الخميس، 9 يونيو 2011

بوصلة الانتماء….. د/ أسامة سليمان



تخيل أنك تقف فى الفضاء الخارجى وتنظر للأرض فماذا سترى؟
سترى مجموعات من البشر ستنظر إليهم كجنس بشرى أو نوع من المخلوقات، وستتعجب لماذا يتناحرون ويتقاتلون مع أنهم جنس واحد (بشر)
وإذا نزلت إلى مستوى أدنى فسوف تلاحظ أن هناك أنواع مختلفة من هذا الجنس مختلفون فى ألوانهم وأشكالهم، وإذا نزلت إلى مستوى أدنى لاحظت أن هذه الأشكال والألوان ذات لغات مختلفة.
وإذا نزلت إلى مستوى أدنى لاحظت أن كل فئة لهم أفكار وقناعات مختلفة وأساليب حياة مختلفة وربما اتفقوا مع أهل لغات أخرى فى بعضها ولكن السمة العامة هى الاختلاف.

إدراك الاختلاف
فكلما ارتقيت فى المراقبة وابتعدت عن الدخول عن قرب ابتعدت عن ملاحظة الاختلاف بل وتعجبت من وجوده، وكلما كنت واسع الرؤية شامل التفكر كلما ابتعدت عن أن تكون طرفا فى الاختلاف مهما كان نوعه.
قد تكتشف وجود خلاف بين أبناء الجنس البشرى، ولكنك لن تتوقع أن هذا الاختلاف يمكن أن يؤدى إلى صراع يدمر به الناس بعضهم بعضا.
ولنتساءل : هل يمكن أن تكون الأرض دولة واحدة ؟ تعيش فى ظل نظام من العدل والرخاء والتكافل!!! بالطبع هو أمل ولكن يمكن القول بأنه من المستحيل تحقيقه ولكن لماذا إذا كان فى ذلك الفلاح للعالم وللبشرية؟!!
إذا كان ذلك مستحيلا فهل يمكن أن يتكون العالم من عدد من الدول لا تتجاوز أصابع اليد أو اليدين … إن هذا أيضا يبدو مستحيلا …
إذن فعلام يدل ذلك.. إنه يدل على أن هؤلاء البشر يعيشون مرحلة من التخلف الفكرى بحيث أنهم لا يدركون ما فيه نفعهم، ومرحلة من الأنانية وتمكن الشر من نفوسهم والانسياق وراء كل ما هو مدمر لهم؟
إن قاعدة التعامل بين الأطراف المختلفة تقول إن أفضل أساليب التعامل بين أى طرفين هو أن يكسب الطرفان وأسوأها أن يخسر الطرفان أو أن يصر كل طرف على أن يكون مكسبه بخسارة الطرف الآخر.
إن العالم الآن يسير بمبدأ إما خسارة الطرفين أو المكسب على أنقاض الآخر ولا أحد ينظر لأن يكسب الجميع، ومن المؤسف أن هذا السلوك البشع أصبح متغلغلا فينا كأفراد والتشرذم أصبح عقيدة فى داخلنا وهذا ما خسره العالم بانحسار تطبيق مبادئ الإسلام كما أراداه الله عز وجل وطبقها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

مجرد حلم
هيا بنا نعيش سويا حلما جميلا نتخيل فيه أنك تعيش فى عالم تتنقل بين ربوعه بلا حدود لأنك تنتمى إلى أهل الأرض، وإن نزلت بك مصيبة وجدت الآدميين الآخرين يعينونك عليها لأننا جميعا من الجنس البشرى وأن لكل فرد الحق فى أن يعتنق ما يعتنق من أفكار طالما لن يضر بها أحدا ولن يقهر أحدا ليجبره على اعتناق أفكاره، وأنك إن أقدم أحد على ظلمك منعه الآخرون لأنه لا يجوز فى أعراف البشر أن يظلم بعضهم بعضا كجنس بشرى.
طبعا هذا من الخيال الذى يحلق بعيدا عن أرض الواقع والذى يستحيل تحقيقه، ولكن هذا ما حققه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يضمنه الإسلام للبشرية إن اتبعوه.
دعك من هذا الحلم وتعالى لننظر فى أنفسنا واسأل نفسك هذه الأسئلة.
إذا صادفت أحدا ذو فكر عبقرى ومتميز يقدم ما هو مفيد فبماذا ستحدثك نفسك؟
هل ستكون حزينا لأن ذلك الشخص ليس أنت أم ستكون سعيدا أن وجدت هذا الشخص؟
هل ستكون فخورا به لأنه من أقربائك أم حزينا لأنه ليس من أقربائك؟
هل ستكون فخورا لأنه من القطر الذى تنتمى إليه أم حزينا لأنه ليس من جنسيتك؟
هل ستكون فخورا لأنه من الاتجاه الفكرى أو العقائدى الذى تنتمى إليه أم حزينا لأنه ليس كذلك؟
أم ستكون سعيدا أن هيأ الله للبشرية مثل هذا الشخص بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه أو اعتقاده؟!!!
بقدر ما ستشعر يمكنك أن تحدد فى أى مستوى من التخلف تعيش؟
لقد خلقنا الله سبحانه كبشر لنعمر الأرض فهذه وظيفة البشر بغض النظر عن أنواعهم أو انتماءاتهم؟
فهل أنت بهذا القدر من رحابة الفكر؟
سؤال آخر أرجو أن تسأله لنفسك؟
ما هو حدود الانتماء الجغرافى الذى تشعر به؟ هل حدود حيك أم قريتك أم قطرك أم جزء من العالم أم العالم أجمع؟ وهذا بالطبع لا يتعارض مع حبك لمكان دون مكان؟ وتفضيلك لمكان على مكان؟
سؤال آخر : هل تفضل أن يحكمك عادل ليس من بلدك أم ظالم من بلدك؟

إذن ماذا كان هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله من الصحابة دون فرق بين عرب وعجم وكانوا نسيجا واحدا لا فرق بين شريف وغيره ولا فقير أو غنى ولا أسود أو أبيض أو أصفر فكان سلمان الفارسى وبلال الحبشى وصهيب الرومى اجتمع العالم كله فى بوتقة واحدة ويوم قال أبو ذر الغفارى رضى الله عنه لبلال بن رباح يا ابن السوداء قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنك امرؤ فيك جاهلية" فلم يبرح أبو ذر مكانه حتى وضع خده على الأرض وأمر بلال أن يضع قدمه على وجهه كفارة عن ذلك السلوك الذى سلكه والمقولة التى قالها.
إذ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا فرق لعربى على عجمى إلا بالتقوى" والجميع سواسية كأسنان المشط.
وكما قال صلى الله عليه وسلم " من لم يهتم بأمر المسلين فليس منهم " أى المسلمين فى جميع بقاع الأرض قال القرآن الكريم " غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون فى بضع سنين" موجها أنظار المسلمين وهم مازالوا مستضعفين فى مكة لأن ينظروا للعالم فالمسلمون مسئولون عن سعادة هذا العالم.
وكما قال الشاعر:
أضحى الإسلام لنا دينا       وجميع الكون لنا وطنا

لقد كان وحتى الآن عظماء علماء المسلمين من شتى بقاع الأرض لا ينظر لجنسياتهم ولا لألوانهم.
وكانوا يتنقلون بين بلاد الله لا يبالون من أى البلاد هم ولا أهل البلاد التى يقدمون عليها يبالون من أى البلاد جاءوا.

الانتماء للإنسانية
إن فكر الانتماء للإنسانية والانتماء للعالم وإعمار الأرض وتقديم ما ينفع الناس والأخذ من الناس ما ينفعنا لابد وأن يوجد على أرض الواقع ليضئ الكون وحتى لا نصد عن سبيل الله، فإن ما نحن فيه من شرذمة وقبلية مقيتة وضيق أفق واختلاف هو أكبر عامل فى الصد عن سبيل الله لأننا لا نقدم النموذج الذى ارتضاه الله سبحانه وتعالى للبشرية وليس المسئول عن ذلك حكام المسلمين فقط (ومصيبتهم عظيمة أمام الله سبحانه وتعالى) بكل ما يفرقون به بين الشعوب وبعضهم البعض من حدود وجنسيات وتناحر وتظالم وعنصرية …الخ.
ولكننا أيضا فى أنفسنا عقولنا حبيسة النظرات الضيقة والرؤى المحدودة فلا ننظر للعالم إلا من خلال أنبوب ضيق مجال رؤيته ليس الكون ولكن أنفسنا فقط فكل منا حريص على نفع نفسه كما يظن فى دنياه ولو أضر بالآخرين لا أن ينفع غيره من البشر - وليس المسلمين فقط – وإن تكبد بعض العناء. لا نربى أنفسنا وأبناءنا على انتزاع الفواصل والحواجز فى داخلنا بيننا وبين بقية البشر ، لا نتربى على الفخر بعقيدتنا فى المقام الأول فهى المنقذ لنا فى الدنيا والآخرة وهى المنقذ للبشرية وأننا مطالبون بتقديمها فى أحسن هيئة للآخرين لاستنقاذهم من النار وليسعدوا فى الدنيا والآخرة مثلنا.

لابد أن نتربى على أن القيم الإنسانية الأصيلة التى خلقها الله فى النفوس البشرية منذ الأزل (لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم) لم يبتكرها الإسلام ولكنه أقرها وزكاها ودعمها فالخير موجود فى جميع البشر غير أنه ظاهر عند البعض وإن كانوا غير مسلمين ومغطى عند البعض وإن كانوا مسلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق