الأربعاء، 11 أبريل 2012

ابسطوا الرداء يا إخوان !………..مصطفى كمشيش

 اصاب الكعبة المشرفة سيل جارف، فساهمت قبائل قريش الأربعة بتجديد بنائها, وحينما أرادوا أن يعيدوا الحجر الاسود الى مكانه من الركن الشرقي، اختصموا وتنازعوا، وقالت كل قبيلة منهم: نحن نتولى رفعه ووضعه  !
استمر النزاع أياما، وكادت أن تقع بينهم حرب دامية ، لولا مجيء محمد (صلى الله عليه وسلم) فلما رأوه مُقبلا عليهم صاحوا جميعا: (رضينا بالصادق الأمين محمد بن عبد الله حكما بيننا ), فبسط النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ردائه ثم وضع الحجر الاسود وسطه وقال لهم لتأخذ كل قبيلة جانبا من الرداء ثم ارفعوه جميعا ! ولما بلغ الحجر موضعه، اخذ بيده ووضعه في مكانه..
إن تلك القصة التاريخية تكشف لنا عن شيئين :
 الأولى : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كإنسان, كان موضع تقدير واحترام وقبول عند الناس ومحل رضا للاحتكام إليه, ولم يكن ذلك إلا بتراكم المواقف التي أدت الى ترسيخ ذلك.
والثانية: أن طريقة حل الخلاف كانت بإشراك الجميع .
بين الأمس واليوم !
وإذا أردنا أن نقرأ المشهد المصري الحالي في ضوء ذلك الحدث التاريخي لقلنا: لقد امتلأت ميادين مصر بسيل جارف من ابنائها, حتى سقط رأس نظامها وأبرز رموزه, وتريد (القبائل) المصرية إعادة بناء النظام وتجديده, ويمكن لنا القول أن الناس في مصر مختلفون حول ذلك, وهنا تهفو القلوب لصاحب الحكمة, وترنو الأبصار لصاحب البصيرة, ليقدم حلولا للناس, كل الناس دون احتكار أو استئثار.
إن مشهد اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية لوضع دستور مصر من قبل الأغلبية الإسلامية في مجلسي الشعب والشورى, يكشف لنا توجس بعض الإسلاميين من غير الإسلاميين, بل وأحيانا يتوجسون من الإسلاميين الذين لا ينتمون الى نفس التنظيم, مما يدفع بعضهم الى الاطمئنان (فقط) الى بني عشيرتهم (أعضاء تيارهم) فيحرصون على تحقيق ( كتلة تصويتية) توافق على تصورهم, مما يؤدي الى اقصاءات معتبرة لكفاءات إسلامية ووطنية, وخطورة ذلك أن يُنصّب بعض الإسلامين أنفسهم قضاة يحكمون على الناس بالبراءة أو الإدانة..
وعلى الجانب الأخر نرى أن الإسلاميين ليسوا (بعد) موضع ثقة وترحاب من الآخرين, وهذه القضية ( أقولها لله) تعكس أمرين:
الأول : أن المعارضين للتوجه الإسلامي ليسوا على شاكلة واحدة, فمنهم من يعتنق فكرا يخاصم الحل الإسلامي ويناوئه, ومنهم غير ذلك من الوطنيين الذين يتحسبون ويتوجسون من التيار الإسلامي, لكنهم لا يخاصمون الحل الإسلامي.
الثاني: لم يستطع الإسلاميون بعد أن يكونوا محل ثقة الآخرين واحترامهم, ولعل ذلك يستدعي النظر في (اقوال ومواقف وأفعال) تصدر من بعض الإسلاميين أدت الى ذلك.
ليس بالحب وحده !
كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يثق في المسلم بمجرد نطقه للشهادتين, فيقدمه على أقرانه وفقا لاعتبار الكفاءة, كما حدث في تولية عمرو بن العاص قيادة سرية ذات السلاسل بعد آيام من إسلامه, وظن عمرو أن حب النبي له كان الدافع وراء ذلك القرار, كما جاء في صحيح البخاري عَنْ أَبِي عُثْمَانَ :[أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ] وهنا أدرك عمرو أن قرار المصطفى صلى الله عليه وسلم كان له دوافع أخرى لا تتعلق بالحب أو الأقدمية في الانتساب للإسلام..
حكم المحكمة طوق نجاة
يُمكن أن يطعن الإسلاميون في حكم المحكمة الإدارية التي قضت ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية, ويمكن أن تقضي المحكمة الإدارية العليا بتأييد الحكم أو نقضه, واتمنى من الإسلاميين أن يترفعوا عن ذلك, فلا ينتظرون حكم القانون, بل يبادروا بالحل بأنفسهم (بيدي لا بيد عمرو) فيبسطون رداء العقل ومصلحة الوطن ونبذ الخلاف وتوحيد الجهود حتى يتم رفع الحجر الاسود في مكانه, ليكتمل بناء نظام الوطن ومؤسساته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق