الأربعاء، 18 أبريل 2012

ليبتعد الإخوان عن الرئاسة……..فهمي هويدي


 كنت قد تحفظت فى مرة سابقة على فكرة تشكيل الإخوان للحكومة فى مصر ودعوت إلى اكتفائهم بالمشاركة فيها والتركيز على مراقبة السلطة التنفيذية من خلال البرلمان. وهذه المرة أجدد التحفظ مضاعفا على فكرة ترشيح ممثل عنهم لرئاسة الجمهورية.
إلا أننى أستأذن فى فتح قوس للتنويه إلى مسألة شخصية خلاصتها أننى منذ سجلت تحفظى الأول صرت مطلوبا تليفزيونيا بشكل غير مألوف، ومدعوا للظهور يوميا فى البرامج الحوارية على شاشات التليفزيون طوال الأيام العشرة الماضية، التى كان فيها الناقدون للإخوان ضيوفا طوال الوقت على مقدمى تلك البرامج، وهو ما بدا معبرا عن موقف مبطن بالانحياز بأكثر مما كان مساعدا على إثراء الحوار. ولأننى شممت فى الدعوات رائحة عدم البراءة، ولم أتعود على المشاركة فى مثل هذه المهرجانات، فقد اعتذرت عما دعيت إليه، وضيعت على نفسى فرصة نادرة للنجومية التليفزيونية.

إذا سألتنى عما دعانى إلى التشدد فى التحفظ على الدفع بمرشح للإخوان للمنافسة على انتخابات الرئاسة، فردى أن لدىّ أسبابا عدة أوجزها فيما يلى:

ــ إن المجتمع المصرى ليس مهيأ بعد لتأييد خطوة من ذلك القبيل. وإذا قال قائل إن الإخوان حصلوا على أغلبية معتبرة فى الانتخابات التشريعية، فتعليقى على ذلك أن انتخابات الرئاسة شىء مختلف تماما. إذ ثمة فرقا بين أن يشارك الإخوان أو حتى يرأسوا البرلمان المصرى، وبين أن يتقدموا لشغل منصب الرئاسة فى البلد، أدرى أن البعض ينظرون إلى تركيا، ويقولون إن حزب التنمية والعدالة بجذوره الإسلامية يحكم البلد، ويقود تقدمها منذ نحو تسع سنوات دون عوائق، بل لا يزال محل ترحيب وقبول عامَّين، لكن هؤلاء ينسون عدة أمور، أولها أن الحزب لم يتقدم بهويته الإسلامية وإنما قدم نفسه باعتباره حزبا علمانيا. ثانيها أن كوادر الحزب نجحت فى طمأنة الناس فى وقت مبكر وإقناعهم بأن وجودهم فى السلطة يحقق لهم مصالحهم وتطلعاتهم، وهذه الطمأنة كان مصدرها خطاب الحزب أولا، وأداؤه الوفاقى وثانيا خبرة هذه الكوادر فى المحليات التى حققوا فيها نجاحا مشهودا حين أداروها لعدة سنوات سابقة، ثالثا أن مساهمة التيار الإسلامى هناك فى العمل السياسى والمجال العام له تاريخ يتجاوز ثلاثين عاما، الأمر الذى وفر لعناصره بيئة للتفاعل مع المجتمع وللقبول العام خصوصا فى أوساط الأحزاب السياسية المختلفة معهم.

فى هذا الصدد أرجو أن يكون الإخوان قد استفادوا من تجربة الجمعية التأسيسية للدستور، وأدركوا إلى أى مدى ترفض الطبقة السياسية وقطاعات لا يستهان بها من الرأى العام استئثارهم بالمواقع القيادية، الأمر الذى لا يستثنى رئاسة الدولة التى هى الأهم بطبيعة الحال.

ــ إن الدولة المصرية بثقلها وعمقها التاريخى أكبر بكثير من أن يحكمها فصيل أو فريق يهبط عليها من الفضاء دفعة واحدة، لا علاقة له بالإدارة فضلا على محدودية خبرته بالسياسة، وغاية ما حصله من خبرة أنه أدار بعض النقابات المهنية والمدارس الخاصة. وإزاء انعدم الخبرة فى مجال الإدارة وتواضعها فى حقل السياسة، لا مفر من الاعتراف بأن الإخوان ليست لديهم الكوادر المؤهلة لإدارة البلد، الذى لم يعد يحتمل أحدا يتعلم فيه، بعدما عانى طويلا من «تمارين» الهواة ومن موت السياسة.

ـ إن ذلك إذا كان وضع مصر فى الظروف العادية، فما بالك بها إذا كانت تعانى من أوضاع بالغة الخصوصية، وتواجه مأزقا اقتصاديا شديد الخطورة. أتحدث عن حالة السيولة والتشرذم المخيمة على الوضع الداخلى، وأتحدث أيضا عن التزامات وتشابكات بالغة التعقيد مع السياسة الأمريكية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، ذلك فضلا على أن الأربعين سنة الأخيرة على الأقل أهانت مصر وأدَّت إلى تقزيمها وإلحاقها بمعسكر التبعية للولايات المتحدة. وأوضاع سياسة بهذه الجسامة يعجز عن حملها الإخوان وتتطلب توافقا وطنيا قويا ومتماسكا، أما حساسية وخطورة الوضع الاقتصادى فإنها تمثل تحديا كبيرا يتجاوز بكثير قدرات أى فصيل سياسى لوحده.

ــ إن الناس أو أغلبهم إن كانوا قد تعاطفوا مع الإخوان وصوتوا لصالحهم فى الانتخابات البرلمانية، إلا أنهم لم يختبروهم فى الممارسة العملية. ناهيك عن أن أداءهم السياسى بعد الثورة خصوصا فى الآونة الأخيرة لم يكن مشجعا ولا جاذبا. والذى لا شك فيه أنه حين يتعلق الأمر بالسلطة فإن اطمئنان الناس لا يتحقق لا بحسن النية ولا بالكلمات الطيبة. ولكنه لا يتوافر إلا إذا أدرك الناس أن صاحب الأمر مقنع لهم بأدائه الماثل أمامهم وعطائه الذى يلمسونه وليس الذى يوعدون به، وسوف يحتاج الإخوان إلى سنوات من الأداء والعطاء لإقناع الناس بأنهم أفيد لهم من غيرهم.

ــ إن الإخوان إذا كان مطلوبا منهم أن يطمئنوا جموع المصريين أولا، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل حقيقة أنهم يجب أن يرمموا علاقتهم مع بعض الدول العربية، التى أرجح أنها سوف تلتزم الحذر والتردد إذا ما وجدوا على رأس الدولة فى مصر قياديا إسلاميا. وأظن أن ذلك سيحدث أيضا مع بقية المستثمرين وقطاع السياحة. الأمر الذى قد يحول من وصول الإخوان إلى رأس السلطة من حل مشكلة البلد إلى تعميق وتعقيد لها.

لقد كان الإسلاميون فى تونس أكثر توفيقا حين تفاهموا مع غيرهم على توزيع مواقع السلطة بين الأحزاب الرئيسية الثلاثة، وهى رسالة حرى بنا أن نقرأها جيدا وأن نتعلم منها، حيث لا غضاضة فى أن يتعلم الكبار من أشقائهم الصغار، خصوصا إذا أثبتوا أنهم أكثر نباهة منهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق