الأربعاء، 8 يونيو 2011

ادعوا الشعب ثم اتركوا له الحبل على الغارب….. د. أسامة سيد سليمان


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تربية الأبناء " لاعبه سبعا وأدبه سبعا وصاحبه سبعا ثم اترك له الحبل على الغارب".. هذا النهج القويم ليس نهجا فى تربية الأبناء فحسب وإنما هو نهج حياة رسمه المعصوم صلى الله عليه وسلم يعنى أنه إذا حسنت المقدمات أو المدخلات حسنت النتائج أو قل المخرجات، ثم على الراعى ألا يخشى أية نتائج غير مرغوب فيها بعد ذلك، وهذا النهج أظن أنه لا يختلف عليه اثنان.
الفكرة فى هذا الطرح أنك إذا ربيت ابنك جيدا فقد عصمته غالبا من الزلل حينما يدخل معترك الحياة، فقد زودته بخبراتك وحصنته نفسيا وفكريا ولن تقلق على سلوكه بعد ذلك.
فهل هذا الابن بعد ذلك لابد وأن يظل يمارس حياته حتى مماته تحت رعاية ووصاية أبيه وتحت نفس سقف البيت، أم ينطلق فى دروب الحياة يشق طريقا قد يكون مختلفا عن المسار الذى عليه أبوه.. بالقطع هو ينطلق فى الحياة ولكن أباه قد اطمأن عليه لأنه قد زوده بالزاد الذى يعصمه والذى يهديه إلى ما فيه مصلحته.
خطة لتغيير الشعب
السؤال الآن: لماذا لا تنهج الحركات الإسلامية خاصة والدعاة عامة نفس النهج؟!.. تصب طاقاتها وقدراتها وخبراتها نحو تهيئة الناس وتربيتهم ليصبحوا عناصر صالحة تخشى الله تعالى.. تحب الخير للناس.. تقدس القيم.. تكره أن تظلم الآخرين.. وألا تضع فى جداول أعمالها السعى للحكم والسيطرة على مقاليد الأمور، ولكن تترك الناس إذا عم الصلاح فالناتج سيكون صالحا.. أعضاء مجلس الشعب وإن كانوا حتى من الحزب الوطنى سيكونوا صالحين.
الجميع سيعتبر هذا ضربا من الأوهام ولكنى أقول إن ما نحن فيه هو نتاج طبيعى لضعف أداء تلك الجماعات والجمعيات حيث أهدافها كلها عامة وغير محددة محصورة فى مجرد الأداء بأى شكل والنتائج على الله، وكما قال الإمام البنا " نحن روح جديد يسرى فى الأمة" روح تسرى بصلاح الناس.
لو أن كل فرد فى تلك الجماعات وضع ذلك الهدف نصب عينيه أن يحول سلوك الأفراد إلى خشية الله وأن يُحَكِم الله ورسوله فى سلوكه وإن عصاه فسيذكر دائما أنه مذنب، لنقل أن هذا التغيير قد يحتاج من 3 – 5 سنوات للفرد.. ولو أن كل فرد تعهد بـ 10 أشخاص خلال 5 سنوات، ولو أن هؤلاء الدعاة كانوا يمثلون 1 % من الشعب فهذا يعنى أن التغيير سيعنى 10% خلال خمس سنوات فإذا أضفت تأثير هذا التغير على أسرة الشخص فقد يصل التغيير إلى 25 % من الشعب فى خمس سنوات.
قد تكون تلك الحسابات من وجهة نظر البعض خيالية، ولكن هى فقط تحتاج إلى العزيمة والتخطيط السليم والمحاسبة على النتائج أكثر من اهتمامنا بقرع الطبول.
إن تلك الجماعات لا تهتم –إلا ما ندر- إلا بالصوت العالى والقشور من الدين علاوة على انغلاقها على نفسها وعزلتها الإرادية عن المجتمع الرحب، فهذا هو دورها تزويد المجتمع بالعناصر الصالحة التى تمارس أخلاقها فى إطار المؤسسات الطبيعية بالمجتمع، ودخول ممارسة الجماعات الفكرية فى المجتمع بتكتلات حزبية يؤدى حتما إلى انخفاض أدائها لأنها حينئذ تخضع لحسابات أخرى خارج إطار تلك المؤسسات مما يؤدى إلى إفشالها وليس نجاحها.
آفاتنا الحقيقية
إن آفتنا وصراعاتنا ليست فى اختلافات وجهات النظر؛ لأن هناك العديد من القواعد المتفق عليها التى تعصم الناس والأمم من سلبيات الاختلاف كما قال على ما أظن الأستاذ / أحمد لطفى السيد "الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية"، وكذلك كما قال الإمام حسن البنا "يؤيد بعضنا بعضا فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، وقبلهما قال الإمام الشافعى "رأيى صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب".
وإنما آفتنا فى الحرص على مكاسب الدنيا بلا ضابط أخلاقى.. آفتنا فى حب الظهور وتسليط الأضواء واختفاء كل معانى إنكار الذات.. آفتنا فى حب السيطرة والتملك سواء للعرض الزائل أو للبشر.. آفتنا فى إتقان ارتداء ثياب لا نريد ارتداءها من أعماقنا ولكننا نرتديها لتحقيق أغراضنا كثوب حب الوطن وثوب ابتغاء مرضاة الله وثوب إنقاذ الوطن أو حتى البشرية وثوب حماية الدين وثوب الفضيلة.. إن آفتنا هى إظهار غير ما نبطن ونسينا أنه تعالى "يعلم خائنة الأنفس وما تخفى القلوب"، ولذلك قال الله تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما".
إننا بحاجة إلى وقفات جدية مع النفس وتصحيح نياتنا، لأن ما نجد الآن من هذه الانطلاقات المكثفة وهذا التسابق المحموم فى الظهور وتسابق الناس فى الإعلان والتصريحات غير المؤهلة وأحيانا غير اللائقة والتى معظمها غير مسئولة.. هذه الفوضى الإعلامية وحمى التصريحات لا تدل على نضج فكرى – عند افتراض حسن الظن- أو أن الأمور لا توسد لأهلها.
فهل حانت ساعة العمل بجد وبلا ضجيج.. هل حانت ساعة التعبد بالعمل أكثر من التعبد بالأقوال.. هل حانت ساعة سيادة الفكر واليد على اللسان؟.. أرجو حدوث ذلك فى القريب العاجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق