الثلاثاء، 21 يونيو 2011

الإخوان المسلمون، بين العسكري والمدني …… د/ عزام تميمي


قرر الإخوان المسلمون في مصر فصل الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عقاباً له على مخالفته قرار الجماعة بعدم ترشيح أحد أعضائها لانتخابات الرئاسة في مصر

لا أدري كيف استقبلت قواعد الإخوان في مصر هذا القرار ولكن بالنسبة لي ولكثيرين مثلي، نحن الذين عرفنا عبد المنعم أبو الفتوح منذ كان شاباً يافعاً، ما كنا نتوقع مثل هذا الإجراء حتى لو قبلنا بأنه ارتكب مخالفة صريحة للأوامر القيادية في قضية اجتهادية بحتة. لقد عرفنا الرجل وأعجبنا به وأحببناه وتعلمنا منه، وهو الذي قضى جل حياته في صفوف الحركة ناشطاً مناضلاً حاملاً لرسالتها ومدافعاً عنها وملهماً للأجيال الشابة من المنتسبين إليها والمتعاطفين معها

ليست تلك هي المرة الأولى التي تضحي فيها الحركة بأفضل أبنائها، وكم تكرر ذلك منذ استشهاد مؤسسها حسن البنا رحمة الله عليه. حينها اضطرت الحركة إلى تكريس الذهنية الأمنية العسكرية دفاعاً عن وجودها المهدد، ولعلها كانت معذورة حينذاك. إلا أن هذه الذهنية أصبحت السمة المهيمنة بسبب إلجاء الحركة إلي العمل السري الذي يتطلب طاعة شبه مطلقة لمن يبايعون على هذه الطاعة في المنشط والمكره، وكأنهم في سرية أو غزوة أو في معركة من معارك الفتح الإسلامي الأول

ولعل من أعجب ما شهدناه في تاريخ التنظيمات الإخوانية أن الذهنية العسكرية وأسلوب العمل السري أصبح هو السائد، وكأنه الأصل، حتى في الأقطار التي لم تتعرض فيها التنظيمات لمنع أو ملاحقة أو اضطهاد. بل تقمصت قيادات تلك التنظيمات الشخصية المضطهدة في تضامن مع إخوانهم الذين اضطهدوا في مواقع أخرى.

مثل هذه الذهنية تضيق حيز الاجتهاد وتقضي على هامش الاختلاف المشروع، وخاصة في الحالات التي تتلبس فيها القيادة سواء من حيث أدركت أو لم تدرك صفة الملهم المعصوم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. في مثل هذه الحالة يصبح ما تراه القيادة هو الصواب الذي لا ينبغي أن يحيد عنه الأتباع، ومن حاد عنه فقد عصى الله ورسوله لأن في رقبته بيعة.

وأكثر ما تسوء فيه أوضاع الحركة، هي الحالة التي يغيب فيها عن البال أن الأشخاص المؤتمنين على شؤون الحركة إنما هم بشر كالبشر يصيبون ويخطئون، ويهتدون ويضلون، وأن احتمال خطأ قرارهم أو توجههم في ظرف من الظروف قد لا يقل عن احتمال صوابهم. وقد شهدنا كيف كان قرار قيادة الإخوان في أكثر من ظرف كارثياً، خذ مثالاً على ذلك حينما كان في سوريا مدمراً وفي الأردن مضيعاً لفرص ثمينة، وفي الجزائر مخيباً للآمال ومحرجاً أيما إحراج، وفي مصر مصدراً للأزمة من أزمة مع الخارج إلى أزمة مع الداخل، ولا يتسع المجال هنا للتفصيل، ولمن أراد الإطلاع على جزء يسير من ذلك فليقرأ ما كتبه بعض كبار الإخوان سابقين وحاليين من مذكرات أو ما صرح به لي بعضهم في سلسلة برامج مراجعات التي بثت على قناة الحوار خلال السنوات الخمس الماضية.

رأينا قيادات التنظيمات الإخوانية من وقت لآخر تغير رأيها تجاه نفس القضية، صحيح أنه في بعض الأوقات بسبب تغير الظروف، ولكن في أوقات أكثر بسبب تغير الأشخاص أو المزاجات، وفي أوقات بسبب هوى في النفس لدى المتنفذين في موقع القيادة، وبين حالة وحالة تنزف الحركات الإخوانية من خيرة أبنائها وممن كان لجهودهم وتضحياتهم ومساهماتهم الفضل الكبير على هذه الحركات. والسؤال الذي يطرح عادة في هذه الحالة هو لماذا تتجرأ قيادات الإخوان في بتر بعض أعضائها لمجرد خلافات على اجتهادات. فالقيادة يسمح لها أن تشارك في الوزارة، أما لو شارك فرد من أفرادها لمصلحة يرتأيها فإنه مخالف ويفصل، ويسمح للقيادة أن تشرع المشاركة في انتخابات ما أما لو كان ذلك قرار فرد من أفرادها فتلك هي الطامة الكبرى، والقيادة وحدها تقرر متى تشارك ومتى تقاطع، ومن خالف فمصيره الشطب والتشهير.

بعض الذين خرجوا أو أخرجوا من الإخوان تحولوا إلى خصوم، فلم يستفيدوا ولم يفيدوا، وهؤلاء ربما كان بعضهم محقاً في البداية إلا أنه فقد الحق بسبب الإغراق في الرغبة في الانتقام لشخصه من حركة اعتقد يقيناً بأنها ظلمته ولم تقدره قدره، فوقع في محظور إذا خاصم فجر.

إلا أن النسبة الأكبر ممن ضحت بهم قيادات الحركات الإخوانية عبر عقود طويلة آثروا الانشغال بما يفيد الأمة بأسرها الأمر الذي عاد بكثير من الفائدة أيضاً على الحركة التي لفظتهم لأنها تظل جزءاً من الأمة ولأنهم يظلون في نظر المتلقين لفكرهم والمستفيدين من جهدهم خريجي المدرسة الإخوانية التي ينتشر المعجبون بها والناهلون من معينها والمستفيدون من ثرائها حول العالم، ولو أردت أن أعد قائمة بأسماء هؤلاء العظام وإنجازاتهم ومساهماتهم لألفت مجلداً أو مجلدات.

أتوسم في عبد المنعم أن يكون من الفئة الثانية، فالرجل شخصية وطنية في مصر، وشخصية عامة عروبية وإسلامية على المستويين العربي والإسلامي، ورغم فصله التعسفي من الجماعة إلا أنه قادر على استمرار التواصل مع محبيه داخل الجماعة وخارجها، يفيدهم ويلهمهم، ويقدم لهم تجربته الثرية عبر عقود طويلة من النضال.

إن خروج عبد المنعم أبو الفتوح ومن في مثل قدره من الجماعة خسارة للجماعة أكبر مما هو خسارة له، لأن المرء حينما يصبح شخصية عامة فإن الجماعة تحتاجه أكثر مما يحتاجها، وتستفيد منه لو أرادت أكثر مما يستفيد هو منها. لعل خروج عبد المنعم أبو الفتوح من الإخوان ليس بالأمر السيء، حيث أن ذلك سيحرره من القيود التنظيمية التي تفرضها الجماعة في العادة على منتسبيها وسيفتح أمامه من الأفاق ما لم يكن متاحاً من قبل بسبب العقبات البيروقراطية لتنظيم ماتزال تطغى فيها السمة العسكرية على السمة المدنية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق