الأحد، 12 يونيو 2011

د. هشام الحمامي يكتب: أسباب تحولي من رفض إلى قبول ترشح د. أبو الفتوح.. الذاتي والموضوعي والتاريخي في ترشح عبد المنعم أبو الفتوح (1-2)

 د. هشام الحمامي يكتب: أسباب تحولي من رفض إلى قبول ترشح د. أبو الفتوح
الذاتي والموضوعي والتاريخي في ترشح عبد المنعم أبو الفتوح (1-2)


 يعلم كثيرون أنني كنت من المعارضين لقرار د.عبد المنعم أبو الفتوح بالترشح لانتخابات الرئاسة القادمة. وكانت وجهه نظري بالأساس تنصب على أهمية إدراك التحول التاريخي الذي تشهده مصر الآن كمقدمة لمواصلة نهج الأستاذ حسن البنا الذي انقطع منذ عام 1949م.

السياق التاريخي.. مقدمة مهمة

ذلك أن الجماعة دخلت في مواجهة مع نفسها نتيجة لاختيار الأستاذ حسن الهضيبي من خارج الجماعة (ولذلك حديث يطول يشكل فيه الجانب النفسي مساحة كبيرة..). ثم تطور الوضع إلى حالة مواجهة مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر؛ تلك التي ساهم المرحوم السندي في صنعها بجهد كبير؛ انتقاما لنفسه بعد إبعاده المفاجئ والمهين من قيادة الجهاز الخاص. إن قرار إبعاد كان صحيحا بنسبة 100%، وطريقة الإبعاد كانت خطأ بنسبة 100%.



وسيحدثنا التاريخ بعدها عن الدوافع النفسية التي كمنت بكثافة خلف هذا الإبعاد المهين. ذلك أن الأفق السياسي الذي كان يتمتع به الأستاذ البنا ما كان حاضرا عند كثيرين بعده، وما كان تأخر الأستاذ البنا في قرار إبعاده إلا للبحث له عن مخرج كريم يحفظ له مكانته وسط جنوده ومريديه. مكانة السندي عند أعضاء الجهاز الخاص كانت مكانة عظيمة. وأذكر أن المربي الفاضل الأستاذ محمد الدسوقي بقنينة كان إلى أوائل الثمانينيات؛ قبل انتقاله إلى رحمة الله يتحدث عنه بإكبار واحترام كبيرين. وللأسف الشديد، كان هناك تعمد لإهانته والشماتة فيه والعياذ بالله، وهو ما جعله دبا جريحا شديد الشراسة.

فمن ناحيته، كان السندي شديد الاعتداد بما أنجزه، شديد التعالي على من حوله، فأوغر ذلك صدورا كثيرة، دفعتهم ليفعلوا به ما فعلوا. وبعد ذلك سيحدثنا العلامة الدكتور سيد الدسوقي عن الأخطاء السياسية التي ارتكبها الأستاذ الهضيبي والأستاذ عبد القادر عودة؛ متأثرين فيها بعملهم الطويل في القضاء الذي لا يعرف إلا الأحكام، والمرحلة لم تكن تتطلب قاضيا يفصل بين الصواب والخطأ، بل كانت تحتاج سياسيا أريبا يفهم لا يحكم.. ويستوعب لا يدين.. وهي الأخطاء التي أدت إلى ما أدت في حق الجماعة وفى حق الوطن.
ذلك أن الجماعة دخلت في مواجهة مع نفسها نتيجة لاختيار الأستاذ حسن الهضيبي من خارج الجماعة (ولذلك حديث يطول يشكل فيه الجانب النفسي مساحة كبيرة..).
ثم تطور الوضع إلى حالة مواجهة مع الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر؛ تلك التي ساهم المرحوم السندي في صنعها بجهد كبير؛ انتقاما لنفسه بعد إبعاده المفاجئ والمهين من قيادة الجهاز الخاص. إن قرار إبعاد كان صحيحا بنسبة 100%، وطريقة الإبعاد كانت خطأ بنسبة 100%. وسيحدثنا التاريخ بعدها عن الدوافع النفسية التي كمنت بكثافة خلف هذا الإبعاد المهين. ذلك أن الأفق السياسي الذي كان يتمتع به الأستاذ البنا ما كان حاضرا عند كثيرين بعده، وما كان تأخر الأستاذ البنا في قرار إبعاده إلا للبحث له عن مخرج كريم يحفظ له مكانته وسط جنوده ومريديه. مكانة السندي عند أعضاء الجهاز الخاص كانت مكانة عظيمة. وأذكر أن المربي الفاضل الأستاذ محمد الدسوقي بقنينة كان إلى أوائل الثمانينيات؛ قبل انتقاله إلى رحمة الله يتحدث عنه بإكبار واحترام كبيرين. وللأسف الشديد، كان هناك تعمد لإهانته والشماتة فيه والعياذ بالله، وهو ما جعله دبا جريحا شديد الشراسة.

دخلت الجماعة آتون الخمسينيات والستينيات، وخرجت في منتصف السبعينيات مثخنة بالجراح الفكرية والحركية. وإذا كانت مجموعة الجهاز الخاص هي المجموعة شديدة الترابط.. شديدة التنظيم.. شديدة العسكرة.. (ولا لوم عليهم فكما بدأت ستبقى)؛ فقد استطاعوا إحياء الجماعة من جديد. وسيذكر لهم التاريخ دورهم العظيم في الحفاظ على التنظيم وشد أواصره. لكن التاريخ سيذكر بعدها أنهم أجمعوا على ضرورة إبعاد أصحاب البنا الأوائل الأساتذة العظام عمر التلمساني وفريد عبد الخالق وصالح أبو رقيق وحامد أبو النصر وحلمي عبد القادر ومثلهم في المحافظات والأقاليم، والاكتفاء فقط باستحضار من يحتاجون إليه في الشرعية التنظيمية.

لقد كنت أحد من اهتموا كثيرا بفهم هذه (الغامضة) من الغوامض الغريبة من أوائل الثمانينيات، ولم اهتد إلى شئ واضح. وحين حاول هؤلاء الأساتذة الاتصال بجيل الشباب؛ تدخل رجال الجهاز الخاص، وأفهموا هؤلاء الشباب - على ما يذكر د. عبد المنعم أبو الفتوح - أن يبقوا فقط على الاتصال بهم؛ ذلك أن الأساتذة الكبار أوكلوا إليهم هذا الأمر لضيق وقتهم وضعف صحتهم. لم يكن الأمر بهذه الدقة، ولكن كان هناك ما لم يحدثنا عنه التاريخ بعد.ولعل د. أبو الفتوح يعلم ما لم يفصح عنه بوضوح في شهادته، ذلك أنه كان قناة الاتصال الكبرى بين الشباب وبين الجماعة الآخذة في التكون. وبعد ذلك سنعرف أنه بوفاة الأستاذ عمر التلمساني غاب عن د. أبو الفتوح أهم وأقوى حاضن وحامى له. كان التلمساني يرى في أبو الفتوح (عبق البنا)؛ كما قال لي أحد الإخوان الكبار، ولم يكن هذا رأى الباقين. وقد ساهمت الطبيعة الشخصية للدكتور أبو الفتوح في تكوين رأيهم هذا الذي لم يكن منصفا. ومن يعي موقفه أمام الرئيس الأسبق: السادات يدرك أنه كان هناك تحضير لشئ ما من قبل الأساتذة الأفاضل رجال الجهاز الخاص. وبعد ذلك سيأتي المهندس خيرت الشاطر للاستقرار في القاهرة بعد تجربة عميقة في منظمة الشباب والتنظيم الطليعي (أيام المرحوم شعراوي جمعة والسيد علي صبري كما ذكر الروائي الموهوب د محمد المخزنجي)، ثم ما تلبث العلاقة بينه وبين مجموعة 65 أن تتوحد متظللة برعاية رجال الجهاز الخاص العظام، وبهذا نكون قد دخلنا الفصل الأخير في رواية شديدة التعقيد نتركها ونترك تفسيرها للتاريخ.
لماذا ضننت به على المنصب؟ الإخوان بين مرحلتين
هذا استطراد سريع جدا لمسار الحركة خلال الفترة من 1949 إلى 2011م. وما ذكرته هو حقائق مستندة إلى معلومات دقيقة عشتها وتحصلت عليها عبر 32 عاما في ظلال الجماعة. تغيرت الدنيا والناس وبدا لكثير من أبناء مدرسة الإخوان المسلمين أنه قد حان الحين لاستكمال ما انقطع نتيجة لكل ما ذكرناه سابقا. وكنت واحدا ممن ازدادت حرارة حماسهم لهذا الأمر. ورأيت أن أهم دور يقوم به د. أبو الفتوح الآن هو هذه العودة الميمونة إلى النهج الذي غاب لأسباب كثيرة. أبو الفتوح يمثل أيقونة إصلاح وتطوير شديدة الرمزية والقبول والقوة لدى أبناء الجماعة ولدى المجتمع نفسه. أقول ذلك وأنا اقترب من الخمسين، وليس مثلى من يطلق أحكاما من شعاعات وجدانية متناثرة. نعم اعتز واشرف كثيرا؛ وإلى أبعد مدى بأخوة وصداقة د. عبد المنعم أبو الفتوح. من يوم أن أوفدني المربي الفاضل محمد الدسوقي بقنينة لاستقباله على محطة سكة حديد دمنهور؛ وأنا بعد طالبا في السنة الأولى من المرحلة الثانوية سنة 1979، وإلى أن أكرمني الله بشرف صحبته عن قرب منذ عشر سنوات، بعد أن وفدت للإقامة الكاملة في القاهرة. فمنذ تعرفي به وأنا أرى فيه صرحا كبيرا وقامة رفيعة ورائدا شريفا لجيل بأكمله داخل وخارج جماعة الإخوان المسلمين.
من هذه الزاوية المليئة بالحب والحنين للدعوة؛ تكون لدى الرأي بأهمية البناء الداخلي للجماعة في العلن؛ تحت شمس الحرية الجديدة. وقلت له صراحة رأيي في رفض فكرة الترشح للرئاسة. وكتبته في مقالات متتالية. لكن الأمر بدا له على نحو آخر. وبدأت تتكون عنده رؤية أخذت تتزايد في الوضوح يوما بعد يوم تجعله يتمسك برأيه في أن قرار الترشح هو قرار صحيح. ثم ذهب إلى العمرة، وجاء وهو شديد اليقين بأن هذه الخطوة لا ينقصها إلا البدء فورا في الاستعداد لها. وأتاح لي قربي منه أن أعلم أن عددا كبيرا من المفكرين الإسلاميين الكبار؛ وعددا كبيرا من العلماء المتخصصين في المجالات التطبيقية المتنوعة داخل وخارج مصر لا يكفوا عن الاتصال به والالتقاء به لدفعه إلى الأمام قدما في اتجاه الترشح.
وإذ تبين لي كل ذلك؛ لم يسعني إلا أن أبارك قراره، وأشد على يديه، لكن العاطفة استدعت مني أن أذكره بالمشقة التي تنتظره هو وكل من حوله، فقال لي إنه الواجب الذي لا محيد عنه، ولعل فاطر السموات والأرض يقبلني ويتقبل منى، هو وليي في الدنيا والآخرة؛ عليه توكلت وإليه أنيب.
وفي النهاية، اقتنعت بوجهه نظرة في انعكاس القرار على موقفه من الجماعة دفعا بالجماعة إلى أن تكون جامعة كبرى وهيئه شاملة في تخريج الساسة والوزراء والحكام والمربين والمفكرين والفنانين، وليس مطلوبا منها أبدا أن تكون هي نفسها كل ذلك، مؤكدا بفعله هذا وبنفسه هذه الروح.

ملحوظة:
في الحلقة القادمة، سأستكمل ما هو موضوعي في قرار د. أبو الفتوح، حيث سأتحدث عن رؤية الغرب لمقاربة التجربة التركية، كما سأخوض في خصائص د. أبو الفتوح الذاتية التي تجعل من كون هذا القرار خطأ إذا ما صدر عن أي أحد غيره. سأتحدث أيضا عن زيارة قديمة لنا سويا للدكتور محمد سليم العوا في مكتبه؛ وتحديدا قبل انتخابات 2005؛ وما أفضت إليه هذه الزيارة. سأتحدث كذلك عن رؤية عدد من التكنوقراط المقيمين في الخارج لحالة فوزه.. وأشياء أخرى كثيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق