوا حزبًا أو يخاصموه أو يحتكوا به لأنهم يرون في دعوتهم متسعًا للجميع، ويرونها أكبر من أن تقف موقف الخصومة الحزبية من أحد.

وحين بدا لهم أن يخوضوا معركة الانتخابات البرلمانية لم يريدوا أن يكون ذلك باسم الهيئة، بل أصدرت الهيئة قرارًا بالإذن لمن شاء من الإخوان أن يرشح نفسه بذلك على أن يكون بصفته الشخصية لا بصفته الإخوانية، حرصًا على ألا تقحم الهيئة بصفتها العامة في خصومة الأحزاب السياسية.

كما لم يريدوا من وراء نجاحهم في هذا الميدان أكثر من أن يعملوا لبرنامجهم بأقرب الوسائل الرسمية، وسيلة التشريع في البرلمان .
ومن كل هذا الذي تقدم يبدو الفرق الواسع بين الوطني والسياسي ، فالوطني يعمل لإصلاح الحكم لا الحكم ، ولمقاومة المستعمر للحصول على الحرية لا ليرثه في السلطة ، ولتركيز منهاج وفكر ودعوة ، لا لتمجيد شخص أو حزب أو هيئة ، ولهذا يحرص الإخوان المسلمون على أن يكونوا دائمًا وطنيين لا سياسيين ولا حزبيين، ولقد انغمر الإخوان في محيط العمل الوطني وساهموا فيه أعظم المساهمة في الفترة الأخيرة بمناسبة انتهاء الحرب وتحفز الأمم والشعوب للحصول على حقوقها المغصوبة باعتبار أنها الفرصة السانحة التي لا يمكن أن تعوض وأن هذا هو موسم العمل لهذه الناحية بالذات .

وحاولت بعض الهيئات والجرائد والمجلات أن تصور هذا النشاط بأنه خروج من الإخوان عن برنامجهم وتعرض لما لا يعنيهم، وأنه خلط بين الدين والسياسة وفاتهم أنه إذا كان العرف قد جرى في مصر على أن السياسة مهنة لبعض المحترفين، فإنه ليس في الدنيا عرف يحرم الوطنية على المواطنين وأن الوطنية أجمل ما تكون إذا اقترنت بالدين ، فحدث إذن عن نتائجها الباهرة ولا حرج.

ومن هنا كان الإخوان يضربون صفحًا عن مقابلة تهجم الأحزاب أو الهيئات عليهم بتهجم مثله، لأن مهمتهم تقويم هذا البناء المعوج لا مجاراته على عوجه.

ومن هنا كذلك كانوا على استعداد كامل دائمًا لوضع يدهم في أيد أية هيئة تعمل لصالح هذا البلد أو لخير الدين أو الوطن، وكانوا أسبق الناس في ترديد الدعوة إلى الوحدة وضم الجهود، وبخاصة في مثل هذه الظروف التي تقرر فيها مصائر الأمم، وتعرض قضايا الشعوب والأوطان، ولكنهم في هذه الأوضاع كلها سيكونون كما رسموا لأنفسهم وطنيين فقط، لا سياسيين ، ولا حزبيين ، والعاقبة للمتقين ، "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ".

حسن البنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق