الأحد، 22 أبريل 2012

لا لحزبٍ قد عمِلنا !….. مصطفى كمشيش


 على خطى الالتزام
في نهاية سبعينيات القرن الماضي, وتحديدا في جامعة القاهرة, تطرقت الى مسامعنا كلمات أنشودة كانت تهزنا هزا: [ فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء - لا لحزب قد عمِلنا نحن للدين الفداء-  فليعد للدين عِزه أوتُرق منا الدماء].
 وقد أدى ذلك الى ادراك مبكر الى أن الحزبية والدعوة تنفصلان ولاتجتمعان, ففي الأولى تنافس بغيض, وفي الثانية رحابة تفيض..
وفي واحدة من أهم المحاضرات التي استمعت لها في الرياض في التسعينيات كانت للشيخ عائض القرني وكانت بعنوان: (فرَّ من الحزبية فرارك من الأسد), ولم تكن المحاضرة تتحدث عن جواز أو عدم جواز العمل الحزبي من الناحية الفقهية, لكنه تحدث عن الحزبية بمعنى التعصب والموالاة,حيث لا يجوز أن تحب وتبغض وتوالي وتعادي بناء على الانتماء لحزب أو جماعة..فقد روى الإمام أحمد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كنّا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أيّ عرى الإسلام أوثق؟) قالوا: الصلاة, ثم الصيام, ثم الجهاد, وهو يقول في كل مرة (حسن وما هو به) ثم قال: (إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله).
ومن المستقر أيضا في الفقه أن التمذهب بأحد المذاهب الأربعة جائز بشرط عدم التعصب، فإذا وضح لمتبع المذهب الدليل في خلاف المذهب تعين عليه المصير إلى الدليل.
لا تتعصب ..لا تتحزب !
قال شيخ الإسلام ابن تيمة رحمه الله في مجموع الفتاوى: (وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته يوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم, ولا ينصب لهم كلاماً يوالي عليه ويعادي غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة, بل هذا فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون).
ويقول الشيخ الشنقيطي: (المقصود بالتَّخزُّب: التَّجمع لشخصٍ أو طائفةٍ أو نحوهما، والاعتقاد أنَّهم على حقٍّ وغيرهم على باطلٍ. فالتَّعصُّب والتَّحزُّب شيمتان من شيم الضعف، وخلَّتان من خلل الجهل، يبتلى بهما الإنسان فتعميان بصره، وتغشيان على عقله، فلا يرى حسنًا إلا ما حسن في رأيه، ولا صوابًا إلا ما ذهب إليه..
وفي الصحيحين :[ اقتتل غلامان من المهاجرين والأنصار، فنادى المهاجر: يا للمهاجرين، ونادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: ما بال دعوى جاهلية؟ دعوها فإنَّها منتنةٌ].
مع أنَّ هذين الاسمين (المهاجرين والأنصار) جاء بهما القرآن، وهما محبُّوبان لله تعالى ولرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولمَّا استُخدما لنوعٍ من العصبية؛ صار ذلك من فعل الجاهلية، وأخبر عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ هذه الدَّعوى مُنتنة.
وقريبٌ من هذا ما حصل لابن عباس رضي الله عنهما حين سُئِل: أأنت على ملَّة عليٍّ، أوعلى ملَّة عثمان؟ فقال: “لست على ملَّة علي ولا على ملَّة عثمان، بل أنا على ملَّة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم)”.
بين القيم والواقع
وحينما نستحضر هذه القيم, ونضعها بالمقابل مع أفعال وأقوال لرجال ينتسبون لقيم ودين, فنجد بعضهم وكأن الوحي قد تنزل عليه, وكأن الرسالة لم تُختم, فإذا بالغيب يتكشف أمامه, فيقول: لو نجح فلان فسيزج بالإسلاميين في السجون وسيفعل كذا وكذا !
قرآننا دستورنا
قال الله تعالى: [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)] الحجرات..
واتذكر أنني دُعيت لالقاء محاضرة بالجيزة قبل انتخابات مجلس الشعب الأخيرة: وسألتني إحدى الأخوات: إذا كان لدينا مرشحان إسلاميان في الدائرة فكيف نُميز مرشحنا عن الأخر؟ فقلت لها: تكلمي أختاه عن المرشح الذي تعتقدينه الأفضل فإنها شهادة لله,على أن تمتنعين عن الإساءة الى المرشح الأخر حتى ولو سألوك عنه: فقولي لهم : عفوا .. سأقتصر في حديثي عن المرشح الذي أروج له فقط…
ولذلك مازلنا نأمل أن يقدم الإسلاميون لأمتهم وهم يقتحمون مجال العمل الحزبي بزخم كبير نماذج مُبهرة جديرة بالاقتداء حين يصطحبون قيما وأخلاق,لأنهم ما عملوا إلا لله, فرسالة الإسلام كأنها تتلخص كلها في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)..فمن لم يفعل فليُنشد: في سبيل الحزب قمنا نبتغي رفع اللواء..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق