الخميس، 5 أبريل 2012

عبد المنعم ابو الفتوح كما أعرفه…….. ايمن عابد

بدأت معرفتى بالدكتور عبد المنعم ابو الفتوح منذ اكثر من 25 عاما وكنت ساعتها طالبا بالجامعة وكان يسكن معنا فى مصر القديمة فى شارع محمد الصغير وكنا نزوره فى بيته وبعض اخوانى نتعلم منه امور دعوتنا وبعد تخرجى وانهاء الخدمة العسكرية طلب منى الاخ الحبيب الاستاذ احمد اشرف ان اذهب لاقابل الدكتور بمكتبه بنقابة الاطباء وفعلا ذهبت فطلب منى الدكتور ان اعمل معه بالامانة العامة بالنقابة ومن ساعتها الى يومنا هذا لم افارقه الا قليلا حدث هذا عام 89 وكل يوم يزداد حبى وتقديرى للرجل فلم ارى منه ما يعيبه بل على العكس تماما ازداد يوما بعد يوم اكبارا وتقديرا له. واحب اليوم ان ابدأ واسجل بعض المواقف المضيئة فى تاريخ الرجل كما عاصرتها وعاصرها غيرى ممن عملوا معه وعايشوه.

صاحب الإحياء الثاني لجماعة الاخوان
كان لدخوله كلية الطب والتزامه الاسلامى العام وحبه الشديد للدعوة الاسلامية ما دعاه واخوانه الى انشاء الجماعة الاسلامية التى تحول معظم اعضاؤها بعد ذلك الى الاخوان المسلمين بعد تعرفهم على فكر هذه الجماعة المباركة وهذا التحول كان سببا فى الاحياء الثانى لجماعة الاخوان المسلمين ومن يومها لم يهدأ الرجل او يستريح يوما فى سبيل نشر دعوته فى داخل مصر او خارجها وكان هو بمثابة الاخ الاكبر لجميع اخوانه فى هذه المرحلة سواء من كانوا فى مثل سنه او اكبر منه ويدين الآلاف من الاخوان المسلمين بهذا الفضل بعد الله عز وجل للدكتور عبد المنعم الذى اخذ بيدهم الى هذا الطريق .

جهوده الدعويه وزهده
بعد تخرجه من الجامعة وحرمانه من التعيين فيها بسبب مواقفه الدعوية والسياسية وانتمائه للاخوان عمل طبيبا للاطفال ورفض رفضا قاطعا ان يتفرغ للدعوة براتب وهو العرض الذى تلقاه من بعض اخوانه الكبار فى مكتب الارشاد وفضل ان يعمل فى المستشفى نهارا ويعمل لدعوته ليلا وهو فى ذلك يواصل العمل ليلا نهارا ويجوب محافظات مصر لايعرف طعم الراحة ويجد سعادته فى شقائه.
وحكى لى الاخ الراحل الحبيب محمد على من قرية مزغونة كيف كان يذهب اليهم راكبا على موتوسيكل صغير له يلف به القرى والنجوع ناصحا ومعلما وفاتحا للشعب الادارية للاخوان وكان احيانا يركب خلفه الراحل الكريم الاستاذ مصطفى مشهور رحمه الله وهكذا قضى سنوات حياته الاولى بعد تخرجه داعيا الى الله يجوب القرى والنجوع لاتشغله تجارة ولا مال ولا عمل خاص عن دعوته.
ويتزوج فى شقة صغيرة فى احد الاحياء الفقيرة زوجته الطبيبة علياء خليل بنت لواء الشرطة محمود خليل ويحكى لى ان حماه جاء ليزوره ويبارك لهما فى اول زواجه فلا يجد فى شقة الزوجية شيئا من متاع الدنيا الا القليل بل لم يجد ما يجلس عليه الا حصيرة فى الارض ولان اللواء كان رجلا صالحا فلم يتكلم الا بكلمة واحدة اللهم املأ هذا البيت بركة ويستجيب الله لدعائه بعد ذلك فيملأ بالبنين والبنات والخير الكبير .

تأسيسه للعمل النقابي ولجنة الاغاثة الانسانية بنقابة أطباء مصر
كان لدخوله بعد ذلك نقابة الاطباء وكانت النقابات فى ذلك الوقت عبارة عن خرابات يعشش فيها العنكبوت لايذهب اليها احد الا اصحاب المعاشات يبحثون عن معاشاتهم واخبرنى ان ختم نقابة الاطباء كان مع عم عبده الساعى فلا يذهب احد من اعضاء المجلس الى النقابة ولا يوجد موظفون الا قليل يتغيبون اكثر مما يحضرون فتحولت النقابة بل كل النقابات بعد ذلك الى خلايا نحل والى كيانات اقتصادية واجتماعية ضخمة فبعد ان كانت ميزانية النقابة بضعة آلاف تتحول فى سنوات الى عدة ملايين.

وتتوالى الانشطة من مشروع علاج الى تكافل الى رحلات الى مواقف قومية وسياسية قوية وكان انشاء لجنة الاغاثة الانسانية فى نقابة الاطباء هو بداية عمل انسانى ضخم داخل وخارج مصربداية من احداث افغانستان مرورا بالبوسنة والهرسك ثم فلسطين وباكستان وغيرها وغيرها كل هذا والرجل يسافر ويجوب العالم كله من ادناه الى اقصاه يحمل هموم الضعفاء والارامل والجرحى والمنكوبين فكانت زياراته المتكررة الى افغانستان وباكستان والبوسنة ولاننسى زيارته لاخوانه الفلسطينين المبعدين الى مرج الزهور بلبنان مع الراحل الحبيب الدكتور الملط رحمه الله فى الوقت الذى يسافر غيره خارج مصر طلبا للمال او سعيا للرزق (ليس هذا عيبا ولاحراما).

ومع ذلك كله لا ينشغبل عن عمله الدعوى من خلال عضويته بمكتب الارشاد وكان مشرفا على قسمى العمال والمهنيين وقسم الاشبال يزور محافظات مصر وكنت اصحبه فى بعض هذه الزيارات فنعود من سفر طويل لاحدى المحافظات فى الساعة الواحدة او الثاينة صباحا ويقول لى نتقابل غدا فى السادسة صباحا فى مكتبى بالجمعية الطبية الاسلامية وكان مديرا عاما لمستشفياتها لان لدينا اجتماعا فأقول فى نفسى متى ينام هذا الرجل ألا يرتاح قليلا ويتركنا نرتاح واحيانا كنت من شدة التعب اتخلف عن موعدى معه فى الصباح الباكر فيتصل بى بلمسة الاب الحنون معتذرا ويقول لى لقد ارهقتك معى وانا من شدة خجلى لا ادرى ما اقول له وانا اصغر منه بحوالى 15 عاما.
واذكر انه كان فى احيان كثيرة يعود من سفر طويل خارج مصر فيأتى من المطار مباشرة الى مكتبه بنقابة الاطباء دون ان يذهب الى بيته ليرى زوجته وابنائه مع ان بيته بجوار المطار فى مدينة نصر لان لديه اجتماعا او يحب ان يطمئن على مشروع او عمل ما تكرر هذا كثيرا مع ان عمله فى نقابة الاطباء او اتحاد الاطباء العرب بعد ذلك هو عمل تطوعى لايأخذ عليه اجرا ولا مكافأة الا من الله عز وجل .

تطويره لاتحاد الأطباء العرب وإنشاء لجنة الإغاثة والطوارئ
بعد انتهاء فترته الثانية كأمين عام لنقابة الاطباء ولا يحق له الترشح مرة ثانيا تفرغ للعمل كأمين عام مساعد لاتحاد الاطباء العرب وطلب منى ان انقل ملفى الوظيفى من نقابة الاطباء الى اتحاد الاطباء العرب لاكون معه وكانت النقلة الكبيرة لاتحاد الاطباء الذى لايسمع عنه احد ولايعرفه الا القليل فيتحول اتحاد الاطباء الى مؤسسة عالمية ضخمة تعمل لصالح اعضائها فى المقام الاول.
ثم كان انشاء لجنة الاغاثة والطوارئ التى كان لى شرف المشاركة بفضل الله فى انشائها لتتحول بعد ذلك الى كيان ضخم تتجاوز ميزانيته السنوية 100 مليون جنيه من تبرعات الاطباء والمصريين الذين يثقون فى عبد المنعم ابو الفتوح وما يفعله من خدمة للانسانية على مستوى العالم اجمع ومرة ثانية نزور عدة بلدان منكوبة فنذهب الى باكستان بعد الزلزال الشهير عام 2004 ثم نذهب الى جنوب لبنان فى حرب عام 2006 ويصر الدكتور الا يترك مكانا منكوبا الا ويزوره بنفسه يشرف على العمل الاغاثى ويواسى المنكوبين ثم تأتى حرب غزة فيذهب ويجلس اياما فى رفح على الحدود ينتظر الدخول الى القطاع ليقدم اى شئ للجرح والمصابين عام 2009 ولايهدأ له بال حتى يسمح بدخول الاطباء والادوية لعلاج المصابين وهكذا فى ليبيا وفى الصومال.
وتتوالى الاعمال داخل مصر والقوافل الطبية لجميع المحافظات ثم المشروع الضخم مركز مكافحة العمى الذى يجوب مصر وافريقيا يعالج مرضى الرمد ويعيد الابصار لفاقدى البصر والمحرومين من نعمة الابصار .

الجانب الانسانى فى حياة ابو الفتوح
وهو الجانب الذى يلمسه كل من عمل معه او اقترب منه فالرجل لاتفوته صغيرة ولا شاردة فى الحياة الانسانية لكل من حوله يسأل عنا وعن اسرنا واحوالنا يجامل بتلقائية وببساطة شديدة يتزوج سائقه منذ عدة شهور فيصر ان نذهب يوم الصباحية وكأنه واحد من افراد الاسرة حاملا معه ما يقتضيه الموقف ومهنئا لاهل العروسين والقرية تبعد كثيرا عن القاهرة ويبلغنى يوما ان احجز له تذكرة سفر الى الدوحة على ان يعود فى اليوم التالى مباشرة فقلت له لم هذا التعب وماذا ستفعل يقول لى ان ابنة فلان وهو احد كبار الاخوان توجد مشكلة بينها وبين زوجها وهما فى الغربة وابوها فى حالة قلق شديد وغم ولابد من الاصلاح بين الزوجين وفعلا يسافر ويعود مسرورا من الدوحة فقد انتهت المشكلة على خير وتستمر الحياة الزوجية بدلا من الانفصال .

بلاؤه وصبره
بلاؤه وصبره على الاذى بنفس راضية فقد اعتقل عام 81 ثم محاكمة عسكرية عام 95 ويحبس لمدة 5 سنوات ثم قضية ثالثة بتهمة التنظيم الدولى كل هذا وهو صابر محتسب لايخرجه هذا عن اعتداله بل يلاقى كل هذا باخلاق المؤمن الصابر المحتسب وهو يعرف ان هذا طبيعة الطريق الذى اختاره لنفسه ازوره فى سجنه فأجد وكأنى انا المسجون يسألنى عن احوالى واسرتى وعن عملى فى اتحاد الاطباء العرب وعن رأيه فى القرار الفلانى ويذاكر وهو فى السجن دبلوم ادارة المستشفيات ثم ليسانس الحقوق حتى لايضيع جزء من وقته هباء .

حفظ الله له
ولقد لمست هذا فى اكثر من موقف وكأن رعاية الله تحوطه من كل مكان فكنا ذات مرة ذاهبين الى وادى النطرون لنزور الاخوان هناك وانا اقود السيارةبسرعة كبيرة على طريق الاسكندرية الصحراوى وفجأة ينفجر الاطار الخلفى وتدور السيارة حول نفسها عدة مرات بسرعة كبيرة واذا به يمد يده بسرعة ويغلق الموتور ويمسك معى عجلة القيادة ويردد الحمد لله الحمد لله الى ان تستقر السيارة تماما فى الصحراء ثم يجلس معى على الارض لنغير اطار السيارة ويرفض ان اتولى القيادة بعد ذلك حتى تهدأ اعصابى تماما ويحاول ان يخفف عنى اثر الحادث وهكذا كنت ارى عناية الله له وحفظه فى مواقف كثيرة اذكر مرة اننا كنا نعود من سفر طويل واقود السيارة ليلا وهو نائم الى جوارى فيستيقظ فجأة ويقول لى احترس فى هذه المنطقة يوجد مطب كبير ثم يواصل نومه وكأن شيئا لم يكن .

صدقه وشفافيته ووضوحه الشديد
فلا يوجد لديه رأى مستتر ولا رأى معلن فالذى بداخله هو الذى يعلنه وهو ما يسبب له المشاكل سواء مع اخوانه او الآخرين اتذكر مرة جائنا فى اتحاد الاطباء عائدا من اجتماع مكتب الارشاد وهو غاضب غضبا شديدا وكان ذلك بعد محاولة اغتيال حسنى مبارك فى اديس ابابا وكان اجتماع مكتب الارشاد يناقش البيان الذى تصدره الجماعة مستنكرا محاولة الاغتيال ومهنئا الرئيس بسلامة العودة وقد صدر البيان بالفعل اما سبب غضب الدكتور لان احد اعضاء الاجتماع قال فى اثناء مناقشة البيان وبعد كتابته ياريته غار فى داهية قاصدا حسنى مبارك فانفعل الدكتور وقال اذا كان هذا هو ما بداخلك فلماذا لانكتبه فى البيان فكيف نكتب شيئا نحن لا نؤمن به فنحن لا ننافق احدا.
وهكذا فى كل مواقفه يحب ان يكون ما يعلن هو ما يؤمن به وهو صادق مع نفسه متسق مع افكاره ومواقفه العديدة فى ترشح القبطى والمرأة لمنصب رئيس الجمهورية وموقفه بشأن هيكلة الجماعة وضبط ماليتها وغيرها كثير من المواقف التى يعلنها ولايخشى فى الله لومة لائم وهو لايجيد عقد الصفقات والملائمات والاجندات الخفية فالرجل واضح كل الوضوح فى جميع مواقفه السياسية والعملية .

أخيرا
اذن هذا هو العملاق ابو الفتوح القوى الامين صاحب الكفاءة والاخلاص والصدق وهب حياته لدعوته فلم ينشغل بتأسيس الشركات انما انشغل ببناء الافراد ولم يضيع وقته فى فتح الحسابات بالبنوك وانما فتح قلوب العباد وحببهم فى دينهم ودعوتهم ولم تلهيه تجارة ولا مال عن طريقه التى اختارها لنفسه من اول يوم يرضى ان يعيش على الكفاف وهو الكفء لو اراد ان يتفرغ للطب لكان فيه عملاقا يكتسب منه الملايين او اراد ان يتفرغ للتجارة لصار الآن واحدا من كبار رجال الاعمال ولكنه آثر ان يتفرغ لدعوته ولخدمة مجتمعه وامته فعوضه الله بحب الملايين داخل وخارج مصر وهو ما لمسته بنفسى فى سفرياتى معه حول العالم يشتاق اخوانه اليه ويقابلوه بحب لم ارى مثيله فى الدنيا كلها ثم هو اخيرا الرجل الذى يجتمع عليه الصغير والكبير ومن كل التيارات السياسية بل ومن كل النحل والملل لا اراه يغضب احدا رغم مواقفه الواضحة والصريحة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق