الثلاثاء، 11 يناير 2011

أفكار فى إدارة الذات …… عمرو عبدالكريم

يرى العلماء من خلال دراسة أعدت أن نسبة الذي يخططون لحياتهم لا تصل إلى نسبة 3 % من مجموع الناس كلهم، وأن هذه النسبة القليلة هي التي تقود المجتمعات في مجالات الحياة المختلفة.
في دراسة أعدتها جامعة هارفارد الأمريكية عام 1970 سألوا فيها مائة طالب عن خططهم في المستقبل وما إذا كانت لديهم خططا واضحة؛ ثلاثة فقط من المائة أجابوا بالتفاصيل عن خططهم المستقبلية؛ أما البقية فلم يعرفوا ما الذي يريدون تحقيقه في حياتهم … بعد عشرين عاما قامت الجامعة بالبحث عن هؤلاء المائة طالب فوجدت الثلاثة هؤلاء يملكون أكثر من 90% من 
ممتلكات المائة كلهم، (من كتاب صلاح الراشد، كيف تخطط لحياتك؟).

يعني التخطيط في أبسط معانيه: وضع أهداف محددة في برنامج عمل قابل للتنفيذ؛ وتحديد الخطوات والإجراءات التي تقود إلى تحقيق هذه الأهداف.فالتخطيط محاولة لرسم صورة واضحة للمستقبل وتحديد الخطوات الفعالة للوصول إلى هذه الصورة.
والنجاح أمر تمتزج فيه ثلاثة أشياء: الرغبة والمعرفة والمهارة: 
  • أما الرغبة فهي توفر الدافع والحافز والميل النفسي لعمل هذا الشيء؛ أما المعرفة فتشير إلى التمكّن المعرفي من جوانب الموضوع وإدراك أهميته والتزود بالمعلومات الكافية عنه؛
  •  أما المهارة فهي الممارسة العملية للتخطيط.
والتخطيط جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، لأن الإنسان تسيره حاجات ورغبات وهو دائم البحث عن الطرق والوسائل للاستجابة لهذه الحاجات والرغبات ولكن أغلب هذا التخطيط غير منظم. وتبقى المعضلة الحقيقية هي في كيفية تحويل التخطيط العشوائي للحياة إلى تخطيط منظم، مبرمج الخطوات محدد المراحل محسوب الزمن.

ويعتمد نجاح الإنسان في عمله وفي حياته الخاصة على توافر ثلاثة جوانب رئيسية في شخصيته وهذه الجوانب هي:
  • أولا: جانب الرؤية ويتعلق بإحساس الإنسان بالاتجاه في حياته وقدرته على تحقيق هذه الأحاسيس إلى حيز التطبيق (ما غاياته الكبيرة التي يسعى لتحقيقها – ما هي أهدافه في الحياة) وجانب الرؤية هذا له أهمية كبيرة في سعي الإنسان للتميز. ورسالة كل شخص هي ما يعطي لحياته هدفا ومعنى وهي بصمته في هذه الحياة؛ والرؤية تقود إلى وضع الأمور الهامة أولا وتخلق عند الإنسان القوة والصلابة في لحظة الاختيار، وتحميه عند اضطراب البدائل، وغموض المستقبل، واختلاط المسارات، وتشابه الطرق.
  • ثانيا: جانب الاحتراف ويتعلق أكثر بقضية المهارات والآليات والمعرفة التخصصية (وهي تمثل رصيده للكسب والمعيشة) وقيمة كل إنسان ما يحسن كما يقول سيدنا عليّ بن أب طالب رضي الله عنه.
  • ثالثا: جانب العلاقات الإنسانية ويقصد به رصيد الإنسان في التعامل الاجتماعي: نوع شخصيته من حيث المرونة والتشدد– خبراته في استيعابه للأحداث والمشكلات، درجة استجابته للمثيرات والمحفزات السلبية). ومن المفيد في تفصيل هذه الجوانب الرجوع إلى كتاب د. إبراهيم بن حمد القعيد: العادات العشر للشخصية الناجحة.
والإنسان الذي تقوم حياته على رؤية واضحة لأهدافه ورسالة محددة في حياته هو تماما كقائد سفينة يعرف موانيه ويعرف متى تأتيه العواصف ويعرف كيف يتصرف معها؛ ويعرف كيف يدير البحارة وكيف يتواصل معهم وقبل كل ذلك يعرف وجهته ومقصده، وأهم من ذلك يعرف أين يكمن القراصنة وكيف يتفاداهم.
والتخطيط المنظم يساعد على تحديد الاتجاه والبوصلة لأن مبني على أهداف سبق أن تم تحديدها بدقة. والأهداف الواضحة المتناغمة تقود إلى اتجاه، والاتجاه الواضح يقود إلى تحقيق الأهداف.

من الساعة إلى البوصلة

تمثل الساعة مواعدينا والتزاماتنا وجداولنا وأهدافنا وأنشطتنا؛ باختصار: أي كيف ننفق وقتنا ونوزعه؟ أما البوصلة فهي تمثل ما نحمله داخلنا من رؤية وقيم ومبادئ ووعي وتوجه، أي ما هي الأشياء ذات الأولوية في حياتنا؛ وما هو المنهج الذي ننتهجه في إدارة تلك الحياة؛ويأتي التعارض عندما نشعر بالفجوة بين الساعة والبوصلة. وكلما اتسعت تلك الفجوة بين التزاماتنا وتوجهاتنا كلما ذادت درجة الشعور بالإحباط في حياتنا.

لقد فشلت المناهج القديمة في إدارة الوقت، التي تؤكد على السرعة والكفاءة (سرعة التنفيذ والحصول على الثروة بأقل جهد) تلك المناهج التي روجت لها كتابات إدارة الوقت والنجاح؛ فليس هناك طريقة مختصرة للوصول إلى حياة أفضل ولكنه هناك ممر قائم على مبادئ. كما أن الحياة لا تكتسب معناها من مجرد السرعة والكفاءة ولكن العبرة بما تفعله؟ ولماذا تفعله؟ وذلك أكثر أهمية من مقدار السرعة التي تقوم بها بالفعل.

وبدلا من التمحور حول منهج الساعة لإدارة الوقت والجداول المنضبطة للأعمال التي نريد إنجازها وضغط المواعيد المتلاحقة من المهم أن نركز على البوصلة التي تقودنا إلى حياة أفضل. لأن الأهم من درجة سرعة الانطلاق نحو هدف ما؛ هو معرفة إلى أين ننطلق؟ كما يقول ستيفن كوفي.

إن المناهج القديمة في إدارة الوقت المعتمدة على الساعة قد زادت من فجوة الإحباط والشعور بعدم الإنجاز بدلا من سدها. كما أنها دائما ما تجعل المرء أسيرا للآخرين، فكل ما يقوم به هو مجرد رد فعل تجاه هؤلاء
.
يقول ستيفن كوفي في كتابه الشهير إدارة الأولويات: "لقد حددنا معنى السعادة بأنه فقط النجاح في مجال المال والمهنة .. وصعدنا سُلَّم النجاح خطوة خطوة بكل ما يحمله ذلك من آلام سواء بآلام الدراسة والسهر، أو بالسعي للترقي في العمل، وعندما وصلنا إلى نهاية السُلَّم وجدناه مسنودًا على الحائط غير المطلوب. وبينما نحن منهمكون في عملية صعود السلم تركنا وراءنا الكثير من العلاقات الممزقة واللحظات الضائعة التي كان يمكن الاستمتاع بها بعمق، وذلك في خضم الجهد المركز اللازم لتحقيق النجاح، ففي سبقانا نحو القمة (قمة السُلَّم المادي والاجتماعي والمهني) نسينا أن نقوم بعمل الأشياء الأكثر أهمية".

والسؤال الجوهري الذي على كل واحد منا أن يسأله لنفسه: هل سُلّمْ حياته مسنودا على الحائط الصحيح؟ هل المكان الذي يوصلنا إليه أعلى هذا السُلَّم هو المكان الذي نود فعلا الوصول إليه، أم هو المكان الخطأ، ربما يفاجئ بعضنا بأنه المكان الخطأ، ويتفاضل الناس بكم من الوقت يدركون ذلك قبل نهاية الرحلة أو الصعود لأعلى السُلَّم.

حكمه
يقول مصطفى صادق الرافعي في كتابه الرائع "وحي القلم": إذا لم تزد شيئا على الدنيا، كنت أنت زائدًا عليها.
============================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق