الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الذاتي والموضوعي والتاريخي في ترشح عبد المنعم أبو الفتوح (2-2)..... د. هشام الحمامي

د. هشام الحمامي يكتب في خلفيات ترشح د. عبد المنعم أبو الفتوح لانتخابات الرئاسة القادمة
الذاتي والموضوعي والتاريخي في ترشح عبد المنعم أبو الفتوح (2-2)
مبادرة أبو الفتوح.. ودروس خبرة العدالة والتنمية


عرفت د. محمد سليم العوا منذ ما يقرب من عشرين عاما في منزل الأستاذ الكبير صالح أبو رقيق ثم ما لبثت علاقتي أن توثقت عبر د. عبد المنعم أبو الفتوح. وفى أحد الأيام طلبت من د. عبد المنعم أن نزوره لأن عندي مشروع لتأسيس جمعية دراسات فكرية باسم رشيد رضا. واستقبلنا الرجل في مكتبه بحفاوته المعتادة حين يلقى من يحب، وشرحت له وجهة نظري في ذلك من قلقي على صفة الأخ (مثقف الفكر) التي ذكرها الأستاذ البنا في صفات الأخ، وأنني أريد أن تكون هذه الجمعية عمقا فكريا للجماعة تمدها بالدراسات والأبحاث وتتابع حركه الأفكار وتطورها في العالم العربي والغربي على السواء.


بين ترشح العوا وأبو الفتوح

كانت فرحة د. العوا كبيرة بالفكرة، وباختيار اسم رشيد رضا بالذات اسما لها. كان ذلك في أوائل عام 2005م، وكان الحديث عن الانتخابات الرئاسية لا يزال قائما؛ فسألته: لما لا تترشح للرئاسة؟ فابتسم موضحا أنه رجل فكر وعلم، يعشق البحث العلمي والإنتاج الفكري، وأن السياسة اليومية ليست في وارد اهتماماته أبدا.
ومرت السنون وذات مرة أخبرتني المخرجة اللامعة لمياء جودة أن الحضور في الدرس الأسبوعي للدكتور العوا يطالبونه بالترشح للرئاسة؛ ومن كثرة تكرار السؤال وعدهم بأنه سيفكر. وبدأت فكرة ترشح د. العوا للرئاسة.

الدكتور العوا أحد أحب الناس إلى قلبي وعقلي. وكنت قد كتبت عنه مقال مطولة في جريدة القاهرة الأسبوعية، فاتصل بي قائلا: لقد قصمت ظهري يا رجل، فقلت له: ما قلت إلا ما قد علمت من مكانته في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أمينا عاما وظهيرا مكينا للأمانة كلها يعلمها الجميع، وأتصور أن فكرة الترشح لم توافق لديه قبولا كافيا، وأن هناك من يطالبونه بذلك مرارا وتكرارا. وقد ذهب ظني إلى أن من يلحون في دفعه للترشح هم بالضرورة من لا يرغبون في ترشح د أبو الفتوح؛ لأن الأمر مختلف حال ترشح الاثنين معا! وقلت من ذا الذي يرفض فكرة ترشح د. أبو الفتوح؟

قال د. العوا ذات مرة في أحد اللقاءات أن قدرات أبو الفتوح السياسية والشخصية تهيؤه لقيادة العالم كله وليس بلدا واحدا (مع الأخذ في الاعتبار العاطفة الشديدة بينهما)، ولعل مكتب الإرشاد الحالي قد اهتدى إلى فكرة ترشيح د. العوا تجنبا لمشاكل كثيرة حال ترشح د. أبو الفتوح؟ أو لعله حزب الوسط؟ أو لعلهم مسؤولين سابقين في الدولة، وقد كانت علاقة د. العوا بهم قريبة.

ومهما يكن من أمر، فقد تجمع لدي من المؤشرات ما يشير إلى أن الرغبة الأساسية هي عدم ترشح د. أبو الفتوح وليس ترشح د. العوا. وليس سرا أن ترشح د. أبو الفتوح وما سيسفر عن هذا الترشح من فوز أو خسارة؛ سيترتب عليه نتائج ضخمة تتحسب لها أطراف كثيرة داخل مجال العمل الإسلامي (الدعوي والسياسي)، ولعل هذه الأطراف ستجد نفسها في مرتبة تالية لما سيسفر عنه مخاض الانتخابات فوزا أو خسارة أيضا. وبالتالي، فأحسن فكرة هي الحيلولة بين د. أبو الفتوح وبين الترشح من الأساس. لكن لدي شعورا يقترب من اليقين أن د. العوا لن يترشح للرئاسة حال إصرار د. أبو الفتوح على إكمال ما بدأ.

خبرة العدالة والتنمية.. إعادة القراءة

ينظر الغرب إلى تجربة الإسلاميين في تركيا نظرة تختلط فيها الدهشة بالإعجاب. فلم يكن الغرب يتوقع أن تكون هناك مقاربة بين مشروع الإسلاميين للحكم الرشيد والتنمية والنهضة وبين الحداثة الغربية فكرا وتطبيقا. لكن الخارجين من التطور الطبيعي للظواهر (حزب الرفاه - حزب الفضيلة) استطاعوا أن يلموا بمفردات الزمن الجديد إلماما وافيا. وإذ وجدوا أنفسهم في لحظة بارقة فارقة ضربوا تعظيم سلام لمولانا وشيخنا في الحزب، وانطلقوا لا يلوون على شئ في الاتجاه نحو درب جديد، وكأن لسان حالهم يقول: "خالف دربك دربي وانقضى ما كان منا". وليس المقصود بالطبع "كل ما كان منا"، ولكن ما كان منا في الوضع الأمثل لترتيب الأبجديات.

ثمة لغة جديدة ينبغي أن تكون هي عنوان الخطابات داخليا وخارجيا. لقد أدرك الإسلاميون في تركيا؛ وهم كثر؛ ما أدركه د. أبو الفتوح في مصر وهو وحيد على ناصية الطريق الإلزامي (لقد تخلى عنه د. بشر ود. حلمي ود.عصام ود. إبراهيم ود. حشمت وكثيرون وضعوا أنفسهم في خلاط الحسابات العصيرة عفوا العسيرة)، وكانت هذه الوحدة في لحظة تاريخية هي الأخطر في تاريخ الوطن وتاريخ الدعوة. وتلك قصة أخرى قد يأتي الوقت لروايتها في كتاب منفصل.

إن يكن من أمر، فقد نجح الإسلاميون الأتراك في إثبات العلاقة الوطيدة بين الدولة الحديثة والإسلام، وأثبتوا أن المفهوم الإسلامي للإصلاح لا يعدو كونه دولة قوية ومجتمع أقوى ومواطن أشد قوة. نظر الغرب إلى الأمر مليا، وقد باتت الأنظمة العربية بعد الاستعمار تمثل عبأ ثقيلا عليه بفسادها واستبدادها وتعثرها؛ ناهيك عن تلويث سمعتها أمام الشعوب لاقترانها به. وها هو آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا يقول: "لقد خدعنا طويلا في الأنظمة وفى الشعوب".

لقد صرت على يقين من أن الغرب يريد أن يرى نموذجا عربيا للحالة التركية ووضعها في المحك وعلى الطاولة وكل شئ تحت السيطرة. ومن سوء الفهم والتقدير تحضير تجربة الجزائر (خالد نزار وعلى بالحاج) وتجربة حماس (الاحتلال وفتح) أمام المشهد الحالي. وأنا أحزن كثيرا لمن يغيب عن إدراكه حكمة (المقارنة بين ما يقبل المقارنة). فالتاريخ ليس فقط معرفة أحداثه ولكن معرفة الفرق بين أحداثه المتشابهة، والمتشابه بين أحداثه المختلفة. وتلك قصة أخرى.

أصدقاؤنا المثقفون؛ علمانيون كانوا أم غير علمانيين متأكدون من أن المادة التي يقتاتون عليها ستختفي حال تولى الإسلاميين الحكم، وإثبات أنهم الأكفأ والأقوى والأنظف، وأنه ليس هناك عداوة بينهم وبين الفن والأدب والشعر والسينما والثقافة والحرية الفردية. إذ ماذا عساهم يفعلون حال تبين أن سوق عكاظ الذي يتعيشون منه قد آن له أن ينفض؟ على ذلك سيحاربون بشدة فكرة مقاربة الإسلاميين للحكم، وسيتحالفون بشدة مع إخواننا أصحاب الطمأنة؟ ليس خوفا منهم ولكن للسبب الذي ذكرناه قبلا.

د. أبو الفتوح شخص معروف جيدا لدى الدوائر الدولية. وهم ينظرون إليه كتيار لا كفرد. معرف لديهم بدوره التاريخي في الحركة الطلابية، ودوره التأسيسي في الحركة النقابية، ودوره المتداخل في الحياة السياسية. وسنعرف لاحقا أن المرحوم إبراهيم شكري؛ الرئيس السابق لحزب العمل كاد أن يطير عقله من أجل ترشيح د. أبو الفتوح للبرلمان في انتخابات 1987م على رأس قائمه التحالف الإسلام؛ باعتباره اسما كبيرا سيجعل القائمة قوية. لكن أ. مأمون الهضيبي رحمه الله كان له رأي آخر (سيكشف لنا التاريخ بعدها عن ماهية ودلالات هذا الرأي). وجاء بالأستاذ الفاضل مهدي عاكف من ألمانيا ليكون على رأس هذا القائمة، وكان وقتها في أجازة في مصر.

معروف أيضا لدى الغرب أن د. أبو الفتوح قاطرة للأفكار المتجددة في نطاق المبادئ الثابتة. ومعروف أيضا بما عرف في الأدبيات السياسية الغربية بأنه قيادة آسرة (كاريزما)على ما قال لي جون إسبوزيتو الأستاذ بجامعة جورج تاون الأمريكية. كما أنه معروف بكونه جسرا كبيرا بين الأفكار المتباعدة. الليبراليون يجدون صوتهم داخله بدرجة كبيرة، والأقباط ينظرون إليه على أنه المصري القح المنقوع في طمي النيل، وهو صاحب البيان الشهير (رب واحد.. وطن واحد). وقد سبق أن قال لي د. شريف دوس: ما مر علينا عيد إلا ورأيته ممسكا بشمعة وواقف بيننا.

وستأخذنا الدهشة بعض الشئ حين نعلم أن السلفيين يعتبرونه (حاديهم القديم)، ومن ينسى سلسلة صوت الحق التي كان يصدرها د. أبو الفتوح في جامعة القاهرة، وكان أغلب أعدادها للعلامة عبد الرحمن عبد الخالق والعلامة الألباني. وقد قال لي المسؤول عن حملته الانتخابية أنهم في زيارتهم الأخيرة لطنطا التقوا بعدد كبير من التيار السلفي، وقال له أحدهم في نهاية اللقاء يا د عبد المنعم إذا كان لنا مرشح فهو أنت. ومعروف أن السلفيين هم مفتاح الريف المصري وكتلته الصامتة.

د. أبو الفتوح معروف أيضا بأنه رمز شفيف نقى، وأنه أصلح من يكوٌن بؤرة لتلاقي كفاءات كبيرة داخل الوطن وخارجه. وقد حُكيَ لي أن أحد كبار المسؤولين في منتدى دافوس جاء إليه عارضا عليه كل إمكانات الجاليات المصرية في الخارج قائلا له: "إنني على علاقة وثيقة بالمؤسسات الفاعلة في الغرب، وأعتبر المسألة قريبة جدا حال ترشحك.

هذه المقومات تجعل من الطبيعة الذاتية للدكتور أبو الفتوح أحد أهم إيجابيات ترشحه. وهى الطبيعة التي قد لا تكون متوفرة لغيره.

ومضات وبارقات

* دعوة الإخوان المسلمين بالنسبة لي أمر يملأ على كل وعيي واهتمامي، ومبدأي ومنشأي ومنتهاي إن شاء الله. وكيف لا وهى الحركة الإصلاحية الأم النابضة بدين الله الحنيف. ثم إني احترم كثيرا ما تتطور إليه الأمور من تكوين قيادة متماسكة؛ تفكر معا، وتعمل معا، وتنطلق معا .. (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون).
أفهم كثيرا أن قتل الغلام وخرق السفينة وإقامة الجدار كان لمصلحه عجزت (عين الحاضر) عن تبينها وإدراك كنهها. وأقف كثيرا عند عدم امتثال سيدنا علي رضي الله عنه لنصيحة أصحابه بعدم عزل معاوية بعد توليه الخلافة. فما كان منه إلا أن أقسم بألا يبيتن ليلة واليا على الشام في عهده. ويذكر المؤرخون أن هذا العزل جاء بما جاء به، وقد كان من الممكن أن يبقيه حتى تستقر له الأمور ثم يعزله تدريجيا (لكن الزمن والناس كانا يريدان ملكا لا خليفة عادلا) كما قال الأستاذ العقاد. إنها سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.

* سيظل الأستاذ الهضيبي والأستاذ عبد القادر عودة إسماعيل علامات شاهدة على تاريخ الحركة الإسلامية، وما اختلاف الآراء في المواقف السياسية إلا مما شهد به التاريخ في حركته بين الصواب والأصوب.

* وإن أنسى فلن أنسى عشية وفاة الأستاذ الكبير صالح أبو رقيق حين قال لي طبيب العناية المركزة (مين مصطفى مشهور ده) فسألته عن سؤاله فقال لي إن أ. صالح أخذه في حضنه ما يقرب من ربع ساعة وهما يشهقان بالبكاء.

* إذا كان البعض قد تخوف من أن يكون أبو الفتوح (سندي جديد) في عز قوة قسم الطلبة والمهنيين؛ في إشارة إلى ما كان من المرحوم عبد الرحمن السندي في عز قوة الجهاز الخاص؛ فما هي إلا طبيعة البشر. ولعله الحذر المبالغ فيه الذي يجعلنا نهدر ما بين أيدينا من ثروات نتيجة لتجارب لامست فينا عصبا عاريا كما يقولون، ويبقى أن البشر هم البشر.. من نفس الطين وليسوا من طينة أخرى.

* الله الخالق البارئ المصور اللطيف الخبير جعل من أدعية المؤمنين (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين امنوا)، وجعل من صفات أهل الجنة (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين).. فهل بعد هذا من إدراك عميق للطبيعة البشرية في مقاربات المؤمنين لبعضهم البعض. إنها الحياة، وإنهم البشر، وإنه الإسلام. وعلى هذا كانت الرحلة إلى الآخرة (وسبحان الذي بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق