الاثنين، 12 مارس 2012

الخطاب الأخير لحسن البنا!! …….. بقلم: حسين القباني

 في مساء 12 فبراير 2012م مرَّ 63 عامًا على استشهاد حسن البنا الزعيم السياسي، والمفكر الديني، والقائد لأكبر الحركات السياسية المعروفة في العالم باسم جماعة الإخوان المسلمين، وأتخيل في هذه الأيام الصعبة التي مرَّ عام فيها على ذكرى تنحي الرئيس المخلوع بسبب ثورة 25 يناير أن الإمام حسن البنا- رحمه الله- وقف في جموع إخوانه ومحبيه ليقول مما قاله في الماضي في مؤتمراته ورسائله، ووجه خطابه للإخوان المسلمين قائلاً:


"أيها الإخوان… نقف لنحيي الماضي ونطالع المستقبل، ثم نتابع خطوات الجهاد في سبيل الغاية المقدسة حتى يأتي أمر الله فإلى الأمام دائمًا، مرحلة بعد مرحلة في توفيق وسداد بإذن الله، والله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا" (1)

هكذا أيها الإخوان أراد الله أن نرث هذه التركة المثقلة بالتبعات، وأن يشرق نور دعوتكم في ثنايا هذا الظلام، وأن يهيئكم الله لإعلاء كلمته وإظهار شريعته وإقامة دولته من جديد (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)) (الحج)

أيها الإخوان: لقد دعوتم وجاهدتم، ولقد رأيتم ثمار هذا المجهود الضئيل: أصواتًا تهتف بزعامة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهيمنة نظام القرآن، ووجوب النهوض للعمل، وتخليص الغاية لله، ودماء تسيل من شباب طاهر كريم في سبيل الله، ورغبةً صادقةً للشهادة في سبيل الله، وهذا نجاح فوق ما كنتم تنتظرون، فواصلوا جهودكم واعملوا، (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)) (محمد).
أيها الإخوان: "لا يحب الإخوان أن يخلطوا البناء بهدم، وفي ميدان الجهاد متسع للجميع"(2).

أيها الإخوان: "إن الناس يعيشون في أكواخ من العقائد البالية، فلا تهدموا عليهم أكواخهم ولكن ابنوا لهم قصورًا من العقيدة السمحة، وعليه سوف يهجرون هذه الأكواخ إلى هذه القصور"(3).. و"علينا إفهام الناس أن السياسة والحرية والعزة من أوامر القرآن، وأن حب الأوطان من الإيمان"(4)… و" نريد النهوض بالرجل والمرأة جميعًا، وإعلان التكامل والمساواة بينهما، وتحديد مهمة كل منهما تحديدًا دقيقًا"(5).

أيها الإخوان: "نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه القلوب أن تذهب فداءً لعزتهم إن كان فيها الفداء، وإنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان، فنحن نعمل للناس في سبيل الله"، " فنادوا في قومنا.. نحن لكم لا لغيركم، ولن نكون عليكم يومًا من الأيام".

أيها الإخوان: "إن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التي تحاول هذا أو من الفئة التي تدعو إليه على الأقل إلى قوة نفسية عظيمة تتمثل في عدة أمور: إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف، ووفاء ثابت لا يعدو عليه سكون ولا غدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه، والمساومة عليه والخديعة بغيره".

أيها الإخوان: "الصوت الانتخابي من حقِّ الوطن، فلا يصح أن يتأخر قادرٌ عن إبداء صوته في قضية هي من أمس القضايا بالواجبات الوطنية، فاحرصوا على أداء الواجب ولا تعطلوا أصواتكم ولا تهملوها، ويجب أن تعلموا أن إعطاء الصوت شهادة يسأل الإنسان عنها، فحكموا ضمائركم وعقولكم، وكونوا أحرارًا في مناصرة الحق، شجعانًا في اختيار الأصلح.. لا تغلبنكم المجاملات والعواطف؛ فإن مصلحة الوطن فوق كل اعتبار".

أيها الإخوان: "ستنتهي الانتخابات وتبقى الحزازات أو المجاملات، فلأن يبقى المعروف بينكم خير، ولا تنسوا الفضل بينكم في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة والتساند"(6).

أما أنتم أيها الإخوان: فـ" حتى الآن نحن نعيش الدعوة على هامش الحياة، ولن نكون إخوانًا مسلمين بحقٍّ حتى نعيش الحياة على هامش الدعوة".
أيها الإخوان: "ميدانكم الأول أنفسكم، فإذا انتصرت عليها كنت على غيرها أقدر، وإذا أخفقتم في جهادها كنت على سواها أعجز، فجربوا الكفاح معها أولاً".

أيها الإخوان: "آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه والاستناد إليه فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه، وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الأتقياء الصالحين، وأقبلوا على القرآن تدارسونه وعلى السيرة المطهرة تتذكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين، فإذا هدى الله قومًا ألهمهم العمل، وما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، وتحابوا فيما بينكم، واحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم، واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين..".

أيها الإخوان: "ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الواقع في أضواء الخيال الزاهية البراقة، ولا تميلوا كل الميل فتذروها كالمُعلقة، ولا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة ولكن غالبوها واستخدموها وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على ببعض، وترقبوا ساعة النصر وما هي منكم ببعيد".

أيها الإخوان: "يعمل الإخوان المسلمون لغايتين: غاية قريبة يبدو هدفها وتظهر ثمرتها لأول يوم ينضم فيه الفرد إلى الجماعة، أو تظهر الجماعة الإخوانية فيه في ميدان العمل العام، وغاية بعيدة لا بدّ فيها من ترقب الفرص وانتظار الزمن وحسن الإعداد وسبق التكوين".
فأما الغاية الأولى فهي المساهمة في الخير العام أيًّا كان لونه ونوعه، والخدمة الاجتماعية كلما سمحت بها الظروف، أما غاية الإخوان الأساسية.. أما هدف الإخوان الأسمى.. أما الإصلاح الذي يريده الإخوان ويهيئون له أنفسهم.. فهو إصلاح شامل كامل تتعاون عليه قوى الأمة جميعًا، وتتجه نحوه الأمة جميعًا، ويتناول كل الأوضاع القائمة بالتغيير والتبديل".

"أيها الإخوان إني لا أخشى عليكم الدنيا مجتمعة فأنتم بإذن الله أقوى منها، ولكني أخشى عليكم أمرين اثنين: أخشى عليكم أن تنسوا الله فيكلكم إلى أنفسكم أو أن تنسوا أخوتكم فيصير بأسكم بينكم شديدًا".

أيها الإخوان المسلمون، اسمعوا:
"أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم، فلعل ساعات عصيبة تنتظرنا يحال فيها بيننا وبينكم إلى حين، فلا أستطيع أن أتحدث معكم أو أكتب إليكم، فأوصيكم أن تتدبروا هذه الكلمات، وأن تحفظوها إذا استطعتم، وأن تجتمعوا عليها، وإن تحت كل كلمة لمعانٍ جمة".

أيها الإخوان.. أخيرًا
"لا تيأسوا فليس اليأس من أخلاق المسلمين، وحقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد، وما زال في الوقت متسع، وما زالت عناصر السلامة قوية عظيمة في نفوس شعوبكم المؤمنة، رغم طغيان مظاهر الفساد، والضعيف لا يظل ضعيفًا طول حياته، والقوي لا تدوم قوته أبد الآبدين".
-----------------------------------------------------
المراجع
1- جريدة الإخوان المسلمون اليومية"، العدد (720)، السنة الثالثة، 3 ذو القعدة 1367هـ- 6 سبتمبر 1948م.
2- رسالة المؤتمر الخامس.
3- الإخوان المسلمون.. كبرى الحركات الإسلامية" د. توفيق الواعي، صـ129.
4- رسالة اجتماع رؤساء المناطق.
5-  رسالة بين الأمس واليوم.
6- نقلاً عن مجلة الإخوان المسلمين، العدد (3)، السنة الرابعة، 7 صفر 1355هـ- 28 أبريل 1936م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق