الخميس، 27 يناير 2011

يوم الغضب المصري.. ملامح ورسائل (تحليل)


د/مجدي سعيد
حتى صبيحة يوم أمس الثلاثاء 25 يناير ، لم يكن أحد يتوقع ذلك النجاح الكبير لدعوات "يوم الغضب" التي انطلقت من الفضاء الإلكتروني، فالدعوات التي انطلقت بعيد رحيل بن علي عن تونس ولاقت تجاوبا من عدد كبير من الشباب (ذكورا وإناثا) بلغت في بعض التقديرات ثمانين ألفا، لكن غياب قيادات واضحة لتلك الاستعدادات والتحركات المتوقعة، وتوزع أماكن التجمع، واختلاف مواعيده أوجد تساؤلا مشروعا: هل سينجح اليوم أم لن ينجح؟ والتقدير المنصف والعاقل لأحداث ذلك اليوم تقول بكل وضوح، أن اليوم بقدر ما حفل بعدد من الملاح الجديدة، بقدر ما نجح في إرسال عدد من الرسائل.
في باب الملامح
أما في باب الملامح، فإن أبرزها:
-       أن العصب الرئيسي للتحركات كان هو عصب الشباب صغير السن (ثانوي وجامعي)، غير المسيس، من جيل وسائل الإعلام والاتصال الحديث، الذي يشارك ربما لأول مرة في تظاهرة سياسية، مع مشاركة نسائية واضحة من  فتيات وسيدات، ومشاركة أسرية جزئيا أو كليا
-       أن هذا العصب جعل طيف القوى السياسية (الإخوان، الوفد، اليسار، الجمعية الوطنية للتغيير، المسلمين، الأقباط) الذي شاركت عناصره وشبابه يتخطى حواجز الأيديولوجيات والأديان إلى بلورة مصالح مشتركة وإن بدت كطيف واسع من الشعارات والمطالب إلا أن الشعار الجامع والغالب في اليوم: تغيير- حرية – عدالة اجتماعية يعكس نوعا من البلورة لهذا الطيف.
-       أن حجم الجماهير الذي بلغ في ميدان التحرير وحده عشرات الآلاف، والانتشار الجغرافي للاحتجاجات في مدن ومحافظات مصر (الإسكندرية، والقليوبية والغربية والسويس وغيرها) مما لم يسبق له مثيل منذ مظاهرات 18 و 19 يناير 1977.
-       ملمح التعامل الجماهيري الواعي مع الأمن والممتلكات العامة والخاصة والذي كان في غالبه حكيما ومسئولا وفيه استفادة مما حدث في مظاهرات 77، ومن خبرات احتجاجات وثورات أخرى خارج مصر.
-       الملمح الآخر وهو الخاص بمحاولة قوات الأمن استيعاب درس تونس بشكل سريع، وهو ما تجلى في التعامل الحذر، والهادئ في بعض ساعات النهار، مع التركيز على تطويق التحركات على الأرض، والاتصالات عبر الفضاء (تعطيل شبكات المحمول في ميدان التحرير وحجب موقع تويتر وموقع الدستور) ومنع البث المباشر لما يجري عبر الفضائيات.
-       يبدو أن شعور جماهير الشباب المحتج بنجاحهم في بلوغ أهدافهم من اليوم، وهو النجاح الذي لم يتوقعوه، أو يتوقعه مؤيدوهم أو معارضوهم، هذا النجاح أغراهم بالتفكير في تحويله إلى اعتصام لم يكن مخططا له، ولم يكونوا مستعدين له نفسيا ولا ماديا، وهو الأمر الذي لم ينجحوا فيه إلا لسويعات من الليل.
في باب الرسائل
أما الرسائل التي أرسلها اليوم فإنها بدت كأشعة الشمس التي ذهبت في كل اتجاه:
للنظام الحاكم:
-       حذار فهناك جيل جديد صاعد، أوسع من الأحزاب والتنظيمات، أكثر جرأة، قادر على التحرك، قادر على صنع نهر جارف يحمل فوقه سفن الإصلاح والتغيير، بل والثورة.
-       أن رصيد جموع الشعب من الصبر قد أوشكت على النفاد، وأن نظرية التنفيس عبر دولة ("الحلة البريستو" – حلة ضغط البخار) لم تعد تكفي لتوسعة مدى ذلك الصبر.
-       باختصار: نحن هنا.
للقوى السياسية المعارضة:
-       عليكم ببلورة المصالح المشتركة لجموع الشعب بجميع طوائفه وتياراته وأديانه تعلو فوق أية شعارات مطلبية جزئية، مهنية أو طائفية، حزبية، أو أيديولوجية.
-       عليكم استثمار زخم اللحظة للعمل على المزيد من تنمية وتطوير وتعميق التيار العام الذي بدت لكم ملامحه واضحة جلية في هذه التحركات والاحتجاجات.
-       بقدر نجاحكم في التقاط رسالتي المصالح المشتركة، والتيار العام، بقدر نجاحكم في الالتحام بهذا التيار والسير معه وربما قيادة مسيرته قدما حتى مصبها ومبتغاها.
للشعب المصري عامة:
-       ثقوا بأنفسكم..نستطيع أن نفعلها سويا، نستطيع أن نحقق التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
-       هذه بداية الطريق فقط، لكنه طريق طويل، مليء بالأشواك والمنعرجات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق