الأربعاء، 22 يونيو 2011

صوتك يا مواطنة بلا قيمة….. عمرو حمزاوي


أخطر ما تتجاهله القوى السياسية والشخصيات الوطنية المحترمة التى تتبنى الآن الدعوة إلى «الدستور أولا» هو الانطباعات شديدة السلبية التى تتركها دعوتهم فى نفوس المواطنين المصريين بشأن القيمة الفعلية للممارسة الديمقراطية.
فكيف لمن طالب المواطنين بالمشاركة الفعالة فى بناء الديمقراطية والتصويت فى استفتاء التعديلات وتشجيع آخرين على التصويت والامتناع عن المقاطعة أن يقترح عليهم تجاهل نتيجة الاستفتاء دون الاستناد إلى تجاوزات وخروقات فعلية تبطل الاستفتاء قانونا (وهى لم تحدث)؟ قطاع عريض من المواطنات والمواطنين يرى فى هذا استخفافا بهم وبمشاركتهم وعودة إلى عقود «صوتك يا مواطنة لا قيمة له» أو ربما بصيغة معدلة «صوتك يا مواطنة لا قيمة له إلا حين تصوتين تماشيا مع قناعاتى».
كيف لمن يريد تحولا ديمقراطيا أن يشكك المواطنين فى القيمة السياسية لمشاركتهم فى الممارسة الديمقراطية بتجاوز ما وافقوا عليه فى استفتاء التعديلات؟ وكيف يقتنع المواطنون فيما بعد، فى اختبارات ديمقراطية قادمة، بأن مشاركتهم وأصواتهم سيتم احترامها وسيعتد بها؟ هل يمكن، وبعد عقود من الاستبداد رسخت لدى المواطنين الشك فى السياسة والساسة والأحزاب ونستدعى ذاكرتها الأليمة بتجاهل نتيجة الاستفتاء، إقناع المواطنين بمغزى المشاركة الواعية فى الانتخابات البرلمانية وبقيمة الصوت الانتخابى إن كانوا يعلمون أن بعضا ممن سيشارك بالانتخابات قد لا يقبل النتائج ويجرد العملية الانتخابية من الشرعية؟ بالقطع لن ننجح فى إقناع المواطنين بالمغزى الديمقراطى وسنتركهم مجددا فريسة للعزوف عن السياسة وعن نخبها المتعالية.
والمؤكد أن من يتحرك خارج دوائر النخب السياسية يستطيع أن يدرك جيدا الشعور بالمرارة لدى الكثير من المواطنين لتجاهل تفضيلاتهم من قبل نخب تناقش قضايا الوطن فى العاصمة وكأنها امتلكت الوطن أو لديها توكيل عام بالوصاية عليه. بغض النظر عن أسباب ومرتكزات تفضيلات واختيارات المواطنين والتى دفعت أغلبية منهم للتصويت بنعم فى استفتاء التعديلات، لا يجوز ديمقراطيا التعامل مع التفضيلات والاختيارات هذه باستعلاء وصلف. كتبت أكثر من مرة، وأصدق القراء القول بأننى بت أشعر بألم شديد من الحاجة لتكرار هذا بين الحين والآخر، إن من صوتوا بنعم هم أيضا مواطنون كاملو الأهلية ويتمتعون بحس وطنى وضمير يقظ يبتغى مصلحة الوطن العامة وأن إرادتهم لابد وأن تحترم. حديث بعض ممثلى النخب عن هؤلاء بصلف على أنهم جهلاء لا يدركون مصلحة الوطن سبب ومازال إحباطا شديدا لدى مواطنين باتوا يبتعدون تدريجيا عن السياسة وعن نخب لا يشعرون فقط أنها لا تمثلهم، بل وتتعالى عليهم.
لا تملك القوى السياسية حق احتكار الحديث باسم الضمير الوطنى ولا حق التعامل باستخفاف مع أصوات المواطنين مبررا بادعاء أنها تدرك طبيعة الخيارات الأفضل للوطن. فمثل هذه التوجهات لا تعدو إلا أن تكون صيغا معدلة من مقولات الاستبداد التقليدية من شاكلة «نحن ندرك مصلحة الوطن والمواطنين» والتى لا تترك للمواطن سوى مساحات الفعل التابع والأخير نقيض للممارسة الديمقراطية التى تبنى المواطن الحر الواعى المسئول.
أرجو القوى السياسية الداعية إلى الدستور أولا من تيارات ليبرالية ومدنية، وأنا منهم، إلى إعادة النظر فى موقفها والتدبر فى تداعياته السلبية على انفتاح المواطنات والمواطنين المصريين على الإسهام فى بناء الديمقراطية والمشاركة فى اختباراتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق