الخميس، 26 أبريل 2012

نظرة على البرنامج الانتخابي للدكتور/ عبدالمنعم ابو الفتوح…. محمد عفان



منذ أن أعلن د.عبدالمنعم أبو الفتوح ترشحه لانتخابات الرئاسة وشرع في وضع برنامجه الانتخابي بدأ الهمز واللمز في أوساط الإسلاميين عن "أبوالفتوح الذي تخلى عن إسلاميته" .. وعن "الليبراليين والعلمانيين واليساريين اللي ضاحكين عليه" ونحو هذه الأقاويل … واشتد الهمز واللمز خصوصا بعد أن نزلت جماعة الإخوان المسلمين إلى ساحة الانتخابات الرئاسية بمرشحها "الإسلامي الوحيد" ودفعتها مقتضيات الحملة الدعائية إلى التركيز على هذه الميزة التنافسية!! .. ولذا أحببت – لكوني أحد الإسلاميين العاملين في اللجنة السياسية بحملة الدكتور عبد المنعم – أن أوضح بعض النقاط لإخواني إبراء للذمة ومنعا لسوء الفهم الذي تعمقه أجواء المنافسة السياسية:

رؤيتنا "الإسلامية" وفهمنا "الإسلامي" لأولويات العمل في هذه المرحلة الانتقالية والتي مثلت محاور البرنامج الانتخابي للدكتور تقوم على مبادئ أربع:
1-    أن التوافق الوطني هو من أولويات المرحلة الانتقالية .. وهو واجب الوقت عند التأسيس للنظام الجديد .. وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند بنائه لدولة المدينة الجديدة .. فالنبي لم يكتف بالمآخاة بين الأوس والخزرج أو المهاجرين والأنصار .. بل ضم له المشركين من العرب واليهود من أهل الكتاب واستوعبهم في دولته وداخل نظام حكمه .. وبحث عن المشترك بينه وبينهم .. فاليهود هم أهل كتاب .. والمشركون من العرب تجمعهم بأهل المدينة الوطنية والقبلية  التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم لمنع اقتتال داخلي في المدينة عقب هجرته بين المسلمين وجمع من المشركين بقيادة عبدالله بن أبي بن سلول (راجع كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية).

والقياس هنا بالطبع مع الفارق لأن الخلاف داخل مجتمع المدينة في هذه المرحلة كان خلافا عقائديا والخلاف الآن في المجتمع المصري هو خلاف سياسي .. لكن العبرة والدرس المستفاد هو أولوية التوافق الوطني في مثل هذه المراحل الانتقالية .. وكون د.عبدالمنعم محاط برموز من الاتجاهات القومية والليبرالية واليسارية بجوار الإسلامية فهو دلالة نجاح وليس مما يعير به .. خصوصا من أبناء مدرسة الإخوان الذين كان أهم ما يميز إمامها البنا رحمه الله هو سعيه الحثيث للتوافق وشعاره "فلنتعاون فيما اتفقنا فيه" … ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار فقط ثم استغل كثرتهم في إجبار اليهود على الخضوع للمسلمين وعلى كسر تجمع المشركين العرب .. لقلنا فلندرك اللحظة الفارقة وليتآخى السلفيون والإخوان حتى نقهر خصومنا العلمانيين وغير المسلمين … لكن هذا ليس منهجا نبويا وليس من أدبيات الإخوان المسلمين.

2-    أن إعادة السيادة للشعب.. وألا يتولى أمره أحد إلا باختياره.. وألا يستبد بإدارة شئونه أحد هو من أهم مقاصد الشريعة في قضايا السياسة والحكم.. لذا فإن أولويتنا في هذا المجال -خصوصا عند التأسيس للنظام المصري الجديد الذي يأتي في أعقاب ثورة أطاحت بالنظام المستبد الفاسد –هو التأكيد على السيادة الكاملة للشعب- ليس فقط بآليات الديمقراطية النيابية والانتخابات النزيهة وتغيير القوانين المقيدة للحريات وتقوية منظمات المجتمع المدني ودورها الرقابي.. ولكن بتطوير ذلك إلى آليات الديمقراطية التشاركية التي تضمن شكلا أعمق في الممارسة الديمقراطية والتي تشكل ضمانة أكبر في منع الاستبداد..وتعني هذه الديمقراطية في الشق التشريعي تفعيل آليات الرقابة الشعبية على البرلمان بالإضافة إلى رقابة البرلمان على الحكومة.. وفي الشق التنفيذي تعني الاتجاه إلى اللامركزية مع اعتماد آلية التخطيط بالمشاركة والتي لا تقصر التخطيط فقط على الخبراء أو السياسيين بل تدمج في عملية التخطيط الجهات المستفيدة الممثلة للشعب.

3-   أن اتباع آليات إقتصادية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى الخدمات لكافة الشعب "بما يحقق حد الكفاية" على الأقل لكافة أفراد الشعب.. واتباع سياسات اقتصادية توازن بين التنمية وبين عدالة التوزيع "حتى لا يصير المال دولة بين الأغنياء" هو من مقاصد الشريعة في الاقتصاد والتي تعتبر كذلك من الأولويات الاقتصادية في هذه المرحلة الانتقالية .. لذا يقوم برنامجنا الاقتصادي على سياسات أقرب للرأسمالية الاجتماعية التي وإن كانت تعتمد آليات السوق لكنها في نفس الوقت تتحدث عن دور للدولة خصوصا في المجالات الخدمية "كالصحة والتعليم والإسكان والتشغيل".. والتي وإن كانت تعطي للقطاع الخاص والاستثمارات دورا هاما في التنمية الاقتصادية لكنها لا تجعلها الركيزة الوحيدة وتقصر دور الدولة على وظائف الأمن والقضاء .. وهذا أقرب لبعض الأطروحات المعاصرة للاقتصاد الإسلامي .. والتي ترى أنه في المراحل الأولى للإصلاح الاقتصادي "الإسلامي" فإن هناك أولوية لتدخل الدولة لضمان تقليل الفجوة بين الطبقات وعدالة التوزيع .. وان محاولة الاعتماد على آليات السوق فقط مع تنظيم الزكاة والصدقات في هذه المرحلة غير كاف لتحقيق مقاصد الشريعة وأهدافها الاقتصادية .. وضربت هذه الأطروحة مثلا أيضا بتقاسم الثروة بين المهاجرين والأنصار عقب الهجرة مباشرة والتي رأت أنها كانت آلية غير متكررة –بل حرمت بعد ذلك "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"- في التاريخ الإسلامي في المراحل الأكثر استقرارا .. لكنها تعطي دلالة إلى أي مدى يمكن الدولة أن تتدخل لسد الفجوة بين الطبقات وتحقيق عدالة التوزيع.

4-    إستقلال القرار الوطني "بالخروج من التبعية السياسية والاقتصادية" وإعادة النظر في المعاهدات السياسية والاقتصادية وتقييمها وإعادة التفاوض حولها للتخلص من كافة مظاهر الوصاية على الاستقلال الوطني .. وزيادة الدورالنشط لمصر في دوائرها العربية والإسلامية والإفريقية والجنوبية.. وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية "كقضية مركزية للعرب والمسلمين" و"التأكيد على الدعم الكلي والشامل والاستراتيجي" لها .. هي أهم أولويات برنامجنا للسياسة الخارجية.
وهنا وبصراحة شديدة ومن باب النصيحة الصادقة أسأل إخواني ما الذي ترونه في هذا البرنامج غير إسلامي؟! وما الذي يجعل مرشح الإخوان هو المرشح الإسلامي الوحيد؟! أهو توافق الإخوان والسلفيين عليه ؟!! فأنا أقول أننا نعرف الرجال بالحق.. وأزعم –وهذه وجهة نظر ليست بالضرورة صائبة - أن ما نقدمه في برنامجنا السياسي والاقتصادي هو أقرب لتحقيق مقاصد الشريعة في الواقع المصري الراهن من الرؤية السياسية الليبرالية والرؤية الاقتصادية المطابقة لسياسات الرأسمالية الجديدة التي يقدمها مرشح الإخوان.

أما فيما يختص بالإصلاح الخلقي والديني في المجتمع فنحن نرى أن تفعل فيه آليات المجتمع المدني –وليس الدولة والقانون- مثل الجمعيات الأهلية الإصلاحية وعلى رأسها النشاط الدعوي لجماعة الإخوان المسلمين.. بل وكذلك بعض المؤسسات الرسمية مثل الأزهر.. وهذا في ظل إتاحة الحرية الكاملة لها من الدولة.. وذلك ليس علمانية منا بل لأننا نرى ذلك أنفع لتحقيقها ونشرها .. فالخبرة المعاصرة أثبتت أن تدخل الدولة في مثل هذه القضايا بآليات السلطة يؤدي إلى مقاومة ورفض مجتمعي والمثال الشهير الذي نعطيه دائما في ذلك هو كيف ان الحجاب انتشر في القاهرة –بقوة المجتمع- أكثر من انتشاره بطهران –بقوة القانون-.

واختم  بما صدرناه في مقدمة البرنامج الانتخابي للدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح من مقولة ابن القيم رحمه الله: "الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، ومصلحة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل" و هذه هي بوصلتنا التي اجتهدنا وسعنا في الاسترشاد بها فإن أصبنا فلنا أجران وإن أخطأنا فلنا أجر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق