الأربعاء، 15 يونيو 2011

ماذا يحدث داخل الإخوان.. الآن؟! نحو اختلاف آمن!!… علاء سعد حسن


شهدت جماعة الإخوان حراكا ملحوظا قبل وبعد ثورة 25 يناير.. المظاهر الأبرز لهذا الحراك تمثلت في انتخابات مكتب الإرشاد يناير 2010 – استقالة الدكتور محمد حبيب نائب المرشد العام – اعتزام الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الترشح لرئاسة الجمهورية مخالفا لقرار الجماعة – إنشاء الدكتور إبراهيم الزعفراني حزب النهضة..
هذه السطور محاولة للإسهام في الفهم بعيدا عن التجني أو المجاملة.. وبعيدا عن عملية الاستقطاب بين " مع " و " ضد "..

الارتباط بالمبادئ لا بالأشخاص…..  قاعدة إخوانية هي في الأصل قاعدة إسلامية عامة يقول الحق تبارك وتعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144 ، ليؤكد مبدأ الارتباط الوثيق بالعقيدة رغم أن جزء من هذه العقيدة ذاتها هو شهادة ( أن محمدا رسول الله ).. ولقد قيل أن الرجال يعرفون بالحق وأن الحق يعرف بذاته لا بالرجال.. فالارتباط والولاء في الإسلام وبالتالي في الإخوان بالمبادئ والثوابت لا بالأشخاص والرموز أيا كانت أسماؤهم ومقاماتهم.
وللأشخاص النابهين بصمة لا يستهان بها.. تمتزج بصمتهم بالفكرة وهذه حقيقة أخرى فالقيم ليست نظريات مجردة في الفراغ وإنما هي ترتبط بأشخاص يجسدون هذه المبادئ، ولذلك وجدنا الإسلام يثني على رجال بأعينهم ويعذرهم لعظيم سبقهم وجهدهم وجهادهم وإخلاصهم من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" فللسابقين دائما مكانة ومنزلة خاصة وبصمة مميزة، وفي الإخوان من ذا الذي ينفي أن رموزا في وزن محمد حبيب وأبو الفتوح والزعفراني لهم بصمة اصطبغت بها جماعة الإخوان خلال ربع قرن مضى؟
كما أن هؤلاء لهم بصمتهم الشخصية على المحتكين بهم، فمن ذا الذي ينكر تأثر إخوان الاسكندرية والبحيرة بشخصية إبراهيم الزعفراني وحركته وتضحياته وحماسه واقباله؟!
وهنا تمتزج المبادئ بالأشخاص من هذا الصنف بحيث لا يمكن فصل المبدأ عن الرمز ولا الرمز عن المبدأ وإلا كان فصلا تعسفيا جائرا.. خاصة أنه قد يجتهد رمز ويتأول فيخطئ، أما أن تلتقي مجموعة من الرموز على اجتهاد معين أو يغاير اجتهادها اجتهاد الجماعة فهذا يعني أن الفكرة والمناخ والتربية ذاتها لها تأثير مباشر على هذه الاجتهادات..
الاختلاف الحاصل بين هؤلاء الأقطاب وبين الجماعة هل هو اختلاف على المبادئ الثابتة أم على الوسائل والاجتهادات في الوسائل الأنسب للمرحلة؟
هو لاشك اجتهاد في الوسائل أو اختلاف في الاجتهاد وليس على شيء من الثوابت التي قامت عليها الجماعة.. فقضية خوض انتخابات الرئاسة أو حرية الأفراد في تأسيس الأحزاب والانضمام إليها، ليست خلافات على ثوابت الإسلام ولا مبادئ الدعوة وبالتالي فإن السماح فيها وارد والتجاوز عنها مطلوب.
القول بمخالفة الشورى …..قول حق لكن!!
الشورى ملزمة غير أن ممارسات الشورى التي يتم اتخاذ القرار وفقها مازالت ناقصة وغير مستوعبة لكافة شروط الشورى، فالطعن المقدم أصلا على انتخابات مكتب الإرشاد الأخيرة والطريقة التي أجريت بها تضع أمر الشورى بين عقول تيار واحد متجانس ولا نستطيع الجزم بأن الاجتهادات الأخرى داخل الجماعة استطاعت أن تعبر عن رأيها بشكل صحيح ومؤثر..
الجماعة ليست الأمة ولا تنسحب عليها أحكام الدولة.. حقيقة واضحة جلية في أدبيات الإخوان أن جماعة الإخوان جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين، وأن أحكام الدولة غير أحكام الدعوة، وأنه على ذلك لا قياس في قضايا مثل إلزام الشورى ولا قضايا الولاء والطاعة على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا الدولة الإسلامية في أي وقت.. لأن بيعة الجماعة إنما هي بيعة جزئية على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعمل على تمكين الإسلام وإقامة الدين.. أما بيعة الدولة المسلمة فهي بيعة عامة على تطبيق كافة أحكام الإسلام بتمامه وكماله.. وبالتالي فإن الخروج على البيعة الخاصة في بعض جوانبها غير الخروج على البيعة العامة لإمام المسلمين.. ومن يخرج على احد اجتهادات الجماعة ولو أيدتها شورى الجماعة ربما خرج إلى اجتهاد أفضل وأكمل منه.. 
الولاء بين الوطن والجماعة.. مما سبق يتضح أن الولاء للوطن مقدم على الولاء للجماعة الجزئية وبالتالي مصلحة الوطن مقدمة على مصلحة الجماعة.. فمثلا قد تكون من مصلحة الجماعة عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية أو عدم تشكيل أحزاب متعددة.. بينما تكون مصلحة الوطن العليا تتطلب هذه المشاركة وفق سنة التدافع في وقت تتكالب فيه قوى معينة وتضغط لمنع الإسلام من المنافسة الحقيقية..

يسع الفرد ما لا يسع الجماعة.. هذه القاعدة التي قررها الأستاذ الراشد في تعقيبه على قصة الصحابي الجليل أبي بصير.. ربما كان من الأوفق لجماعة في حجم الإخوان وفي مثل ظروفها التاريخية والراهنة تجنب المشاركة في الانتخابات الرئاسية وعدم خوض الانتخابات البرلمانية بما يتجاوز نسبة معينة.. وهذا حقها تماما وفق رؤيتها واستطلاعاتها التي تبني عليه مواقفها.. ومع ذلك يجوز لفرد يملك كفاءات ومؤهلات خاصة أن يتقدم بفدائية ويضحي مقتحما الصفوف من أجل فتح الطريق للدعوة ككل من بعد، ولعل الله يجعل على أيدي هؤلاء من الرواد فرجا ومخرجا للحركة الإسلامية ككل من بعض مآزقها الراهنة والتاريخية..

الإصلاح من الداخل.. مقولة استقرت في وعي الحركة الإسلامية طويلا دون أن تكون حتمية مسلم بها، فإن البيعة الجزئية مع جماعة إقامة الدين تستوجب على الفرد في حالة اختلافه في الاجتهاد مع اجتهاد الجماعة النصح والإرشاد، فإذا حالت طبيعة إدارة العمل والتكتلات التي تحكمه دون تحقيق هذا الإصلاح الداخلي فإن الانتقال إلى الإصلاح من خلال العمل العام أو من خلال وضع منهجا أكثر تكاملا ورشدا أولى من إضاعة الوقت والجهد في محاولات الإصلاح الداخلي.. وإننا في الواقع أمام ثلاث تجارب حية نجح فيها أبناء المدرسة الإخوانية عندما استقلوا عن التنظيم في تحقيق نتائج رائدة، إحداها في مجال العلم الشرعي، والثانية في مجال الدعوة والإعلام، والثالثة في مجال العمل الاجتماعي والإغاثي.. 
خلاصــــة.. من مجموع ما سبق مع الأخذ في الاعتبار أن ثورة يناير سارعت من وتيرة الحراك داخل الجماعة، وأن ما كان مقبولا أو مسكوتًا عنه في مرحلة القهر والقمع والملاحقة، لم يعد كذلك في مرحلة العلنية الكاملة والمشاركة المجتمعية والوطنية الفعالة والعمل مع باقي القوى الوطنية من أجل إعادة بناء الوطن.
فإن ما يحدث داخل الإخوان ليس مجرد خروج فرد أو مجموعة محدودة من الأفراد عن رؤى الجماعة أو اجتهادها.. بل هي أقرب إلى محاولة بلورة مجموعة من الرؤى التي ظلت مكبوتة داخل الجماعة فترة من الزمن – بسبب الظروف الخارجية المحيطة في الغالب الأعم- إلى اتجاه في العمل الإسلامي مغاير لما يجري به العمل داخل الإخوان فيما يمكن اعتباره اختلاف التنوع – الذي أثنى عليه بن تيمية – وليس اختلاف تضاد..وعلى الطرفين القبول بفكرة اختلاف التنوع والعمل معها باعتبارها حتمية بشرية..

رؤية للخروج من المأزق الراهن.. أعلنت الإخوان أنها لن تنافس على الأغلبية في مجلسي الشعب والشورى ولن تخوض انتخابات الرئاسة وسط تشككات متعمدة من قبل أطراف سياسية عديدة القليل من هذه الشكوك مبررة وأغلبيتها مصطنعة.. ويأتي إعلان الدكتور أبو الفتوح عن خوضه انتخابات الرئاسة ليلقي بظلال من الريبة بين فصائل القوى الوطنية وبين الإخوان إذ يرى كثيرون أن ترشح شخصية اخوانية لها ثقلها مثل أبو الفتوح يمثل نكثا لوعود الإخوان، وأن الإعلان عن مخالفة أبو الفتوح لقرار الإخوان بمثابة لعبة سياسية بين الطرفين.. مما يضع الإخوان ولاشك في موقف حرج أمام المتشككين بطبيعتهم من المشاركة الاخوانية.. الموقف إذن دقيق وحرج.. وللخروج من هذا المأزق لابد لكل من الجماعة وأبو الفتوح أخذ حزمة من الإجراءات.. فعلى الجماعة فعلا الإعلان عن فصل الدكتور عبد المنعم لخروجه على قرار شورى الجماعة.. وربما كان عليها أيضا الفصل العلني لمؤيدي ترشيحه للرئاسة من داخل صفوف الجماعة.. في الوقت الذي يستوجب على أبو الفتوح إعلان استقالته الإدارية من الجماعة.. وأن يخوض حملته الانتخابية مستقلا بشكل تام..
لكن على الجماعة أيضا أن تحدد موقفها من ترشح أبو الفتوح بصفته مرشحا مستقلا ذا مرجعية إسلامية وسطية وتربية وميراث إخواني لا شك فيه.. فإما أن تعلن تأييدها لأبي الفتوح بصفته المرشح المستقل الأكثر قبولا من التيار الإسلامي.. أو أن تتخذ موقفا مشابها لما اتخذته في انتخابات الرئاسة السابقة بترك حرية الاختيار لكافة أعضائها على اعتبار أن الجماعة ليس لها مرشحا يمثلها..
على أنني شخصيا أعتبر أن الموقف الثاني موقفا مائعا لا يجب أن يصدر من جماعة بحجم الإخوان..
كما أنه لا يمكن أبدا أن تعاقب الجماعة الدكتور أبو الفتوح على استقلاليته واتخاذه قرارا بالترشح بأن تعلن عدم تأييدها له أو أن تطلب من قواعدها عدم التصويت له عقابا على موقفه المستقل!!

فصوت الناخب أمانة وشهادة فإما أن يقولها بإنصاف وتجرد لله وإما أنه سيحاسب على التقصير في أدائها أمام مولاه، فكيف يجيب الناخب على ربه إذا تعمد تجنب اختيار أبو الفتوح وهو يعلم أنه على المستوى الشخصي والفكري والخلقي انسب من منافسيه؟!
إن فصل أبو الفتوح وأنصاره من الجماعة يفي بوعود الإخوان السياسية.. كما أن دعمهم له لاحقا باعتباره شخصية مستقلة يفي بالتزاماتهم الشرعية والدعوية والأخوية والفكرية.. أما هجوم الخصوم عليهم فسيستمر كحتمية من حتميات التدافع أيدوا أبو الفتوح أم لم يؤيدوه..
وعلى شباب الطرفين الكف عن تبادل الاتهامات، وعليهم أكثر من ذلك أن يرفعوا شعار ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ) ويتركوا للزمن أن يحكم على مدى صواب اجتهادهم.. لقد آن أوان الاختلاف، ولم يعد في الإمكان دفعه أو تأجيله، فليكن اختلاف تنوع لا تضاد.. اختلاف آمن لا تكسّر فيه عظام المختلفين..
————————————————
علاء سعد حسن….. عضو رابطة الأدب الإسلامي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق