السبت، 25 يونيو 2011

علاقة جماعة الإخوان المسلمين بحزب الحرية والعدالة…. فورين بوليسي، ناثان براون، الجمعة 27 أيار/مايو 2011

بعد فترة وجيزة من بدئي بالتدريس، جاءتني إحدى الطالبات إلى المكتب أثناء الدوام لأنها كانت مريضة وفاتها جزء من الحصة. كان ذلك أمراً مألوفاً، ولكن مابدا غير مألوف قليلاً هو أنها أحضرت والدتها معها. شرحت للطالبة أن بإمكانها الحصول على مساقات غير كاملة، لكنّي نصحتها بذلك كملاذ أخير فقط، لأنه لن يكون من السهل التعويض عن العمل بعد أن تكون بدأت مجموعة جديدة من الدورات في الفصل الدراسي المقبل. قالت والدتها بصوت خفيض، "إنه محق يا عزيزتي. أنت تعرفين كيف أشعر بشأن الدرجات الناقصة".
هذه كانت أول مقابلة لي مع " الأم أو الأب الحوّامة" ( الهيليكوبتر) Helicopter Parent (*)، أي الوالدة أو الوالد اللذان يغطان فوق أبنائهم وبناتهم البالغين كالحوامات، ويرصدون خياراتهم، ويقدمون لهم المشورة غير المرغوب فيها، ويتدخلون في تفاعلاتهم اليومية.

ليس ثمة صورة أفضل من تلك لوصف سلوك جماعة الإخوان المسلمين المصريين تجاه الحزب السياسي الذي تدّعي أن دورها يقتصر على إطلاقه فقط. وربما هذه تفرض مشكلة على الديموقراطية المصرية. إذ تقول الجماعة الأم الإخوان المسلمين أن حزب الحرية والعدالة الجديد سيكون حراً في تحديد خياراته. بيد أنه لايمكن لجماعة الإخوان بوصفها "الأم الهيليكوبتر" مقاومة إغراء أن تشير على ذريتها الذين سيكونون قادة الحزب الجديد، حول ما يرمز إليه، وكيف سيتم تنظيمه، ومن الذي ينبغي أن ينضم إليه، ومن سيكون مرشحوه. الحزب مستقل تماماً في عملية صنع القرار – طالما أنه يقوم بما يطلب إليه بالضبط. وبالفعل، ليس الحزب وحده هو الذي يقال له مايجب أن يقوم به - فقد قيل لأعضاء من حركة الإخوان المسلمين بألا ينضمّوا إلى أي حزب آخر، وأن يطيعوا قواعد سلوك الحركة في المجال السياسي. هذا النوع من العلاقة بين الحركة وبين الحزب هو مايجعل الإخوان بالفعل شريكاً صعباً بالنسبة إلى الجهات السياسية الفاعلة الأخرى. وعلى المدى الطويل، فإن ذلك قد يجعل الإسلاميين أطرافاً مُربِكة في الانتخابات.

كان من المتوقع أن تقوم علاقة وثيقة بين الحزب وبين الحركة، بيد أن هذه العلاقة هي بالفعل أكثر من وثيقة، حيث تتم إدارتها بكل تفاصيلها. ففي الاجتماع الأخير لمجلس شورى جماعة الإخوان (هيئة اتخاذ القرارات التي تضم ما يقرب من 100 من الأعضاء لم تكن قادرة على الاجتماع في سنوات حكم مبارك خوفاً من الاعتقال)، وكذلك في سلسلة من القرارات الأخرى التي تم الإبلاغ عنها على نطاق واسع في الصحافة المصرية، قامت الحركة الأم الحامية بالخطوات التالية:
  • بعد الإصرار مراراً وتكراراً على أن الحزب سيكون قادراً على اختيار زعيمه، لم تتمكن جماعة الإخوان من مقاومة تقديم هدية سخية على نحو غير عادي إلى ذريتها: سينتقل ثلاثة من أعضاء هيئتها العليا - مكتب الإرشاد - إلى الحزب لإدارته. الثلاثة جميعاً (محمد مرسي وسعد الكتاتني وعصام العريان) مهرة وذوو خبرة في جميع النواحي، مثل التحدث إلى الصحافة، وتنظيم وإدارة شؤون الحركة، والعمل كأعضاء في البرلمان. وفي حين أن شخصياتهم متباينة جداً، فإنهم جميعاً يعطون انطباعاً بأنهم أشخاص أكفاء جداً. لكن يتميّز الثلاثة أيضاً بأنهم موالون جداً لحركة الإخوان.

  • يقال أيضاً إن الحركة (وليس الحزب) وضعت اللمسات الأخيرة على برنامج الحزب الأساسي.وليس من المحتمل أن يكون هذا البرنامج وثيقة مقتضبة أوغامضة، ففي وقت سابق أشارت مسودات مسرّبة إلى مجموعة مفصّلة من المقترحات الخاصة بالسياسات.

  • لم تكتف الحركة بكتابة برنامج الحزب فقط، بل صادقت أيضاً على نظامه الداخلي. وفي سياق هذه العملية، تركت الحركة بصمتها القوية جداً. إذ يوضح النظام الداخلي، على سبيل المثال، أن الحزب ملتزم بالإصلاح السلمي والتدريجي على أسس إسلامية. إصلاح ماذا؟ يسعى الحزب إلى "إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع والحكومة، ومن ثَمَ مؤسسات الدولة". إصلاح المؤسسات السياسية أمور معيارية. لكن الأمر يحتاج إلى نوع خاص جداً من الأحزاب السياسية لتقول للناخبين أنها تريد إصلاحهم وإصلاح أسرهم كذلك. في الواقع تلك هي المهمة التقليدية للحركة الأم "الإخوان"، إذ من المنطقي أكثر بالنسبة إلى حركة كالإخوان التركيز على مساعدة أعضائها لتطوير أنفسهم من قيام حزب بالترشح على أساس إصلاح الفرد والأسرة كبرنامج له.

  • قررت الحركة (وليس الحزب) أنها ستنافس على نصف المقاعد في البرلمان. (في وقت سابق، أشار قادة الحركة على الدوام إلى أنهم سيسعون في الغالب إلى الحصول على ثلث المقاعد، على الرغم من أنهم كثيراً م كانوا حريصين على إضافة أنه لم يتخذ أي قرار نهائي. ولم يتم توضيح الآفاق الانتخابية الزائدة للحزب بشكل جيد، وكانت الحجة الأكثر قبولاً هي أن المنافسة على المقاعد الإضافية ستكون أفضل وسيلة لضمان بلوغ الحزب الهدف الذي يبدو أنه يريده: ربع أوثلث مقاعد البرلمان أو شيء من هذا القبيل؛ والإشارات المتقاطعة المحيطة بالقرار ربما تكون أيضاً نتيجة لنقل السلطة من مكتب الإرشاد الصغير والأكثر تماسكاً إلى مجلس الشورى الأكبر حجماً والأكثر تنوعاً والأقل سيطرة.

  • الحركة لاتحدّد فقط عدد المرشحين للانتخابات النيابية التالية، بل يبدو أيضاً أنها تختار الأسماء. ووفقاً لإحدى الروايات على الأقل، تعدّ الحركة فعلاً قوائم منفصلة للمرشحين، بعضها خاص بنظام القائمة الحزبية (مليئة بأسماء البرلمانيين الأكفاء)، وبعضها خاص بنظام يستند إلى الدائرة (مليئة بأسماء من يرجّح أن يخدموا دوائرهم الانتخابية المحلية أيضاً). ولذلك، فإن القائمة النهائية للمرشحين لن تحدّد حتى يوضح القانون الانتخابي الجديد نظام التصويت االمختلط الذي يعتمد القائمة والدائرة الانتخابية.

  • أوضحت الحركة أيضاً توقعاتها في شأن مدى التزام أعضائها بتوجيهاتها في المجال السياسي. ليس مطلوباً من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين الانضمام إلى الحزب، لكن يقال لهم ألّا ينضمّوا إلى أي حزب آخر. وقررت الحركة ألّا ينافس أعضاؤها على الرئاسة، وإذا ماترشّح عضو مكتب الإرشاد السابق عبدالمنعم أبو الفتوح بالفعل، فسيكون ذلك على الأرجح سبباً لطرد هذا القائد المُقصى أصلاً من التنظيم. وثمة روايات عديدة تقول إن جماعة الإخوان المسلمين تتجاوز مسألة إبلاغ أعضائها بما لاينبغي أن يفعلوا؛ كما يقال إن الفروع المحلية للجماعة تقترح أسماء أعضائها الذين يجب أن يدخلوا ميدان العمل السياسي للحزب.
عندما يتم الضغط عليهم بشأن إدارتهم الدقيقة للحزب، يستجيب مسؤولو الحركة مدافعين: فهم يزعمون أنه يتم القيام بذلك كي يعمل الحزب بنجاح ليس إلّا. وحالما يتم تأسيسه، فهو حر في أن يتطوّر كما يرى أعضاؤه أنه مناسب لهم. ولكن بما أن الجماعة هي التي شكّلت هيكل الحزب وقادته وأعضاءه وبرنامجه بشكل وثيق، فليس من المرجّح أن يتطور كثيراً على الإطلاق.
تدرس الحركة حاليا الخيارات المتاحة أمامها في مجالات بعيدة عن المجال السياسي. فقد أشارت إلى نواياها بتكوين نواد للشباب، ووسائل للبث الإعلامي، وحتى تشكيل فرق لكرة القدم (ما حدا ببعض المصريين إلى القول مازحين إن اللاعبين الإخوان سوف يتبعون مسار الحزب السياسي من خلال السعي لتحقيق التعادل فقط في كل مباراة).
إذا لم تتطوّر حركة الإخوان في اتجاهات مختلفة كثيرة مع الإبقاء على مراقبة شديدة على مختلف جوانبها، فإنها ستفرض صعوبات على المؤسسات الديموقراطية المصرية. تاريخياً، كان تركيز جماعة الإخوان الواسع ومصالحها المتنوعة بالضبط، هو ماجعل منها شريكاً صعباً في التحالفات. فعندما يجلس زعيم سياسي علماني مع شخص من الإخوان، فإنه/فإنها يجد أن الشريك المحتمل حذر، وحريص على حماية مروحة واسعة من الأنشطة، ويقظ بشأن الالتزام بأجندات محدّدة أو بحلّ وسط بشأن القضايا القائمة على برامج أو خطط.
لقد أوضح المرشد العام للإخوان في الآونة الأخيرة أنه في حين أن الحركة تدعم الديموقراطية والحرية، فإنها فعلت ذلك في إطار مرجعية إسلامية، وأن " الديموقراطية لايمكنها تحليل الحرام أو تحريم الحلال"، من الناحية الدينية، "حتى لو اتفقت الأمة بأكملها على ذلك".
هذه الصيغة العامة في الواقع تنطوي على صدى شعبوي على نحو ساخر في سباق مجتمع يبقى محافظاً ومتديّناً إلى حد ما. سوف تحدث المشكلة عندما يراقب قادة الحركة عن كثب للتأكد من أن الحزب يفسّر تلك الصيغة العامة وفقاً لتعليماته الصارمة. ومن المرجّح أن تجد الجهات السياسية الفاعلة الأخرى في حزب الإخوان المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمثل هذه الحركة شريكاً في لعبة السياسة الديموقراطية المضطربة. وفي الواقع، يظهر التحالف الثوري الذي أسقط حسني مبارك مؤشرات جدية على وجود نقاش حادّ بشأن مثل هذه القضايا على وجه التحديد. فقد غابت جماعة الإخوان عن بعض الاجتماعات والمظاهرات الأخيرة التي عقدتها القوى السياسية الأخرى ذات النكهة المعارضة. لكنها لم تتردد في إرسال ممثليها إلى اجتماع تمت المصادقة عليه رسمياً.
 إن العلاقة الوثيقة مع الجماعة ربما تخدم الحزب بشكل جيد في المجال الانتخابي في المدى القصير. إذ سيكون لديه جيش من العمال المكرّسين لتنظيم حملته في جميع أرجاء البلاد. لكن على المدى الطويل، لدى الجماعة والحزب دوافع تنظيمية مختلفة جداً. فالحزب المعني بالفوز في الانتخابات يريد جذب أعداد كبيرة من الناخبين. والحركة المعنية برسالة إديولوجية تهتم بمستوى التزام أنصارها الأساسيين. وقد تمّ في الأيام الأخيرة، تصوير عضو سابق في البرلمان عن جماعة الإخوان على شريط فيديو وهو يقول لأعضاء الجماعة إن عليهم أن يتزوجوا فقط من داخل الحركة. هذا النوع من المواقف الانعزالية - التي خدمت الجماعة جيداً في ظل ظروف سلطوية قاسية - هو الذي يجعل الانتقال إلى السياسة الديموقراطية الشاملة تحدياً كبيراً. ولكن في ظل المراقبة الوثيقة التي تمارسها الجماعة على الحزب، ليس من المرجّح أن يكون التوتر بين السعي لكسب أعداد كبيرة من الأصوات وإنجاز رسالة الحركة محسوساً على المدى القصير.
إن مقارنة حزب الحرية والعدالة بطالبتي التي تفكّر بالمساقات غير الكاملة ليست قياساً دقيقاً. فعندما يتعلق الأمر بالتحوّل الديموقراطي، فإن الحركة التي تربي الحزب على طريقة "الأم الحوّامة"، تعطي ذريتها بالضبط المشورة المعاكسة لتلك التي تقدّمها والدة طالبتي: إنه لشيء كثير أن تتم التوصية بمساقات ناقصة.
———————————————
(*)"الأم أو الأب الحوّامة ( الهيليكوبتر) Helicopter Parent تعبير عامي بالإنكليزية برز في الولايات المتحدة في أوائل القرن الحادي والعشرين للإشارة إلى العناية والرقابة المُفرطين بالأطفال من قِبَل الأهل. (المترجم).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق